العباس بن علي بن أبي طالب هو حامل راية الحسين يوم كربلاء وعنوان عسكره، جاء في الزيارة عن الامام عليهالسلام: اشهد أنك نعم الاخ المواسي لأخيه، أعطاك الله من جنانه افسحها منزلا وافضلها غرفا ً ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً. وهو من فقهاء اهل البيت وكفاه شهادة ابيه له بقوله: ان ولدي العباس زُقّ العلم زقا.
ويقول الامام الصادق عليهالسلام: “كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان له منزلة عند الله يغبطه1 بها جميع الشهداء”. وحتى قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله عند ذكر العباس بن امير المؤمنين: أنا أجلّ من ان يذكر في عداد سائر الرجال بل المناسب ان يذكر عند ذكر اهل البيت المعصومين.
أقول: وما كان جهاد العباس عن حميّة وعصبية أو مدفوعا ً بدافع الاخوة بل دفاعه عن الحق ولان الحسين كان مثال الايمان ورمز الحق، علّمنا العباس ذلك في رجزه يوم عاشورا مذ قال:
والله ان قطعتم يميني *** اني احامي ابداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين *** نجل النبيَّ الطاهر الامين
وتتبع ذلك مزاياه التي عددها الإمام الصادق في الزيارة التي زاره بها ومنها:
“اشهد لك بالصدق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلغ”. ومن القاب العباس: العابد والعبد الصالح كما في الزيارة: “السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولامير المؤمنين“.
أما ولادة العباس فقد كانت سنة ست وعشرين من الهجرة، وعاش مع أبيه أمير ألمؤمنين اربع عشرة سنة.
ويلقب بقمر بني هاشم لجماله ووسامته ويكنى بابي الفضل. وعاش مع اخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة، ومع اخيه الحسين اربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره. وكان أيّداً2 شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهم3 ورجلاه تخطان في الأرض، كما انه يلقب بالسقا و بأبي قربة لأنه ملك المشرعة يوم عاشورا، وسقى صبية الحسين، وقد ابت نفسه ان يشرب الماء واخوه الحسين ظمآن، فاغترف بيده غرفة من الماء ثم تذكر عطش الحسين فرمى بها وقال:
يانفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت ان تكوني
هذا حسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين
ثم عاد وقد أخد اعداؤه عليه طريقه فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت زقا4 *** حتى اوارى في المصاليت لقى
إني أنا العباس أغدو بالسقا *** ولا أهاب الموت يوم الملتقى
اولاد سيدنا العباس واحفاده
اولاد سيدنا العباس واحفاده كانوا جميعاً علماء فضلاء، أبرار أتقياء وكانوا كلهم ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والعبادة والسخاء والخطابة يستفيد الناس من علومهم وكمالاتهم.
كان لسيدنا ابي الفضل العباس بن علي عليهالسلام ولدان: عبيد الله والفضل، وأمهما لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هي زوجة سيدنا العباس. اما عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين فقد كان عالماً كبيرا ومنه العقب فإن الفضل اخاه لا عقب له، وكان عبيد الله بن العباس – كما قال النسابة العمري في (المجدي) – من كبار العلماء موصوفاً بالجمال والكمال والمرؤة؛ مات سنة 155 هـ، تزوج من ثلاث عقائل كريمات الحسب:
- رقيه بنت الحسن بن علي
- وبنت معبد بن عبد الله بن عبد المطلب
- وبنت المسور ابن مخرمة الزبيري
كذا ذكر السيد البحاثة المقرم في كتابه (قمر بني هاشم) ثم قال: ولعبيد الله منزلة كبيرة عند السجاد كرامة لموقف ابيه ابي الفضل العباس عليهالسلام، وكان اذا رأى عبيد الله بن العباس رقّ واستعبر باكياً، فاذا سئل عنه قال: اني اذكر موقف ابيه يوم الطف فما املك نفسي، ولعبيد الله بن العباس ولدان: عبد الله والحسن، وانحصر العقب في الحسن فان عبد الله أخاه لاعقب له، وذرية الحسن بن عبيد الله ابن العباس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء ادباء وهم: الفضل، الحمزة، ابراهيم، العباس، عبيد الله.
قال الداودي في عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب: كان اكبرهم العباس وكان سيداً جليلاً. قال النجاري: ما رؤي هاشمي أعضب لساناً منه. وفي البحار عن تاريخ بغداد: انه جاء إلى بغداد ايام هارون الرشيد فاكرمه واعظمه واحترمه وبعده في ايام المأمون زاد المأمون في اكرامه حيث كان فاضلاً شاعراً فصيحا، ويظنه الناس انه اشعر اولاد ابي طالب. ومن شعره قوله مفتخراً:
وقالت قريش لنا مفخُر *** رفيعُ على الناس لاينكرُ
فقد صدقوا لهمُ فضلهم *** وبينهم رتبُ تقصر
وأدناهم رحمآ بالنبي *** اذا فخروا فيه المفخر
بنا الفخر منكم على غيركم *** فأمّا علينا فلا تفخروا
ففضل النبي عليكم لنا *** أقرّوا به بعد ما انكروا
فان طرتم بسوى مجدنا *** فان جناحكم الاقصر5
وقال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) ج 12 ص 136: العباس بن الحسن بن عبيد الله كان عالما شاعراً فصيحا من افصح رجال بني هاشم لسانا وبيانا وشعرا، ويزعم اكثر العلوية انه اشعر ولد أبي طالب6
ومن شعره يذكره إخاه ابي طالب عم النبي صلىاللهعليهوآله – لعبد الله – والد رسول الله لأبيه وامه – من بين اخوته:
إنا وان رسول الله يجمعنا *** ابُ وامُّ وجد غير موصوم
جاءت بنا ربّة من بين اسرته *** غرّاء من نسل عمران بن مخزوم
حزنا بها دون من يسعى ليدركها *** قرابة من حواها غير مسهوم
رزقا من الله اعطانا فضيلته *** والناس من بين مرزوق ومحروم
قال الداودي (في عمدة الطالب): واما الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان لسناً فصيحاً، شديد الدين عظيم الشجاعة محتشماً عند الخلفاء ويقال له: ابن الهاشمية، وهو الذي يؤبن جده ابا الفضل شهيد الطف بقوله:
أحقّ الناس ان يبكي عليه *** فتى أبكى الحسين بكربلاء
الابيات المتقدمة.
اقول: واعقب الفضل من ثلاثة: جعفر والعباس ومحمد 7.
واما الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان يشبّه بجده امير المؤمنين عليهالسلام. خرج توقيع المأمون بخطه وفيه: يٌعطى الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ألف درهم لشبهه بجده امير المؤمنين. تزوج زينب بنت الحسين بن علي ابن عبد الله بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي، نسبة الى امه زينب بنت امير المؤمنين، وكان حفيده محمد بن علي بن حمزة موجهاً شاعراً نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره، مات سنة 286 هـ كذا جاء في عمدة الطالب، وترجمة الخطيب في تاريخ بغداد ج 2 ص 63 وقال: كان رواية للاخبار وهو صدوق وله الرواية عن جماعة كثيرة. وفي تهذيب التهذيب ج 9 ص 352 وصفه بالعلوي البغدادي ونقل عن ابن ابي حاتم انه صدوق ثقة.
واما ابراهيم ويعرف بجردقة كان من الفقهاء والادباء والزهاد، وابنه علي احد الاجواد له جاه وشرف مات سنة 264 وأولد تسعة عشر ولداً، ومن احفاده ابو الحسن علي بن ابراهيم جردقة كان خليفة ابي عبد الله بن الداعي على النقابة ببغداد كذا جاء في (العمدة) وعبد الله بن علي بن ابراهيم جردقة جاء الى بغداد ثم سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثم حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة، توفي في مصرفي رجب سنة ثلثمائة واثني عشر كما جاء في تاريخ بغداد ج 10 ص 346 وكان زاهد عصره قد طاف اكثر الاقطار يكتب عن اهل البيت.
واما عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري: ما رايت احداً أهيب ولا أهيا ولاامرأ من عبيد الله بن الحسن تولى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما ايام المامون سنة 204 كما ذكر ذلك البغدادي في تاريخ بغداد ج 10 ص 313. وفي سنة 204 وسنة 206 ولاه إمارة الحاج كما ذكر الطبري في ج 10 ص 355. مات ببغداد في زمن المامون وكانت امه وام اخيه العباس ام ولد8.
- 1. يغبطه اي يتمنى ان يكون مثله بلا نقصان من حظه والغبطة خصلة غير مذمومة وهي تمني مثل ما للغير، كما ان المنافسة هي: تمني مثل ما للغير مع السعي في التحصيل، وهي سبب قوي للنشاط التقدم قال الله تعالى: ﴿ … وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ . انما المذموم الحسد، وهو كراهة نعمة الغير وحب زوالها، اما اذا تمنى مثل حاله دون ان يريد زوال نعمته فتلك الغبطة وفي الحديث: المؤمن يغبط والمنافق يحسد. واصل الحسد هو نظر الحاسد الى المحسود بعين الاكبار والاعظام، فيرى نفسه حقيرا في جنب ما اوتي ذلك المحسود. ومن اجمل ما قيل:ان يحسدوك على علاك فانما *** متسافل الدرجات يحسد من علا
- 2. الايد كسيد: القوي، والوسيم من الوسامة، الجمال.
- 3. المطهم كمحمد السمين الفاحش السمن العالي وهذه كناية عن طوله وجسامته.
- 4. زقا اي صاح ومن قول العرب: زقت هامته.
- 5. عن الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى
- 6. قال السيد المقرم في كتابه (قمر بني هاشم): اولد العباس عشرة ذكور وذكر بعضهم.
- 7. ستاتي تراجمهم ان شاء الله في الجزء الثاني من هذه الموسوعة
- 8. المصدر: کتاب ادب الطف