إن إهتمام الشيعة بمصيبة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و إحيائهم لذكرى إستشهاده بشكل مميَّز لم يأت من فراغ ، بل جاء بسبب إهتمام جده المصطفى سيد المرسلين محمد ( صلى الله عليه و آله ) بهذا الأمر ، حيث كان ( صلى الله عليه و آله ) أول من رسم للمسلمين معالم العزاء على سبطه سيد الشهداء الحسين ( عليه السَّلام ) عندما بكى عليه قبل أن يُولد .
بكاء النبي صلى الله عليه و آله على الحسين عليه السلام :
رَوى في مستدرك الصحيحين بسنده عن شداد ابن عبد الله عن ام الفضل بنت الحارث ، إنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة .
قال : ” و ما هو ” ؟
قالت : إنه شديد .
قال : ” و ما هو ” ؟
قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت و وضعت في حجري .
فقال رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم : ” رأيت خيراً ، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك ” .
فولدت فاطمة سلام الله عليها الحسين عليه السلام فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم .
فدخلت يوماً على رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم تهريقان من الدموع .
قالت : فقلت : يا نبي الله بأبي انت و امي ـ ما لك ؟
قال : ” أتاني جبريل فاخبرني إن امتي ستقتل ابني هذا ” .
فقلت : هذا ؟
فقال : ” نعم ، و أتاني تبربة من تربته حمراء ” 1 .
بكاء أم سلمة على الحسين عليه السلام
رَوى الترمذي في صحيحه بسنده عن سلمى .
قالت : دخلت على ام سلمة و هي تبكي ، فقلت ما يبكيك ؟
قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم ـ تعني في المنام ـ و على رأسه و لحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟
قال : ” شهدت قتل الحسين آنفاً ” 2 .
جواب الإمام الصادق عليه السلام :
و حيث كان السؤال عن سبب الإهتمام المضاعف بمصيبة الحسين ( عليه السَّلام ) مطروحا في زمن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد أجاب الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) عن ذلك ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ أنَّهُ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، المولود سنة : 83 و المستشهد سنة : 148 هجرية . ( عليه السَّلام ) : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ صَارَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَةٍ وَ غَمٍّ وَ حُزْنٍ وَ بُكَاءٍ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ ، وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) ، وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحَسَنُ بِالسَّمِّ ؟!
فَقَالَ : ” إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ جَمِيعِ سَائِرِ الْأَيَّامِ ، وَ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَانُوا خَمْسَةً ، فَلَمَّا مَضَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه و آله ) بَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، فَكَانَ فِيهِمْ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ ، فَلَمَّا مَضَتْ فَاطِمَةُ كَانَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ ، فَلَمَّا مَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ ، فَلَمَّا مَضَى الْحَسَنُ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ أَحَدٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَعْدَهُ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ ، فَكَانَ ذَهَابُهُ كَذَهَابِ جَمِيعِهِمْ كَمَا كَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِمْ ، فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً … ” 3 .
- 1. مستدرك الصحيحين : 3 / 176 ، قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
- 2. صحيح الترمذي : 2 / 306 ، في مناقب الحسن و الحسين عليهما السلام .
- 3. وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 14 / 503 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .