لقد قسم القرآن الكريم المنهيات إلى أقسام ثلاثة حيث قال: ﴿ … وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ … ﴾ 1.
أما الكفر فهو الجحود و الإنكار، و أما الفسوق فهو اقتراف الكبائر، و أما العصيان فهو الصغائر.
لكن لم يتم بيان تعداد الكبائر بصورة كاملة و مجتمعة في القرآن الكريم و لا في الأحاديث الشريف ، بل ذكرت متفرقة في القرآن الكريم و في أحاديث المعصومين عليهم السلام إستناداً بما جاء في القرآن بشأنها.
الكبائر في كتاب علي
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ أنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ 2 عليه السلام عَنِ الْكَبَائِرِ؟
فَقَالَ: “هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ سَبْعٌ:
- الْكُفْرُ بِاللَّهِ.
- وَ قَتْلُ النَّفْسِ.
- وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ.
- وَ أَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ.
- وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً.
- وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ.
- وَ التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ” 3.
قَالَ، فَقُلْتُ: فَهَذَا أَكْبَرُ الْمَعَاصِي؟
قَالَ: “نَعَمْ”.
قُلْتُ: فَأَكْلُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً أَكْبَرُ أَمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ؟!
قَالَ: “تَرْكُ الصَّلَاةِ”.
قُلْتُ: فَمَا عَدَدْتَ تَرْكَ الصَّلَاةِ فِي الْكَبَائِرِ؟!
فَقَالَ: “أَيُّ شَيْءٍ أَوَّلُ مَا قُلْتُ لَكَ”؟
قَالَ، قُلْتُ: الْكُفْرُ.
قَالَ: “فَإِنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ ـ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ـ” 4.
الكبائر في حديث الامام الصادق
عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ صلوات الله عليه، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 2 عليه السلام، فَلَمَّا سَلَّمَ وَ جَلَسَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ … ﴾ 5، ثُمَّ أَمْسَكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: “مَا أَسْكَتَكَ”؟
قَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَعْرِفَ الْكَبَائِرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
فَقَالَ: “نَعَمْ يَا عَمْرُو:
- أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿ … إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ … ﴾ 6.
- وَ بَعْدَهُ الْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ 7.
- ثُمَّ الْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ 8.
- وَ مِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْعَاقَّ جَبَّاراً شَقِيّاً 9.
- وَ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ : ﴿ … فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا … ﴾ 10 ــ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ــ.
- وَ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 11.
- وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ 12.
- وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ 13.
- وَ أَكْلُ الرِّبَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ … ﴾ 14.
- وَ السِّحْرُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ … ﴾ 15.
- وَ الزِّنَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ 16.
- وَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ 17 الْفَاجِرَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ … ﴾ 18.
- وَ الْغُلُولُ 19، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ … ﴾ 20.
- وَ مَنْعُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ … ﴾ 21.
- وَ شَهَادَةُ الزُّورِ .
- وَ كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ … ﴾ 22.
- وَ شُرْبُ الْخَمْرِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَهَى عَنْهَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.
- وَ تَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّداً أَوْ شَيْئاً مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللَّهِ وَ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
- وَ نَقْضُ الْعَهْدِ.
- وَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿ … أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ 23 “.
قَالَ فَخَرَجَ عَمْرٌو وَ لَهُ صُرَاخٌ مِنْ بُكَائِهِ وَ هُوَ يَقُولُ هَلَكَ مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ وَ نَازَعَكُمْ فِي الْفَضْلِ وَ الْعِلْمِ 24.
سائر الكبائر
و مما عد من الكبائر:
- الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على الأوصياء عليهم السلام بل مطلق الكذب.
- أكل الميتة.
- شرب الدم أو أكله.
- اكل لحم الخنزير.
- اكل ما أهل به لغير الله.
- القمار.
- أكل السحت 25.
- البخس في المكيال و الميزان.
- معونة الظالمين و الركون إليهم و الولاية لهم.
- حبس الحقوق من غير عسر.
- الكبر.
- الإسراف.
- التبذير.
- الاستخفاف بالحج.
- المحاربة لأولياء الله تعالى.
- الاصرار على الذنوب الصغار.
- الاشتغال بالملاهي، كضرب الاوتار و نحوها مما يتعاطاه اهل الفسوق.
- الغناء 26.
- البهتان على المؤمن، و هو ذكره بما يعيبه و ليس هو فيه.
- سب المؤمن و اهانته و اذلاله.
- النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم.
- القيادة، و هي: السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرم.
- الغش للمسلمين.
- استحقار الذنب، فان أشد الذنوب ما استهان به صاحبه.
- الرياء.
- الغيبة 27.
- 1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 7، الصفحة: 516.
- 2. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام)، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- 3. التعَرُّب بعد الهجرة مصطلح إسلامي أطلقه الشارع المقدس على ظاهرة نكوص بعض المسلمين و إبتعادهم عن المجتمع الإسلامي و إيثارهم سُكنى البادية مع الأعراب و الكفار على السُكنى مع المسلمين في ظل الدولة الإسلامية بعد هجرتهم إلى دار الإسلام و ممارستهم حياة الالتزام الديني، مما يدل على تركهم الالتزام بتعاليم الإسلام، و تخلِّيهم عن الدفاع عن الإسلام، و تقاعسهم عن نصرة مبادئه القيمة.
- 4. الكافي: 2 / 278 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 5. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 32، الصفحة: 527.
- 6. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 72، الصفحة: 120.
- 7. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 87، الصفحة: 246.
- 8. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 99، الصفحة: 163.
- 9. أنظر سورة مريم (19)، الآية: 32.
- 10. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 93، الصفحة: 93.
- 11. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 23، الصفحة: 352.
- 12. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 10، الصفحة: 78.
- 13. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 16، الصفحة: 178.
- 14. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 275، الصفحة: 47.
- 15. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 102، الصفحة: 16.
- 16. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 68 و 69، الصفحة: 366.
- 17. اليمين الغموس هي الكاذبة التي تغمس صاحبها في النار.
- 18. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 77، الصفحة: 59.
- 19. الغلول ذو الحقد و الغش.
- 20. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 161، الصفحة: 71.
- 21. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 35، الصفحة: 192.
- 22. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 283، الصفحة: 49.
- 23. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 25، الصفحة: 252.
- 24. الكافي: 2 / 285 .
- 25. مثل له: بثمن الخمر، و المسكر، و أجر الزانية، و ثمن الكلب الذي لا يصطاد و الرشوة على الحكم و لو بالحق، و أجر الكاهن، و ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و ثمن الجارية المغنية، و ثمن الشطرنج، و ثمن الميتة.
- 26. الغناء في تعريف الفقهاء هو الكلام اللهوي ـ من حيث المحتوى و من حيث كيفية الأداء ـ شعراً كان او نثراً ، كالذي يؤتى به بالالحان المتعارفة عند اهل اللهو و اللعب ، و أما قراءة الشعر و النثر النزيه بغير الكيفية المذكورة فلا مانع منه .
- 27. لا يختلف معنى الغيبة في المصطلح الشرعي كثيراً عن المعنى اللغوي، فمعنى الغيبة شرعاً هو ذِكرُ المؤمن حال غيابه بما فيه و مما يكرهه من الأوصاف الموجودة في خِلقَته أو خُلُقِه، أو ذِكرُ ما يتعلق به من القوم و العشيرة و اللون و اللباس و المهنة و غيرها من الأمور لدى غيره من الناس، مما يُعَّدُ تنقيصاً له و لشأنه و مكانته، و تتحقق الغِيبَة بذِكْرِهِ بالكلام، و الكتابة، و الإشارة، و غيرها، كنشر صوته، أو صورته، أو وثائقه الخاصة به.