معنى الصبر، هو ثبات النفس و عدم اضطرابها في الشدائد و المصائب، و هو نقيض الجزع، أما الصبر الجميل فهو الصبر الذي لا شكوى فيه لمخلوق.
فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ 1 علیه السلام: يَرْحَمُكَ اللَّهُ مَا الصَّبْرُ الْجَمِيلُ؟
قَالَ: “ذَلِكَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ شَكْوَى إِلَى النَّاسِ” 2.
و الصبر الجميل هو من أخلاق الانبياء و الأئمة عليهم السلام و كذلك من أخلاق الذين يلونهم من الأولياء و أصحاب البصائر و الدرجات الايمانية الرفيعة رغم ما كانوا يلاقونه من الأذى و التكذيب و النكران.
من أمثلة الصبر الجميل
- رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله هَمَلَتْ عَيْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِالدُّمُوعِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: “تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَ يَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَ لَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَ إِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُون” 3.
- صبر يعقوب النبي عليه السلام، قال الله عَزَّ و جَلَّ في قصة نبي الله يعقوب مع أبنائه: ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ 4 5.
- صبر الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء رغم شدة المصائب و المحن، و إليك واحدة من تلك المصائب: لَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ عليه السلام مَصَارِعَ فِتْيَانِهِ وَ أَحِبَّتِهِ عَزَمَ عَلَى لِقَاءِ الْقَوْمِ بِمُهْجَتِهِ وَ نَادَى هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَّهَ فِينَا، هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَّهَ بِإِغَاثَتِنَا، هَلْ مِنْ مُعِينٍ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي إِعَانَتِنَا، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النِّسَاءِ بِالْعَوِيلِ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْخَيْمَةِ، وَ قَالَ لِزَيْنَبَ نَاوِلِينِي وَلَدِيَ الصَّغِيرَ حَتَّى أُوَدِّعَهُ فَأَخَذَهُ وَ أَوْمَأَ إِلَيْهِ لِيُقَبِّلَهُ فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْكَاهِلِ الْأَسَدِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ لِزَيْنَبَ خُذِيهِ، ثُمَّ تَلَقَّى الدَّمَ بِكَفَّيْهِ، فَلَمَّا امْتَلَأَتَا رَمَى بِالدَّمِ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: “هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَّهِ” 6.
- صبر السيدة زينب بنت علي عليه السلام على ما لاقت من المصائب دون أن تجزع أو تشتكي لأحد، بل قالت لعبيد الله بن زياد: ما رأيت إلا جميلاً!
فقد رَوَى السَّيِّدُ ابن طاووس انَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ وَ أَذِنَ إِذْناً عَامّاً، وَ جِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ عليه السلام مُتَنَكِّرَةً.
فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ !
فَقَالَتْ: إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ، وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَ هُوَ غَيْرُنَا.
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ ؟
فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ 7 يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ.
قَالَ: فَغَضِبَ وَ كَأَنَّهُ هَمَّ بِهَا.
فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: إِنَّهَا امْرَأَةٌ، وَ الْمَرْأَةُ لَا تُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا.
فَقَالَ لَها ابْنُ زِيَادٍ: لَقَدْ شَفَى اللَّهُ قَلْبِي مِنْ طَاغِيَتِكِ الْحُسَيْنِ وَ الْعُصَاةِ الْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ.
فَقَالَتْ: لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي، وَ قَطَعْتَ فَرْعِي، وَ اجْتَثَثْتَ أَصْلِي، فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ.
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: هَذِهِ سَجَّاعَةٌ، وَ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ سَجَّاعاً شَاعِراً.
فَقَالَتْ: يَا ابْنَ زِيَادٍ مَا لِلْمَرْأَةِ وَ السَّجَاعَةَ 8.
- 1. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- 2. الكافي: 2 / 93 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 3. الكافي: 3/ 262.
- 4. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 18، الصفحة: 237.
- 5. أنظر الآية رقم : 83 من السورة أيضاً.
- 6. اللهوف على قتلى الطفوف، لابن طاووس: 116.
- 7. الفلج: الظفر و الفوز، مجمع البحرين : 2 / 323.
- 8. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 45 / 115 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان ، سنة : 1414 هجرية.