مقالات

نصائح ابي بكر …

لَمَّا كَانَت غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بالخروج ، خَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ بَعَثَ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ مَدَداً لِعُمَرَ.

قَالَ رَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ الطَّائِيُّ: كُنْتُ مِمَّنْ نَفَرَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَ كُنْتُ رَجُلًا أَغْيَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، وَ كُنْتُ أَجْمَعُ الْمَاءَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ وَ أَجْعَلُهَا فِي أَمَاكِنَ أَعْرِفُهَا، فَإِذَا مَرَرْتُ بِهَا وَ قَدْ ظَمَأْتُ اسْتَخْرَجْتُهَا فَشَرِبْتُ مِنْهَا، فَلَمَّا نَفَرْتُ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ، قُلْتُ: وَ اللَّهِ لَأَخْتَارَنَّ لِنَفْسِي صَاحِباً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، فَاخْتَرْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَ صُحْبَتَهُ، وَ كَانَتْ لَهُ عَبَاءَةٌ فَدَكِيَّةٌ فَإِذَا رَكِبَ حَمَلَهَا وَ إِذَا نَزَلَ بَسَطَهَا.
فَلَمَّا قَفَلْنَا 1 قُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ رَحِمَكَ اللَّهُ، عَلِّمْنِي‏ شَيْئاً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ؟
قَالَ: قَدْ كُنْتُ فَاعِلًا وَ لَوْ لَمْ تَسْئَلْنِي، لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَ آتِ الزَّكَاةَ، وَ صُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَ حِجَّ الْبَيْتَ وَ اعْتَمِرْ، وَ لَا تَتَأَمَرَنَّ 2 عَلَى اثْنَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا أَمَرْتَنِي مِنَ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ حِجِّ الْبَيْتِ فَإِنِّي فَاعِلُهُ، وَ أَمَّا الْإِمَارَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ لَا يُصِيبُونَ هَذَا الشَّرَفَ وَ هَذَا الْغِنَى، وَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَّا بِهَا.
قَالَ: إِنَّكَ اسْتَنْصَحْتَنِي فَجَهَدْتُ لَكَ نَفْسِي.
قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ اسْتُخْلِفَ أبا [أَبُو] بَكْرٍ جِئْتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَ لَمْ تَنْهَنِي أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: فَمَا لَكَ تَأَمَّرْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ وَ خِفْتُ عَلَيْهِمُ الْهُلْكَ، وَ دَعَوْنِي فَلَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنْ ذَلِكَ.

قال مؤلف الكتاب: فهذا أبو بكر ينهى عن طلب الإمارة حيث لم يطمع فيها، فلمّا لوّح له بها وثب عليها 3.

  • 1. أي رجعنا.
  • 2. أي لا تقبل أن تكون أميراً على اثنين من المسلمين.
  • 3. المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام: 219، لمحمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، المتوفى سنة 326 هجرية، الطبعة الاولى سنة: 1415 هجرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى