بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ
رُوي عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنَّه كان يكثر من هذا القول في دعائه وهو في السِّجن:
“اللّهُمَّ إنَّك تعلم أنِّي كنتُ أسألك أن تُفرِّغَني لعبادتك، اللّهُمَّ وقد فعلتَ فلكَ الحمدُ”.
المصدر: الإرشاد للمفيد، ج2 ، ص240.
بعض ما نستلهمه من هذه الرواية:
1 ـ أهمِّية التَّفكير من الزاوية التي تجعلنا نشعر بنعمة الله تعالى وتدفعنا لحمده وثنائه في أصعب الظروف وأحلكها. وهذا يندرج فيما يعبَّر عنه بالتفكير الإيجابي، وهو من أسباب قوَّة الإنسان، وينبغي للمؤمن أن يراقبَ كيفيَّةَ تفكيره، ويتدرَّبَ على هذا النَّوع من التفكير الذي يُحوِّل البلاءَ إلى فرصة.. وَلْيطلُبِ التوفيق لذلك من الله تعالى.
2 ـ الإنسانُ في وحدته لا يقع فريسةً للاكتئاب ولا ينهار نفسيًّا حين يكون قلبُه مُستأنساً بوجود الله الذي هو حبيب قلوب الصادقين وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وفي الحديث القدسيِّ: “لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَاحِدٌ؛ لاسْتَغْنَيْتُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِي، وَلَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِيمَانِهِ أُنْساً لا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ”. [الكافي 2 : 245] ، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنَّه قال: “ما من مؤمن إلَّا وقد جعل الله له من إيمانه أُنساً يسكن إليه، حتَّى لو كان على قُلَّةِ جبلٍ لم يَستوحِشْ”. [أعلام الدين، ص460. وهو في المحاسن 1 : 159] .
3 ـ إنَّ طبيعة ما يشعر به الإنسان وما يتَّخذه من سلوك في الخلوات يمثِّل معياراً مُهمًّا لقياس درجة إيمانه، وقد قال الإمامُ جعفرٌ الصادق عليه السلام: “شِيعَتُنَا الَّذِينَ إِذَا خَلَوْا ذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً”. [الكافي 2 : 499] ، وقال الإمامُ محمَّدٌ الباقر عليه السلام: “مَنْ كانَ ظاهرُهُ أرجحَ مِنْ باطنه خفَّ ميزانُهُ”. [الأمالي للصدوق، ص492] ، وما يكون من الإنسان وهو مع الناس فهو من الظاهر، وما يكون منه في خلواته فهو من الباطن.
4 ـ إنَّ الإنسان يحبُّ أن يختلي بحبيبه، فيلتذُّ بمناجاته وقُربه، ويأنس به ويرتاح قلبه إليه.. والله تعالى هو حبيب من لا حبيب له، وهو الحبيب الحقيقي، وهو الحبيب الذي من محبَّته تكتسب كلُّ محبَّة قيمتَها.. فإذا كان الإنسانُ مُستأنساً بمثله من البشر، ولا يشعر بالأنس مع الله تعالى، أو يشعر بالوحشة حين يخلو، والخلوة هي الظرف الذي يختلي فيه الإنسان بربِّه، فهذا كاشف عن ضعف الإيمان بالله تعالى وبُعد الإنسان من الحبيب الحقيقي وأنَّ القلب غير عامر بالمحبَّة السامية والحقيقيَّة.. ومن هنا نفهم المقصود من قول بعض العلماء: “الوحدةُ طريقةُ الصدِّيقين، وعلامةُ الإفلاس القُرب من النَّاس”. [إرشاد القلوب 1 : 100] ، وقال بعض العلماء: “إنَّما يستوحش الإنسانُ من نفسه لخلوِّ ذاته عن الفضيلة، فيتكثَّر ـ حينئذ ـ بمُلاقاة الناس، ويطرد الوحشة عن نفسه بهم، فإذا كانت ذاتُه فاضلةً طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويستخرج العلم والحكمة، وكان يقال: الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس”. [شرح نهج البلاغة 10 : 44] ، وفي كتاب غُرر الحكم (ص199 برقم 3950) : “مَنْ أَنِسَ باللهِ استوحشَ مِنَ النَّاسِ”.
نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لما يحبُّ ويرضى.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.
✍🏻 زكريا بركات
