نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله…
وأما بعد.. فقد قال مؤلف كتاب مفتاح المعرفة للدخول إلى عالم العرفان الإسلامي، ط دار الأضواء / بيروت. 2001م. ص244: «..ومن جانب آخر، إضافة إلى تجنيب موسى قومه الجهاد في سبيل الله، مراعاة ربما لجبنهم أو طبيعتهم الأنانية، فإن اعتقاده بالله عز وجل، إضافة على ما قلناه سابقاً كان ذا أفق ضيق بالنسبة لأفق محمد (صلى الله عليه وآله)، أو آفاقه المفتوحة بدون حدود الخ..». وقال ص 266: «..المسلم يرى الأنبياء والأوصياء والأولياء معلمين وقادة، ولا ضرورة لتوسطهم بينه وبين الله جلت عظمته، وهذا معلوم ومشهور في صلاته..» إلى أن يقول: «..بينما عيسى (عليه السلام)، علم الناس أن يقولوا في صلاتهم: ربنا الذي في السماوات؛ كان يرى الله بعيداً عن الناس». نرجو من سماحتكم أن تبينوا لي مدى صحة أو خطأ هذه الأفكار التي طرحها المؤلف في كتابه حول العرفان الإسلامي من الناحية العلمية العقائدية..
والسلام.
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فأما بالنسبة للفقرة الأولى، الخاصة بنبي الله موسى (عليه السلام)، فإننا نقول:
أولاً: إنه بغض النظر عن قائل هذا القول، فإن قوله هذا أغنانا عن السؤال عن اسمه أو صفته، حيث إنه قد أظهر حقيقة هذا القائل، وبيَّن صفته لنا بأجلى بيان، وأوضح برهان، لأن كل من يقرأ كلامه هذا، يعرف أنه إنسان جاهل، فاسد العقيدة، أو مغرور بنفسه، لا يتورع عن المساس بقداسة أنبياء الله وأصفيائه (صلوات الله وسلامه عليهم)، وعلى نبينا وآله..
ثانياً: إن في هذه العبارة خلطاً واضحاً بين الاعتقاد وبين العلم.. فإن العلم يزيد وينقص، ويكون كثيراً وقليلاً، محدوداً بحدود، وذا أفق ضيق، أو مفتوحاً في جميع الاتجاهات بدون حدود.. وقد يتخذ الإنسان ما يعلم به معتَقَداً له.. ويعقد قلبه عليه.. وقد يجحده، تماماً كما قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ … ﴾ 1.
نعم قد يكون هناك اختلاف في درجات اليقين ، فيما يرتبط بالأمور الغيبية.. كما يظهر من الآيات القرآنية، فهناك اليقين، وحق اليقين، وعلم اليقين..
وقد أشار الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى هذا الاختلاف حين قال: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً..
وأما بالنسبة للفقرة الثانية فيه .. فإننا نقول:
أولاً: إن الصلاة التي نقلها، إنما نقلها عن الإنجيل الذي حرفه المحرفون، فلا يصح إسناد ما فيه إلى نبي الله عيسى (عليه السلام)..
ثانياً: إن الله سبحانه هو الذي يحدد ويقرر لنا مهمات الأنبياء، وهل هم مجرد معلمين وقادة؟ أم أن لهم مقامات أخرى..
وقد دلت الآيات والروايات على أن للأنبياء والأوصياء دوراً في التدبير والحفظ للموجودات أيضاً.. ويكفيك الأحاديث الدالة على أنه لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها..
وعلى أن الله يرزق العباد بهم.. وبهم ينزل المطر من السماء.. وبهم.. وبهم.. الخ..
فلا معنى لقول صاحب ذلك الكتاب: إن المسلم يرى أنهم مجرد معلمين وقادة، فإن المسلم لا يرى إلا ما أراه الله إياه، وما طلب منه أن يعتقد به.. وذلك واضح لا يخفى..
والكتاب الذي يشتمل على مثل هذه الأضاليل، لا تجوز قراءته ويحرم تداوله..
والحمد لله رب العالمين 2.
- 1. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 14، الصفحة: 378.
- 2. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الخامسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (246).