المظالم جمع مظلمة، و المظلمة كل فعل جائر تجاه الطرف الآخر ( المظلوم )، سواءً كان هذا الفعل إغتصاب مال أو إتلافه أو حبسه و منعه عن الانتفاع منه، أو تضييع حق أو سلب إعتبار أو غير ذلك سواءً باشر ذلك أو تسبب فيه بحيث وجَّه إلى المظلوم خسارة مادية أو معنوية أو إعتبارية، ففعله هذا مظلمة و للمظلوم المطالبة بحقه من الظالم، و قد يكون الظالم شخصاً واحداً و قد يكون الظالمون جماعة، كما و قد يكون المظلومون جماعة أيضاً، بل و قد يكون المظلوم مجتمعاً بأسرة كما في الحقوق العامة.
مصطلح رد المظالم
رد المظالم مصطلح فقهي معناه أن على الظالم ردُّ تلك المظلمة إلى المظلوم بإرجاع المال المغتصب أو تعويض ما ضيع من حقه أو إعادة ما سلبه من من الاعتبار و المكانة الاجتماعية، أو إرضاء المظلوم بطريقة تؤدي إلى الصفح عنه.
و بما أن الاعتداء على أموال الآخرين و إضاعة حقوقهم حرام فرد المظالم واجب شرعاً أيضاً كما هو واضح، بل لا يجوز التسامح في ردها و إنما يجب المبادرة في ذلك، خاصة و قد وردت أحاديث كثيرة في ذلك و في الآثار السيئة لتأخير رد مظالم العباد.
وجوب المبادرة في رد المظالم
هذا و لا فرق في وجوب المبادرة في رد المظالم إلى اصحابها بين وجود المال المغتصب أو تلفه، و بين تمكُّن الظالم من رد المظلمة أو عدم تمكنه حيث أن حق المظلوم موجود في ذمة الظالم، فإن كان حق المظلوم موجوداً بعينه وجب رده اليه، و إن كان تالفاً وجب تعويضه أو إرضاؤه و التحلل منه و طلب الصفح منه.
المظالم و ردها في الاحاديث
رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: “مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ فِي قِبَلِهِ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَتَحَلَّلْهَا مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ، يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَزِيدَتْ عَلَى سَيِّئَاتِهِ” 1.
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: “مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ مُؤْمِنٍ غَصْباً بِغَيْرِ حَقِّهِ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُعْرِضاً عَنْهُ مَاقِتاً لِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا مِنَ الْبِرِّ وَ الْخَيْرِ لَا يُثْبِتُهَا فِي حَسَنَاتِهِ حَتَّى يَتُوبَ وَ يَرُدَّ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ إِلَى صَاحِبِهِ” 2.
و عن الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام: قُلْ لِلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ وَ أَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ وَ أَكُفٍّ نَقِيَّةٍ، وَ قُلْ لَهُمُ اعْلَمُوا أَنِّي غَيْرُ مُسْتَجِيبٍ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ دَعْوَةً وَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي قِبَلَهُ مَظْلِمَة” 3.
و عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام: “إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِذَا بَرَزَ لِخَلْقِهِ أَقْسَمَ قَسَماً عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا يَجُوزُنِي ظُلْمُ ظَالِمٍ وَ لَوْ كَفٌّ بِكَفٍّ وَ لَوْ مَسْحَةٌ بِكَفٍّ وَ نَطْحَةٌ مَا بَيْنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ 4 إِلَى الشَّاةِ الْجَمَّاءِ 5، فَيَقْتَصُّ اللَّهُ لِلْعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ إِلَى الْحِسَاب” 6.
و رُوِيَ عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قَالَ: “أَوَّلُ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ قَضَاؤُهُ” 7.
و عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ 8 عليه السلام يَقُولُ: “مَنْ أَكَلَ مَالَ أَخِيهِ ظُلْماً وَ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ أَكَلَ جَذْوَةً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” 9.
و لقد تعرض الفقهاء لأحكام المظالم و وجوب ردها و كيفية ردها في أبواب الطهارات و الغصب و الوصية و غيرها.
- 1. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 72 / 243، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هجرية.
- 2. ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 273، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة دار شريف الرضي للنشر، الطبعة الثانية، سنة: 1406 هجرية، قم / إيران.
- 3. الخصال: 1 / 337، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، الطبعة الأولى، سنة: 1403 هجرية، قم / إيران.
- 4. الشاة التي لها قرن.
- 5. الشاة التي ليس لها قرن.
- 6. بحار الانوار: 6 / 29.
- 7. من لا يحضره الفقيه: 3 / 183، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم/إيران.
- 8. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام)، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- 9. الكافي: 2 / 333، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.