قال السيّد المرتضى (1) ـ عليه الرحمة ـ وحدّثني الشيخ ـ المفيد ـ أدام الله عزّه، قال : روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الاِمام الرضا علي بن موسى ، فبينا هما يسيران، إذ قال له المأمون: يا أبا الحسن إني فكرت في شيء، فسنح لي الفكر الصواب فيه ، إني فكرت في أمرنا وأمركم، ونسبنا ونسبكم، فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولاً على الهوى والعصبية.
فقال له أبو الحسن الرضا : إن لهذا الكلام جواباً، فإن شئت ذكرته لك وإن شئت أمسكت.
فقال له المأمون: لم أقله إلا لاَ علم ما عندك فيه.
قال له الرضا : أُنشدك الله يا أمير المؤمنين، لو أن الله تعالى بعث محمداً فخرج علينا من وراء أكمةٍ من هذه الآكام، فخطب إليك ابنتك أكنت تزوّجه إياها؟
فقال: يا سبحان الله، وهل أحد يرغب عن رسول الله ؟
فقال له الرضا : أفتراه كان يحل له أن يخطب ابنتي (2) ؟
قال : فسكت المأمون هنيئة ، ثم قال: أنتم والله أمسُّ برسول الله رحماً.
قال الشيخ ـ أدام الله عزّه ـ : وإنّما المعنى لهذا الكلام أن ولد العبّاس يحلون لرسول الله كما يحل له البعداء في النسب منه ، وأن ولد أمير المؤمنين من فاطمة ومن أمامة بنت زينب ابنة رسول الله يحرمنّ عليه ، لاَنهن من ولده في الحقيقة فالولد الصق بالوالد وأقرب واحرز للفضل من ولد العم بلا ارتياب بين أهل الدين ، فكيف يصحّ مع ذلك أن يتساووا في الفضل بقرابة الرسول فنبهه الرضا على هذا المعنى وأوضحه له (3) .
**********************************
(1) هو : علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، ويلقب بعلم الهدى والشريف المرتضى، ولد سنة 355 هـ في بغداد ، أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً وفقهاً، متوحدٌ في علوم كثيرة مجمع على فضله، مقدّم في العلوم مثل علم الكلام والفقه وأُصول الفقه والاَدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك ، وله من الكتب ـ كما قيل ـ ثمانون ألف مجلد، وله مصنّفات كثيرة منها كتاب الشافي في الاِمامة، تنزيه الاَنبياء، الفصول المختارة من كلام الشيخ المفيد، ونكتاً من كتابه المعروف بـ «العيون والمحاسن » ، والجدير بالذكر أن الشيخ المفيد ـ أعلى الله مقامه ـ من شيوخ وأساتذة الشريف المرتضى، فقد لازمه وحضر عنده منذ صغره ومما يروى في هذا الصدد عن الشيخ المفيد : أنّه رأى في منامه فاطمة بنت رسول الله دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين فسلّمتهما له وقالت : علّمهما الفقه فانتبه متعجباً من ذلك ، فلما تعالى النهار في صبيحة الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضيّ وعلي المرتضى ـ رحمهما الله ـ فقام إليها وسلّم عليها فقالت : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه فبكى الشيخ المفيد وقص عليها المنام ، وتولى تعليمهما وأنعم الله عليهما وفتح لهما أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باقٍ ما بقي الدهر ، وتوفي الشريف المرتضى ـ أعلى الله مقامه ـ في شهر ربيع الاَوّل لخمسٍ بقين منه سنة 436 هـ في بغداد وصلّى عليه ابنه في داره ودفن فيها، وقيل إنه دفن مع أخيه الشريف الرضي عند الحسين في كربلاء كما ذكر ذلك الشهيد الثاني، واستظهر العلامة الطباطبائي رحمه الله كون قبره وقبر أبيه واخيه إلى جنب قبر السيّد إبراهيم المجاب ابن الامام الكاظم وكان من أجدادهم فدفنوا عنده ـ أعلى الله درجاتهم ـ . راجع : تنقيح المقال للعلامة المامقاني : ج2 ص284 ـ 285 ترجمة رقم : 8247، سير أعلام النبلاء : ج17 ص588 ، تاريخ بغداد : ج11 ص 402 ـ 403 ترجمة رقم : 6288 .
(2) وقد مر عليك عين هذا الاستدلال في مناظرة الاِمام الكاظم عليه السلام مع الرشيد ، وقد استخدمه الاِمام الرضا مع المأمون لاَنه أقوى في الحجة وغير قابل للاَنكار .
(3) الفصول المختارة للشيخ المفيد : ج 1 ص 16 ـ 17 ، كنز الفوائد للكراجكي : ج 1 ص356 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج 10 ص 349 ـ 350 .