سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

أبواب الآيات النازلة في شأن الأمام أميرالمؤمنين عليه السلام الدالّة على فضله وإمامته – الثامن

أبواب الآيات النازلة في شأن الأمام أميرالمؤمنين عليه السلام الدالّة على فضله وإمامته – الثامن

العلامة المجلسي (قدس سره)

٨ – فر : محمد بن إبراهيم معنعنا عن زيد بن ربيع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يشد على بطنه الحجر من الغرث – يعني الجوع – فظل يوما صائما ليس عنده شئ ، فأتى بيت فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فلما أتى رسول الله تسلقا إلى منكبه [١] وهما يقولان ( يا باباه قل لما ماه تطعمنا ناناه ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة : أطعمي ابني ، قالت : ما في بيتي شئ إلا بركة رسول الله [٢] ، قال : فشغلهما رسول الله صلى الله عليه وآله بريقه حتى شبعا وناما فاقترضنا [٣] لرسول الله ثلاثة أقراص من شعير فلما أفطر رسول الله صلى الله عليه وآله وضعناه بين يديه [٤] فجاء سائل وقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة أطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة فإني مسكين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك المسكين فله حنين [٥] ، قم يا علي وأعطه [٦] ، قال : فأخذت قرصا فقمت فأعطيته [٧] ، ورجعت قد حبس رسول الله يده ، ثم جاء ثان فقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة إني يتيم فأطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك اليتيم وله حنين ، قم يا علي وأعطه ، قال : فأخذت قرصا وأعطيته ثم رجعت وقد حبس رسول الله صلى الله عليه وآله يده [٨] ، قال : فجاء ثالث وقال : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة إني أسير فأطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة بنت محمد قد جاءك الاسير وله حنين ، قم يا علي فأعطه ، قال : فأخذت قرصا وأعطيته ، وبات رسول الله صلى الله عليه وآله طاويا وبتنا وطاوين مجهودين ، فنزلت هذه الآية : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) [٩] .

٩ – فر : عن الحسين بن سعيد ، بإسناده عن عبيدالله بن أبي رافع [١٠] ، عن أبيه ، عن جده قال : صنع حذيفة طعاما ودعا عليا ، فجاء وهو صائم ، فتحدث عنده ثم انصرف فبعث إليه حذيفة بنصف الثريدة [١١] ، فقسمها على أثلاث [١٢] : ثلث له وثلث لفاطمة و ثلث لخادمهم [١٣] ، ثم خرج علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، فلقيته امرأة معها يتامى ، فشكت الحاجة وذكرت حال أيتامها ، فدخل وأعطاها ثلثه لايتامها ، ثم فجأه [١٤] سائل و شكا إليه الحاجة والجوع ، فدخل على فاطمة وقال : هل لك في الطعام – وهو خير لك من هذا الطعام : طعام الجنة – على أن تعطيني حصتك من هذا الطعام ؟ قالت : خذه فأخذه ودفعه إلى ذلك المسكين ، ثم مر به أسير يشكو [١٥] إليه الحاجة وشدة حاله ، فدخل وقال لخادمته مثل الذي قال لفاطمة وسألها حصتها من ذلك الطعام ، قالت : خذه ، فآخذه فدفعه إلى ذلك الاسير ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) إلى قوله : ( وكان سعيكم مشكورا) [١٦] .

١٠ – فر : عن جعفر بن محمد معنعنا ، عن ابن عباس رضي الله عنه : قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام ) قال : نزلت في علي وفاطمة وجارية لها [١٧] وذلك أنهم زاروا رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطى كل إنسان منهم صاعا من الطعام ، فلما انصرفوا إلى منازلهم جاء سائل يسأل ، فأعطى علي صاعه ، ثم دخل عليه يتيم من الجيران فأعطته فاطمة الزهرا عليها السلام صاعها ، فقال لها علي عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول : قال الله : وعزتي وجلالي لا يسكن بكاءه [١٨] اليوم عبد إلا أسكنته من الجنة حيث يشاء ، ثم جاء أسير من أسراء أهل الشرك [١٩] في أيدي المسلمين يستطعم ، فأمر علي السوداء خادمهم [٢٠] فأعطته صاعها ، فنزلت فيهم الآية : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) [٢١] .

١١ – فر : عن جعفر بن محمد معنعنا عن جعفر بن محمد عليه السلام : قوله تعالى : ( يدخل من يشاء في رحمته ) قال أبوجعفر عليه السلام : ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام [٢٢] .

