بسم الله الرحمن الرحيم
يعد التحول من دين إلى دين أو من مذهب إلى مذهب منعطفاً يغير حياة الفرد تغييراً جذرياً، وكثيراً ما نسمع عن متحولين بدلوا ولاءهم و قناعاتهم أو تيارهم و منهجهم. فما الذي يدفع شخصاً ما إلى تبديل الأفكار و القناعات و العقائد؟ ربما تكون الأسباب متعددة بتعدد المتحولين و عندها يكون الأمر غير خاضع للدراسة و التحليل.
وباستقراء مبسط نرى أن من الناس من يبدل دينه طمعاً في ميزات الدين الجديد و منهم من يفعل ذلك هرباً من مسؤوليات و أعباء الدين الذي هو عليه، وربما غير أحد ما دينه نكاية بمن يختلف معهم من أبناء دينه أو حسداً لمنافسيه، ولكن الفئة النادرة هم من ينشدون الحق أينما كان فهم لا يبرحون عاكفين على البحث حتى الوصول إلى ما يعتقدونه حقيقة مبرئة للذمة. ونستعرض بعض الأمثلة لشخصيات بدلت دينها لنسلط الضوء على الأسباب و الخلفيات الداعية إلى هذا التبديل.
فممن تحول من دين على دين، أوغسطين Saint Augustine أحد أهم رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية الذي ولد لأب وثني و أم مسيحية و تلقى تعليمه ليكون خطيباً في المدن. وقد تحول إلى المسيحية بعد سنين من اعتناق المانوية بتشجيع من والدته و لظاهرة غريبة يدعى أنها حدثت له في عمر الثلاثين فقد قيل أنه كان يأتيه صوت شبيه بصوت الطفل مما حداه إلى قراءة الإنجيل.
و ممن بدل مذهبه،الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر، الذي كان صحيح المذهب مستقيم الطريقة ثم ترك مذهب الحق بل فارق الإسلام و ألحد في دين الله. وكان ذلك منه حسداً للحسين ابن روح سفير الحجة، وقد قتل عام 323هـ.
وتنقل بعض الروايات أن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) انتقل من المجوسية إلى النصرانية ثم اهتدى إلى الإسلام لمحبته للنبي محمد و لأنه جاد في البحث عن الحق. على خلاف إسلام أبي سفيان (لع) الذي لا يعد في واقع الأمر إسلاماً بل استسلاماً، إذ قال له رسول الله : يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال أبو سفيان: أما هذه فو الله إن في النفس منها لشيئاً بعد. ولو لم يقلها يوم الفتح لضربت عنقه.
و أما ارتداد جبلة بن الأيهم وتنصره فلنخوة ألمت به ولجاج تكنفه كما يقول، فقد حدث أن وطئ إزاره رجل أثناء الطواف فرفع جبلة يده و لطم ذلك الرجل، ورُفع الأمر إلى عمر فحكم على جبلة أن يرتضي الرجل أو يرد الرجل له اللطمة، فأبى جبلة بن الأيهم لأنه ملك وذلك الرجل سوقة – حسب قوله – وقال كنت أظن أنني سأكون في الإسلام أعز من في الجاهلية، ثم هرب إلى بلاد الروم و تنصر و ندم بعد ذلك و أنشد ندمه في أبيات من الشعر.
و محصلة القول أن ترك العقائد الباطلة أو الثبات على الحق يتطلب خلوصاً في النية و استعداداً لتقبل الحق وسعياً لبلوغه ولا يتحقق ذلك إلا بتوفيق الله عز و جل. كيف يذعن للحق في زماننا من يحمل ذات الفكر و الملكات النفسية التي حملها أسلافه ممن شهدوا المعاجز عياناً، و سمعوا حديث الأنبياء مباشرة. إذا كانت خطب النبي و فصاحته و احتجاجات أمير المؤمنين و بلاغته و كلمات البضعة الطاهرة التي تدك القلوب قبل الآذان و تخرق حجب النفوس الغليظة و لها من قوة التأثير ما يفت الصخر و يزحزح الجبال الرواسي، و رغم كل ذلك أبى القوم إلا عناداً و إصراراً و هتكاً لحرم الله و اغتصاباً لمقامات ليسوا من أهلها.
فكيف الحال مع من اجتمعت عنده خصال القوم الدنيئة و ملكات نفوسهم الشيطانية و حال طول الزمن وبعد الأمد بينه وبين رؤية النور فلا هو تعرض لنفحات الطهر و الفضيلة و لم ينشأ خالصاً من شوائب الضلال و نقياً من تراكمات العداء الأموي و القرشي للنبي وأهل بيته.
إن كل الأحاديث النبوية الشريفة لا تكفي لهداية ورثة القوم ممن حارب النبي حتى انهزم واستسلم، و من تجرأ على النبي (ص) وهو على فراش الوداع الأخير، و من فتح باب الكذب على رسول الله (ص) وانفرد برواية (ما تركناه صدقة)، و من آوى طريد رسول الله ولم يرع له حرمة، ومن يصرح برده شهادة الزهراء الطاهرة بنص القرآن ويقبل شهادة العامة من الناس عليها. ومن حاول اغتيال النبي، أو من أظهر شكه في نبوته.
إن معرفة موقف الزهراء من خصومها دون سماع حرف من خطبتها الشريفة لخير دليل على بطلان طريقهم و فساد مسلكهم، فإن لم تكن الزهراء(ع) و ظلامتها سبباً يزيل الغفلة و يرفع الغشاوة و دافعاً للتفكر و التأمل ثم النزوع إلى جادة الحق، فلن نجد ما يرفع غشاوة الجهل أو يغير صلافة النفس أو يقوم اعوجاج العقول السادرة في غيها1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 7/5/2008م – 12:00 م.