رسالة بلسان الحال كتبها شاب بالقوة لا بالفعل عن نظرته إلى ليلة النصف من شعبان.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم إخواني المؤمنين العاملين جميعا و رحمة الله و بركاته…
وبعد،
أنا شاب أبلغ من العمر 15 سنة عشت في هذه البلاد منذ ولادتي، تلقيت تربية كريمة من والدي و أسرتي و حظيت بأصدقاء طيبين غاية في الأدب و الأخلاق.أشعروني بأهمية وجودي بينهم و سدو فراغي بما يصلحني و يصلح مجتمعي. لطالما رافقتهم إلى المساجد و الحسينيات و لطالما تحدثنا عن الدين و الوعي و الصحوة الاجتماعية.
في ليالي النصف من شعبان كنت في صغري أتجول بين الأحياء في بلدي داخلاً هذا البيت و خارجاً من بيت آخر دون أي شعور بالغربة. رائعة كانت عملية جمع ” الفول السواداني” فعند البعض نيء و عند البعض محمّر و عند آخرين حلويات و ريالات و أشياء تدخل السرور على قلوب الأطفال.
الآن و قد بلغت سن التكليف لم أعد أعشق التجوال بين البيوت فلم يعد ذلك يناسبني، فقد أصبحت رجلاً ولا يليق بي ما يليق بمرحلة الطفولة، فلجأت إلى حضور الاحتفالات في الحسينيات. فوجدت فيها كل جميل، ففيها تتلى آيات القرآن الكريم و يتحدث الخطباء بما يزيد من وعيي وفهمي للأمور، وفيها “يشنف” سمعي صوت بلبل صداح أو شاعر مداح لا يمتدح الطاغوت بل خص مدحه و أوقفه لأهل البيت.
أخرجُ من الحسينية وقد امتلأت سروراً و انتعشتْ نفسي بما شاهدتُه من اجتماع بشري رائع، و قبل أن أخلد إلى النوم و استرجع أحداث الحفل في مخيلتي و أبدأ بمحاسبة نفسي في ما قلت ومافعلت… أصطدم بما يخسف قمري و يفسد فرحتي، في الطريق أرى فوضى عارمة و تصرفات شائنة، تتخللها و تمتزج بها أعمال الخيرين من أهل البلد في محاولة حثيثة للحد من إفساد الليلة على أيدي هؤلاء ” الذين لا يعلمون” ممن يستعرض مهاراته باللعب بالأسلحة الخطيرة واللعب بالسيارة، أو بالضجيج و صخب الغناء الغربي و الشرقي، ورفع الصوت والصراخبكلام ” قليل المعاني و البلاغة ” و التجمع في الطرقات، فضلاً عن الهيئة و اللباس الذي ” لا يذكر بالله رؤيته “.
فاسترجعت و قلت في نفسي، ماذا دهانا؟ و أي خطب اعترانا؟ أترى المتدينين العاملين همالسبب؟ أم أن الشباب الضائع هم المقصرون؟
و تذكرت حال غيرنا من الأمم و أصحاب الديانات و أعيادهم.
فالفصح المسيحي يحتفل به النصارى بعودة المسيح و بعثه بعد صلبه.
و الفصح اليهودي يحتفل به اليهود بذكرى هروب بني إسرائيل من مصر.
و رأس السنة يحتفل به غالب الأمم القديمة و الحديثة بغض النظر عن أديانهم.
ورأس السنة اليهودية التي يعتقد اليهود أن فيه يقضي الله ويقدر من سيحي و من سيموت في العام القادم.
أما عيد الميلاد المجيد (25 ديسمبر) فهو عيد للنصارى يحتفلون فيه بذكرى مولد السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، “فيذهبون إلى الكنيسة و يقيمون الصلاة”، و يالها من حقيقة مذهله !أحقاً أن ” الكريسمس” هو مناسبة دينية طاهرة في منشأها و أصلها؟ أحقاً هي ميلاد نبي أو “ابن الله” كما يزعمون؟
إن كان ذلك حقاً فلماذا يحتفل به الآن غير المسيحيين بل يحتفل به حتى العلمانيون ممن لا يقيمون للأديان وزناً؟ بل لماذا برزت في القرن السابع عشر الميلادي فرقة مسيحية منشقة يدعون أنفسهم ” التطهريون”؟ وهم الذين كانوا يدعون إلى التوقف عن الاحتفال بعيد الميلاد بسبب ما أحدثه الناس من القمار و اللعب و التصرفات الهائجة من الرعاع و الانغماس في الزنى و المسكرات. هذا قبل زماننا بقرون فكيف الحال الآن؟ و أين هم التطهريون الأمريكيون في زماننا؟
وبعد هذا تفكرت في أمرهم و أمرنا وحالهم و حالنا، فخشيت على نفسي و مجتمعي، فقلت في نفسي لماذا لا تتعرف على أصل المناسبة وما يأمرك ربك فيها، فقد لا يكون ما تراه من مظاهر الاحتفال الشريف و الفرح العفيف هو أصل المناسبة و أساسها، ورغم سعادتي بأعرافنا الاجتماعية الطاهرة و عاداتنا الجميلة بتقديم الطعام و الحلويات و العصائر و السكاكر و تبادل الهدايا و الزهور سروراً و بهجة بميلاد الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر، إلا أنني وجدت كل هذا قشوراً فوق اللباب.
ففي كتاب ” مفاتيح الجنان ” أن ليلة النصف من شعبان جعلها الله لأهل البيت بإزاء ليلة القدر لنبينا الأكرم محمد فاجتهدوا في دعاء الله تعالى و الثناء عليه”.
فلماذا يا ترى لم تتحول ليلة القدر إلى ليلة صاخبة و فوضى عارمة؟ لماذا تحولت ليلة أهل البيت و بقية ليالي الموالد الشريفة إلى هذا الحال؟ إن ليلة القدر لم تصادف ميلاد إمام معصوم أما ليلة النصف من شعبان فزادت شرفاً إلى شرفها بمولد بقية الله في أرضه، فما بال البعض يعبث في هذه الأرض؟
فمن هو المسؤول عن هذا؟ أتراني أدرك و أنا شاب يافع فضل هذه الليلة الكريمة ولم أر في صغري غير ” السكسبال ” ثم بعد الطفولة تطورت و أصبحت أحضر الاحتفالات البهيجة أصفق مع المصفقين و أردد مع المرددين؟ رغم جمال الحفل و روعة الناس و عمق الكلمة التي يلقيها الخطيب و حرارة الشعر أجدني لم أفهم حقيقة الأمر و أدرك أن بداية الانحراف يكون مع ترك الأصل.
فبعد النظر في هذا السفر الشهير و قراءة العبارة “فاجتهدوا في دعاء الله” وجدت اجتهادنا في غير ما قيل لنا وأننا بدلنا عملاً غير الذي طُلب منا. فإن كان فرحنا و عاداتنا و احتفالنا و (تصفيقنا) مباحاً وجائزاً أو ربما (مستحباً و مندوباً) لأنه “من مصاديق” إحياء أمرهم و نشر ذكرهم، فإن الركعات و السجدات و الأدعية و الزيارات مستحبة و مرغوب إليها لأنها أمرهم و ذكرهم عيناً. هم سلام الله عليهم أمرونا بها و علمونا فضلها و نحن نبذناها لنفرح على طريقتنا الخاصة1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 7/8/2009م – 9:34 ص.