مقالات

من هم المثقفون؟!

بادرني زائري المشهود له في مجتمع المثـقفين والذي ما عرفته إلا حاضراً فاعلاً بينهم ، وقد عاد لتوه من معرض الكتاب.. قال: أمرٌ محير حقاً، هل تـُعرِّف لي مَنْ هو المثقف؟

ولم ينتظر جوابي.. فتابع:‏

يـبدو أن مصطلح المثـقف كمصطلحات كثيرة تتطاير من حولنا ولم تجد، ويبدو أنه لن تجد تفسيراً لها.‏

يكثر استعمال مصطلح “المثـقف” من دون أن يتطوع أحد لتعريفه ووضع حدود له تنظم استعماله حتى لا يطلق على عواهنه في كل مناسبة وحدث، فبتنا نلاحظ صدور بيانات بعد اجتماعات أو واقعة ويستعمل مصطلح “المثـقفين” الذين يؤيدون أو يستـنكرون أو يوافقون أو يرفضون.‏

ومنذ أيام قرأت بيانا سياسياً يستنكر فيه المثقفون حدثاً معيناً، وعندما هممت بتصفح بعض الأسماء، وجدت أن واحداً منهم أعرفه ثم تابعت تمحيصي لأجد أسماء أُخر أعرفها، واهتممت بالموضوع أكثر وراجعت بيانات واجتماعات أخرى… فرأيت التالي:‏

أحد “المثقفين” المدرجين في اللوائح لم يصل إلى الشهادة المتوسطة، وليس هذا عيباً وإنما انصرف إلى عمل حرفي ثم أخذ يتعرف ويدخل بعض الأجواء الإجتماعية وأصبح له شأن، فحمل هذا اللقب!!‏

وآخر كان زميلا في مدرستنا ثم خرج وإتخذ له عملا ً ميكانيكياً بسيطا إلى أن شاءت الظروف أن يصبح من الأغنياء … فأصبح إسمه يدرج في لائحة المثقفين كل مرة!!‏

وزميل ثالث لم أعرفه إلا بتنميق كلامه واكثاره من هوايته في إستعمال السجع والقوافي في كل شارد ووارد … ففوجئت بأنه “مثقف شاعر” يُصدر الدواوين ويشارك في هيصات”التواقيع” على الكتب… وأخبرني أحد أقاربه أنه لا يفارق مقهى يرتاده “المثقفون” على ضفاف أحد شوارع بيروت!!‏

فعلا ً أمر محير، ما معنى” المثقف”؟‏

أتسائل بصدق!‏

هل هو صاحب شهادة أو مستوى علمي معين أو ينطق بلغات أو يتابع السياسة أو لديه معلومات عامة أو لديه القدرة ليتكلم في المجتمع أو يشارك في الندوات أم عنده اختصاص أم محصور بالأطباء والمهندسين أم تنضم اليهم فئة الاساتذة، وأي فئة من الأساتذة…؟‏

وماذا عن الفنانيين والمطربين…الذين أيضا يُنسبون لهذه الفئة، ومن هم الفنانون والمطربون؟‏

وماذا عن الفلاح والطالب وصاحب الحرفة..‏

وهل بات كل صاحب تاريخ يساري أو اشتراكي أو تجربة حزبية يُنسب أيضاً لهذه الطائفة؟!‏

فعلا ً نحن بحاجة لتعريف واضح وجلي حتى لا تتداخل الأمور بعدما بات استعمال هذا المصطلح شبه يومي وحتى لا يُظلم المثقفون ولا تُظلم الثقافة، ويبقى الأمر مستباحاً لكل طارئ وهاوٍ.‏

أمرٌ يشغل البال، خاصة ً أننا نعلم فئة من أهل الرأي والحكمة والمسؤولية لم تساعدهم الظروف على البروز فلم يتـشرفوا بالانتماء لطبقة المثقفين، وكثيرون غير ما ذكرت أعلاه نعرفهم وهم أصحاب مستويات علمية عادية أو أقل ساقتهم الظروف للدخول في أحزاب أو جمعيات أو نشاطات إعلامية حتى لا نقول مؤسسات إعلامية… فأصبحوا خبراء ومحللين ومثقفين بقدرة قادر!‏

أعتقد أن هذا الطلب طلب عام لا يعارضه أحد تماماً كاستعمال مصطلح “النخب” الذي أصبح مستهلكاً وممجوجاً الى حد بعيد، فمن أُريد مدحه ورفعه وإبرازه أصبح من “النخب” ومن لم يحالفه الحظ كان من “الجماهير الشعبية” الكادحة!‏

من حقنا أن نعلم كيف نستعمل هذه المصطلحات، لأنها من جهة ترفع قوماً أكثر من موقهم الطبيعي السوي، فيـفسدونَ ويـُفسدون، ومن جهة أخرى نُنقص من حقوق فئات شعبية كثيرة من الناس بل هي الأكثر، تحت عناوين ظالمة لأنهم من غير النخب وليسوا مثقفين بل هم من العوام.. فلا رأي لهم !‏

فمَنْ لاعلاقات له، ومن لا إعلام له، يعيش معزولاً بين العوام،….. ويُنسب للصعاليك المحرومين من نعمة حمل لقب “المثقف”.‏

بكل المقاييس الإنسانية وغيرها لا يجوز الحديث مع قوم باستعلاء، ومع قوم آخرين باستخفاف، وكلاهما ظلم ومجانبة للحقيقة1.‏

  • 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى