نور العترة

من سيرة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

٨ ـ قب : هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لابرهة النصراني : كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله قال : فابتدأ موسى عليه‌ السلام يقرأ الإنجيل فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلّا المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة ، فأسلم على يديه.

حجّ المهدي فلمّا صار في فتق العبادي (۱) ضجّ الناس من العطش فأمر أن تحفر بئر ، فلمّا بلغوا قريباً من القرار هبت عليهم ريح من البئر ، فوقعت الدلاء ومنعت من العمل ، فخرجت الفعلة خوفاً على أنفسهم فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيراً ليحفرا فنزلا فأبطآ ، ثمّ خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما ، فسألهما عن الخبر فقالا : إنّا رأينا آثاراً وأثاثاً ، ورأينا رجالاً ونساء فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباءا ، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون ، فقال موسى بن جعفر عليهما‌ السلام : هؤلاء أصحاب الأحقاف ، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم و أموالهم (۲).

دخل موسى بن جعفر عليه‌ السلام بعض قرى الشام متنكراً هارباً فوقع في غار وفيه رابه يعظ في كلّ سنة يوماً فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة فقال : يا هذا أنت غريب ؟ قال : نعم. قال : منّا ؟ أو علينا ؟ قال : لست منكم. قال : أنت من الأمّة المرحومة ؟ قال : نعم. قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم ؟ قال : لست من جهّالهم. فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمّد وأغصانها في كلّ دار ؟.

فقال عليه‌ السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كلّ مكان وكلّ موضع ، وهي في السماء. قال : وفي الجنّة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء. قال : وفي الجنّة ظل ممدود ؟ فقال : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظل ممدود قوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) (۳) قال : ما يؤكل ويشرب في الجنّة لا يكون بولاً ولا غائطاً ؟ قال : الجنين في بطن اُمّه. قال : أهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر. قال : مفاتيح الجنّة من ذهب ؟ أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنّة لسان العبد لا إله إلّا الله. قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه (٤).

وقال أبوحنيفة : رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثمّ قال : يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار ، ويتجنب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شآء.

قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليّ ثمّ قال : اجلس حتّى اخبرك ، فجلست فقال : إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعاً ، فان كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حقّ الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار فقلت : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) الآية (٥).

وروى عنه الخطيب في تاريخ بغداد (٦) والسمعاني في الرسالة القوامية وأبو صالح أحمد المؤذن في الأربعين ، وأبو عبدالله بن بطة في الابانة ، والثعلبي في الكشف والبيان ، وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌ السلام لما روى عنه قال : حدّثني موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد وهكذا إلى النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله ثمّ قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق.

ولقيه أبونواس فقال :

إذا أبصرتك العين من غير ريبة وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن ركبا أمموك لقادهم نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب
جعلتك حسبي في اُموري كلّها وما خاب من أضحى وأنت له حسب

الهوامش

۱. فتق العبادي سيأتي بعد هذا نقلاً عن الخرائج ص ٢٣٥ انه قبر العبادي فلاحظ.

۲. المناقب ج ٣ ص ٤٢٦.

۳. سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.

٤. المناقب ج ٣ ص ٤٢٧.

٥. نفس المصدر ج ٣ ص ٤٢٩ واخرج الحديث السيّد الشريف المرتضى في أماليه ج ١ ص ١٥١ وقد ذكر في آخره انّه قد نظم المعنى شعراً فقيل :

لم تخل أفعالنا اللاتي نذم لها احدى ثلاث خلال حين نأتيها
اما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما سوف بلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لا لهى في جنايتها ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها
سيعلمون اذا الميزان شال بهم أهم جنوها أم الرحمن جانيها

٦. تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢٢٧.

مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : ٤۸ / الصفحة : ۱۰٤ ـ ۱۰۷

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى