مقالات

حرم آل البيت فاطمة المعصومة

عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين…
تكالب الأعداء على مرِّ العصور في تفريق آل بيت النبي محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) بين البلدان، فأقصوهم عن مدينة جدِّهم المنورة بالإكراه والجبر حتَّى عجَّت بهم البلدان، ولم يعلم الأعداء أنَّهم في ذلك يُزيدون بنور الوهج لأهل البيت (عليهم السلام)؛ حتَّى صارت البلدان تشرق بهم مزدانة بنور الحقِّ الإلهي، لقد كان الأعداء يتصورون أنَّهم في تشتيت شمل آل محمَّد (صلوات الله عليهم) يُطفؤون نورهم؛ ولم يعرفوا بأنَّ الله تعالى تكفَّل بأن يُتمَّ ذكرهم ولو كره المنافقون، وقد تحقَّق الوعد الإلهي فشمخت آثار أهل البيت (عليهم السلام) في كلِّ شبرٍ من الأرض مرُّوا به، حتَّى صارت مشاهدهم قبلةً يقصدها المؤمنون من كلِّ البقاع؛ ليرتشفوا من معينها المغدق بالرحمة الإلهية، أمَّا قصور الأعداء التي بنوها بأبهى صورة آلت إلى الخراب، معلنةً تحقُّق قول الله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5 – 6]، نعم لقد منَّ الله تعالى على تلك المشاهد فجعل أصحابها ورثةً للأرض، وشاهد الفراعين بأعينهم ما كانوا يحذرون من وراثة الأرض وذهاب السُّلطان .
ومن تلك المشاهد التي كرَّمها الله تعالى بآل البيت (عليهم السلام) قم المقدَّسة التي تشرفت بفاطمة المعصومة (عليها السلام)، سليلة آل بيت المصطفى (صلَّى الله عليه وآله)، بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهي أُخت الإمام علي بن موسى الرِّضا وعمَّة الإمام محمد الجواد (عليهم السلام) .
تبدأ قصَّة سفرها إلى قم لمَّا أخرج المأمون أخاها الإمام علي بن موسى الرِّضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو سنة (200 هـ)، وبعد مضي عام على هجرة أخيها قرَّرت أن تتفقده في سنة (201 هـ) فخرجت مسافرة باتِّجاه خراسان، ولمَّا وصلت إلى منطقة ساوة مرضت فسألت كم بينها وبين قم، قال الذين برفقتها: عشرة فراسخ، فقالت: احملوني إليها؛ فحملوها إلى قم، ولمَّا وصل خبرها إليها، خرج لاستقبالها موسى بن الخزرج، ولمَّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى منزله، فكانت في داره سبعة عشر يومًا ثمَّ توفيت (سلام الله عليها)، فأمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلَّى عليها ثمَّ دفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها وبنى عليها سقيفة من البواري، إلى أن جاءت زينب بنت محمد بن علي الجواد (عليهم السلام) لتبني على قبرها قبَّةً([1])، وأصبح هذا القبر منارًا لأهل قم ذاع به صيتهم وعلت به بين النَّاس منزلتهم، وكيف لا يكون ذلك؟ وقم حرم الأئمة (عليهم السلام)، يقول الإمام الصَّادق (عليه السلام) فيما نُقل: ((إنَّ لله حرمًا وهو مكة، وإنَّ لرسوله حرمًا وهو المدينة، وإنَّ لأمير المؤمنين حرمًا وهو الكوفة، وإنَّ لنا حرمًا وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تُسمَّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة))([2])، فحظيت قم بهذه المنزلة الجليلة بفاطمة المعصومة (عليها السلام) التي من زارها وجبت له الجنَّة بتعبير الإمام الصادق (عليها السلام)، وهذا المعنى يؤكِّده الإمام الرِّضا (عليه السلام) فيقول: ((يا سعد عندكم لنا قبر ؟ قلت: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، قال: نعم من زارها عارفًا بحقِّها فله الجنة))([3])، وعن الإمام محمَّد الجواد (عليه السلام): ((من زار عمتي بقم فله الجنة))([4])، وهكذا تشمخ مدينة قم بفاطمة المعصومة عاليًا لتبلغ عنان السماء مفاخرةً البلدان الأخرى بضمِّها بضعة للنبيِّ المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وحالها يقول من زارني كافأته بالجنَّة …
السلام عليك يا حرم آل البيت ورحمة الله وبركاته، اللهمَّ ارزقنا زيارة السيدة فاطمة المعصومة في الدُّنيا وشفاعتها في الآخرة
الهوامش:
([1]) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين الوفاة : 1371 : 8/391 .
([2]) بحار الأنوار: 57/217 – 218 .
([3]) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/299 .
([4]) بحار الأنوار: 48/316 .

المصدر: http://inahj.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى