نحتاج الهدوء والعقل فالانفعال المتواصل مرهق، والصخب الدائم مقلق، والتأجيج المنفلت يضر ولا ينفع، كما أن الانزعاج المستمر يسبب الأرق ويتلف الأعصاب.
في قضايانا الصغيرة وربما التافهة قد ننفعل كما حصل في مباراة كرة القدم بين الشعبين العربيين المسلمين الجزائري والمصري، فنحطم ونكسر ونعتدي ونقتل أحيانا، ويرتفع الصراخ والضجيج فيغطي كل الفضائيات التي يمكننا الوصول إليها، ولكن يجب أن نهدأ ولابد أن نهدأ لأن الفوضى دمار.
وفي قضايانا الكبيرة كالإساءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) انفعلنا وتوترنا كثيرا، وحق الرسول علينا ذلك، لكن التوتر الخارج عن الحد دفع ببعض البسطاء من محبي الرسول للاعتداء على الكنائس والمعابد وإيذاء من لا ذنب لهم ولا جرم، فضرب البريء وروع الآمن، وكادت الأمور في بعض الدول العربية والإسلامية تخرج عن السيطرة، وأن تصل إلى أبعد مما وصلت.
وكان من عقلنا كمسلمين أن نهدأ ونتأمل ونعالج الأمور بطريقة أكثر حضارية وعقلانية ووعيا، وأن نعرف الأوراق الضاغطة والقانونية في مثل هذا الاعتداء، كي يكون أثرنا مفيدا ومعالجاتنا ناجعة.
واليوم يعيش الشعب الماليزي حالة من الاحتقان إثر قرار من المحكمة بالسماح للمسيحيين باستخدام كلمة (الله) في كتبهم ومطبوعاتهم بدل كلمة (الرب) التي دأبوا على استخدامها منذ أمد بعيد، فأحرقت كنائس وقتل أبرياء وعمت الفوضى في بعض المناطق ولا زالت الأمور في وضع البارود القابل للانفجار، وكلنا أمل والتماس من الشعب الماليزي ليهدأ ويضع الأمور في مواضعها، ويعيدنا إلى الصورة التي رسمناها عن تعدده وتنوعه وتداخل جميع مكوناته.
الصخب يهيئ أرضية خصبة للمزايدات التي قد تغري حتى العقلاء ومن تؤمل منهم الحكمة والرزانة، فيدخلون الميدان بالصوت الأعلى، وربما يفوزون بالكأس ويعلو التصفيق، في زمن قلت فيه الأهداف، لكن الثمن على المجتمع مكلف وباهظ، وكلما طال زمن الصخب وحراكه حاول كثيرون اللحاق به والانضمام إليه تماشيا وركوبا للموج.
الصخب يمكن أن يصنعه كل أحد وببساطة، فهو خطاب أو مقال لا برنامج يعقبه ولا خطوات بنائية تلحقه، ولذلك أصبح سهل المنال، وقليل الكلفة، ولو رجعنا لمواقع النت على اختلافها وتنوعها لعلمنا أن رواده كثير وأمراءه أكثر وشجعانه لا يحصون عددا.
وإذا كان عالم الصخب والانزعاج والصراخ أمرا فطريا، لأنه دليل ألم ووجع، وحركة للأمور في أمكنة وأزمنة مضرة، فإن التعامل مع الوجع يكون بمقدار الحاجة والضرورة، فالصرخة قد تكون مقبولة، لكن تواصلها واستمرارها سيؤدي نتائج عكسية، وسيولد آلاما مضاعفة تتدحرج ككرة الثلج فتوجد شرخا لا يلتئم، وجرحا لا يبرأ، وتندفع الأمور من سيئ إلى أسوأ.
كلنا اليوم أفرادا وجماعات نعيش حياة بشرية لا عصمة فيها، فنرد الخطأ ونقع في الزلل، وندعو الله دائما ﴿ … رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا … ﴾ 1، وعليه فسلسلة الأخطاء لن تتوقف لا منا ولا من غيرنا لأنها ملازمة لبشريتنا الفاقدة للعصمة، وعلينا ألا نتعامل مع أخطاء بعضنا بنفس من توقفت عنده الحياة وتجمدت الحركة، بسبب زلة هنا وخطأ هناك.
الهدوء هو وحده الذي يمكن أن يعطي الدافع لتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي، أقول هذا وأنا أدرك أنه في زمن التشنج والتوتر، سيبدو هذا الكلام هراء، وستكون الآذان نافرة من سماعه، لكني أردت بما كتبت أن أرضي ضميري أولا وأخيرا، وأن أجهر بأصوات وآراء سمعتها من أحبتي وأهلي في منطقتي، لكن ربما يخيفها زمن التشنج من الظهور والتعبير عن نفسها2.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 286، الصفحة: 49.
- 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله، والمقال منشور في صحيفة اليوم 23 / 1 / 2010م، العدد 13371.