١٢ – فر : عن محمد بن أحمد ، بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) نزلت في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة عليهما السلام ، أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة ، فأطعموا مسكينا ويتيما وأسيرا ، فباتوا جياعا فنزلت فيهم عليهم السلام [٢٣] .

١٣ – قب : في تفسير أهل البيت عليهم السلام : أن قوله : ( هل أتى على الانسان حين من الدهر ) يعني به عليا عليه السلام وتقدير الكلام : ما أتى على الانسان زمان من الدهر إلا و كان فيه شيئا مذكورا ، وكيف لم يكن مذكورا وإن اسمه مكتوب على ساق العرش وعلى باب الجنة ، والدليل على هذا القول قوله : ( إنا خلقنا الانسان من نطفة ) ومعلوم أن آدم عليه السلام لم يخلق من النطفة [٢٤].

١٤ – قل : في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة تصدق أميرالمؤمنين وفاطمة عليهما السلام وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفي الحسن والحسين عليهم السلام سورة هل أتى ثم ساق الحديث نحوا ممامر في خبر علي بن عيسى ، ثم روى نزول المائدة عن الثعلبي والخوارزمي ، ثم قال : وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في الكشاف ، ولكنه لم يذكر نزولها في الوقت الذي ذكرناه ، قال : عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه جاع في قحط [٢٥] فأهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين وبضعة لحم آثرته بها ، فرجع بها إليها فقال : هلمي يا بنية ، وكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما ، فبهتت وعلمت أنها نزلت من عندالله ، فقال صلى الله عليه وآله لها : أنى لك هذا ؟ قالت : هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال صلى الله عليه وآله الحمدلله الذي جعلك شبيه سيدة نساء بني إسرائيل ، ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته عليهم السلام حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو ، وأوسعت فاطمة عليها السلام على جيرانها [٢٦] .

١٥ – كشف : أبوبكر بن مردويه قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه ) نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [٢٧].

بيان : أقول : بعد ما عرفت من إجماع المفسرين والمحدثين على نزول هذه السورة في أصحاب الكساء عليهم السلام علمت أنه لا يريب أريب [٢٨] ولا لبيب في أن مثل هذا الايثار لايتأتى إلا من الائمة الاخيار ، وأن نزول هذه السورة مع المائدة عليهم يدل على جلالتهم ورفعتهم ومكرمتهم لدى العزيز الجبار ، وأن اختصاصهم بتلك المكرمة مع سائرالمكارم اختصوابها يوجب قبح تقديم غيرهم عليهم ممن ليس لهم مكرمة واحدة يبدونها عند الفخار ، وأما تشكيك بعض النواصب بأن هذه السورة مكية فكيف نزلت عند وقوع القضية التي وقعت في المدينة فمدفوع بما ذكره الشيخ أمين الدين الطبرسي قدس الله روحه بعد أن روى القصة بطولها ونزول الآية فيها عن ابن عباس ومجاهد وأبي صالح حيث يقول : قال أبوحمزة الثمالي في تفسيره : حدثني الحسن بن [ الحسن ] أبوعبدالله بن الحسن أنها مدنية نزلت في علي وفاطمة عليهما السلام السورة كلها ، ثم قال : حدثنا أبوالحمدمهدي ابن نزار الحسيني القايني عن عبيدالله بن عبدالله الحسكاني ، عن أبي نصر المفسر ، عن عمه أبي حامد عن يعقوب بن محمد المقري ، عن محمد بن يزيد السلمي ، عن زيد بن أبي موسى ، عن عمر وبن هارون ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أول ما انزل بمكة ( اقرء باسم ربك ) ثم ذكر السور المكية بتمامها خمسة وثمانين سورة ، قال : ثم انزلت بالمدينة البقرة ، ثم الانفال ، ثم آل عمران ، ثم الاحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم الرعد ، ثم سورة الرحمن ، ثم هل أتى ، ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إذا جاء نصرالله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم سورة الصف ، ثم الفتح ، ثم المائدة ، ثم سورة التوبة ، فهذه ثمانية وعشرون سورة .

وقد رواه الاستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس في كتاب الايضاح وزاد فيه : وكانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة .

وبإسناده عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن البصري أنهما عداهل أتى فيما نزلت بالمدينة بعد أربع عشرة سورة .

وبإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وآله عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ، وساق الحديث إلى أن عد سورة هل أتى في السور المدنية بعد إحدى عشرة سورة . انتهى [٢٩].

وأما ما ذكره معاند آخر خذله الله بأنه هل يجوز أن يبالغ الانسان في الصدقة إلى هذا الحد ويجوع نفسه وأهله حتى يشرف على الهلاك ؟ ! فقد بالغ في النصب والعناد ، وفضح نفسه وسيفضحه الله على رؤوس الاشهاد ، ألم يقرء قوله تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة) [٣٠] أولم تكف هذه الاخبار المتواترة في نزول هذه السورة الكريمة دليلا على كون ما صدر عنهم فضيلة لا يساويها فضل ؟ وأما ما يعارضها من ظواهر الآيات فسيأتي عن الصادق عليه السلام وجه الجمع بينها ، حيث قال ما معناه : كان صدور مثل ذلك الايثار ونزول تلك الآيات في صدر الاسلام ثم نسخت بآيات اخر ، وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب مكارم الاخلاق .

باب – ٧ : آية المباهلة *

قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الفصول : قال المأمون يوما للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لاميرالمؤمنين عليه السلام يدل عليها القرآن ، قال : فقال الرضا عليه السلام : فضيلة [٣١] في المباهلة ، قال الله جل جلاله : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعاوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أميرالمؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله صلى الله عليه وآله و أفضل ، فواجب [٣٢] أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله بحكم الله عزوجل ، قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الابناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ابنيه خاصة ؟ وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته وحدها ؟ فألا جاز [٣٣] أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لامير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل ، قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس يصح [٣٤] ما ذكرت – يا أميرالمؤمنين – وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره [٣٥] ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لايكون آمرا لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلى الله عليه وآله في المباهلة رجلا إلا أميرالمؤمنين عليه السلام فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله ، قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال [٣٦].

وقال الزمخشري في كتاب الكشاف : روي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر فنأتيك غدا ، فلما تخالوا [٣٧]  قالوا للعاقب – وكان ذارأيهم – : يا عبدالمسيح ماترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاء كم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإن أبيتم إلا إلف [٣٨] دينكم والاقامة على ما أنتم عليه فواد عوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غدا محتضنا [٣٩] الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا ، فقال اسقف [٤٠] نجران : يا معشر النصارى إني لارى وجوها لوشاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا فلم يبق [٤١] على وجه الارض نصراني إلى يوم القيامة .

فقالوا : يا أباالقاسم رأينا أن لانباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا ، قال صلى الله عليه وآله : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فإني أنا جزكم [٤٢] ، فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة : ألفا في صفر وألفا [٤٣] في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد ، فصالحهم النبي صلى الله عليه وآله على ذلك وقال : والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم [٤٤] عليهما الوادي نارا ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولم حال الحول [٤٥] على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وعليه مرط مرحل [٤٦] من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم جاء [٤٧] فاطمة ثم علي ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .

فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الابناء والنساء ؟ قلت : كان [٤٨] ذلك آكد للدلالة على ثقته بحاله ، واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته ، وأفلاذ كبده [٤٩] ، وأحب الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته أيضا بكذب خصمه حتى يهلك [٥٠] مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمعت المباهلة ، وخص الابناء والنساء لانهم أعز الاهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعاين [٥١] في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها حماة الحقائق [٥٢] ، وقد مهم في الذكر على الانفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن [٥٣] بأنهم مقدمون على الانفس مفدون بها ، وفيه دليل لاشئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لانه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك ، انتهى كلام الزمخشري [٥٤] .

وقال السيد بن طاوس في الطرائف : ذكر النقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه : قوله عزوجل : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال أبوبكر : جاءت الاخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بيد الحسن وحمل الحسين عليهما السلام على صدره – ويقال : بيده الاخرى وعلي عليه السلام معه وفاطمة عليها السلام من ورائهم ، فحصلت هذه الفضيلة للحسن والحسين عليهما السلام من بين جميع أبناء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وأبناء امته ، وحصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله من بين بنات النبي وبنات أهل بيته وبنات امته ، وحصلت هذه الفضيلة لاميرالمؤمنين علي عليه السلام من بين أقارب رسول الله ومن أهل بيته وامته بأن جعله رسول الله صلى الله عليه وآله كنفسه ، يقول : ( وأنفسنا وأنفسكم ) .

جرير عن الاعمش قال : كانت المباهلة ليلة إحدى وعشرين من ذي الحجة ، وكان تزويج فاطمة لعلي بن أبي طالب عليهما السلام يوم خمسة وعشرين من ذي الحجة ، وكان يوم غديرخم يوم ثمانية عشر من ذي الحجة ، هذا آخر كلام النقاش .

وقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد فضل أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش وكثرة رجاله وأن الدار قطني وغيره رووا عنه ، وذكر أنه قال عند موته : ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) ثم مات في الحال .

ومن ذلك مارواه مسلم في صحيحه [٥٥] من طرق : فمنها في الجزء الرابع في باب فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ثالث كراس من أوله من الكتاب الذي نقل الحديث منه في تفسير قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فرفع مسلم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو طويل يتضمن عدة فضائل لعلي بن أبي طالب عليه السلام خاصة ، يقول في آخره : ولما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي .

ورواه أيضا مسلم في أواخر الجزء المذكور على حد كراسين من النسخة المنقول منها ، ورواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن أبي وقاص في الحديث السادس من أفراد مسلم ، ورواه الثعلبي في تفسير هذه الآية عن مقاتل والكلبي [٥٦] .

أقول : ثم ساق الحديث مثل مامر في الرواية الاولى للزمخشري ، ثم قال السيد رحمه الله : ورواه أيضا أبوبكر بن مردويه بأجمل من هذه الالفاظ وهذه المعاني عن ابن عباس والحسن والشعبي والسدي ، وفي رواية الثعلبي زيادة في آخر حديثه وهي : قال والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ، ولو لا عنو المسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، ولما حال الحول على النصاري كلهم حتى هلكوا ، فأنزل الله تعالى : ( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليهم بالمفسدين)  [٥٧] .

ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب عن الشعبي عن جابر بن عبدالله قال : قدم وفد النجران على النبي صلى الله عليه وآله العاقب والطيب ، فدعا هما إلى الاسلام فقالا : أسلمنا يا محمد قبلك [٥٨] ، قال : كذبتما إن شئتما أخبر تكما ما يمنعكما من الاسلام ؟ قالا : هات ، قال حب الصليب وشرب الخمر وأكل الخنزير ، فدعا هما إلى الملاعنة فواعداه أن يغادياه بالغدوة [٥٩] ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم أرسل إليهما : فأبيان أن يجيبا فأقرا بالخراج ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لامطرالله عليهما الوادي نارا ، قال جابر : فيهم نزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية قال الشعبي : أبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

أقول : وقال السيوطي في الدر المنثور : أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه و أبونعيم في الدلائل عن جابر قال : قدم على النبي صلى الله عليه وآله العاقب والسيد ، فدعاهما إلى الاسلام ، وذكر نحو مامر ، وقال في آخره : قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي ، وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة عليهم السلام .

قال : وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه ( طس ) سليمان [٦٠] : بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، من محمد رسول الله إلى اسقف نجران وأهل نجران ، إن أسلمتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم [٦١] وإسحاق ويعقوب ، أما بعد فإني أدعو كم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقدا وذنتم [٦٢] بحرب ، والسلام ) فلما قرأ الاسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرا شديدا [٦٣] فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له : شرحبيل بن وادعة [٦٤] ، فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأه ، فقال له الاسقف : ما رأيك ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعدالله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة ، فما يؤمن من أن يكون [٦٥] ذلك الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، لوكان أمر [٦٦] من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك ، فبعث الاسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وادعة وعبدالله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فانطلق والوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألهم وسألوه ، فلم تنزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى بن مريم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما عندي فيه شئ يومي هذا فأقيموا حتى اخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغداة [٦٧] ، فأنزل الله ( إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم ) إلى قوله : ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فأبوا أن يقروا بذلك ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره [٦٨] للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : إني رأى أمرا مقبلا ، إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فنلا عنه [٦٩] لا يبقى على وجه الارض منا شعر ولا ظفر إلا هلك ، فقالا له : ما رأيك ؟ فقال : رأيي أن احكمه [٧٠] فإني أرى رجلا مقبلا لايحكم شططا أبدا [٧١] ، فقال له : أنت وذاك ، فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك ، قال : وماهو ؟ قال : احكمك [٧٢] اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح ، فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية .

—————————————————————————————–
[١] . تسلق : نام على ظهره . تسلق الجدار : صعد عليه . والمراد هنا المعنى الثاني أي صعدا على منكبه . والمنكب – بفتح الميم وكسر الكاف – : مجتمع رأس الكتف والعضد . وفي المصدر فأتى بيت فاطمة ، والحسن والحسين يبكيان ، فلما نظرا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ألفياعلى منكبيه اه . ولفع الغلام : ضمه اليه .
[٢] . هذا الكلام تعظيم وتفخيم منها عليها السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله .
[٣] . كذا في النسخ والمصدر . ولعله مصحف ( فاقترضا ) اي اقترض علي والزهراء سلام الله عليهما .
[٤] . في المصدر : وضعتها بين يديه .
[٥] . في المصدر : وله حنين .
[٦] . في المصدر : فأعطه .
[٧] . في المصدر : وأعطيته .
[٨] . أي أمسك عن الطعام حتى يجئ علي عليه السلام .
[٩] . تفسير فرات : ١٩٩ و ٢٠٠ .
[١٠] . في المصدر : عبدالله بن أبي رافع .
[١١] . في المصدر : بقصف الثريد . ولا يناسب المقام .
[١٢] . في المصدر : على ثلاث ثلاث .
[١٣] . في المصدر : لخادم لهم .
[١٤] . في المصدر : ثم جاءه .
[١٥] . في المصدر : فشكا .
[١٦] . في المصدر : وشدة الجوع .
[١٧]. تفسير فرات : ٢٠٠ .
[١٨] . في المصدر : في علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وجارية لهما .
[١٩] . اي بكاء اليتيم وفى المصدر : لا يسكت بكاء اليتيم اه .
[٢٠] . في المصدر : من اسراء المشركين وهو اه .
[٢١] . في المصدر : خادمتهم .
[٢٢] . تفسير فرات : ٢٠١ .
[٢٣] . تفسير فرات : ٢٠٢ .
[٢٤] . مناقب آل أبى طالب ١ : ٥٨٠ .
[٢٥] . في المصدر : فقال ما هذا لفظه : وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه جاء في زمن قحط اه .
[٢٦] . اقبال الاعمال : ٥٢٨ و ٥٢٩ .
[٢٧] . كشف الغمة : ٩٣ .
[٢٨] . أرب أربا : صار ماهرا فهو أريب .
[٢٩] . مجمع البيان ١٠ : ٤٠٥ و ٤٠٦ .
[٣٠] . الحشر : ٩ .
* آل عمران : ٦١ . ولا نكرر موضع الاية بتكررها في هذا الباب . والمباهلة : الملاعنة .
[٣١] . في المصدر : فضيلته . وفي ( د ) : فضيلة في القرآن في المباهلة .
[٣٢] . في المصدر : فوجب .
[٣٣] . في المصدر : فلم لا جاز اه .
[٣٤] . في المصدر : ليس بصحيح .
[٣٥] . في المصدر : كما يكون الامر آمرا لغيره .
[٣٦] . الفصول المختارة ١ : ١٦ و ١٧ .
[٣٧] . في ( ك ) و ( د ) : فلما تخالفوا .
[٣٨] . الالف – بكسر الهمزة – : الصداقة والموانسة .
[٣٩] . احتضن الصبي : جعله في حضنه وضمه إلى صدره .
[٤٠] . الاسقف – بضم الهمزة وتشديد الفاء وتخفيفه – : فوق القسيس ودون المطران .
[٤١] . في المصدر : ولا يبقى وهو الصحيح .
[٤٢] . ناجزه : بارزه وقاتله .
[٤٣] . في المصدر ( الف ) في الموضعين .
[٤٤] . اضطرمت النار : اشتعلت .
[٤٥] . الحول : السنة .
[٤٦] . قد سبق معناه عند الكلام في آية التطهير .
[٤٧] . كذا في نسخ الكتاب . وليست كلمة ( جاء ) في المصدر
[٤٨] . ليست في المصدر كلمة ( كان ) .
[٤٩] . في النهاية ( ٢ : ٢١٣ ) : الافلاذ جمع فلذ والفلذ جمع فلذة ، وهي القطعة المقطوعة طولا .
[٥٠] . في المصدر : حتى يهلك خصمه اه .
[٥١] . جمع الظعينة : الزوجة او المرأة مادامت في الهودج أو عموما .
[٥٢] . الذادة جمع ذائد : المدافع . والحماة جمع الحامي وفى المصدر : ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق . وكأن المراد ان المراة تذود وتحمي بروحها حيث تحرض الرجل على الحرب وتقوي عزمه على القتال .
[٥٣] . آذنه : أعلمه .
[٥٤] . الكشاف ١ : ٣٠٧ و ٣٠٨ .
[٥٥] . ج ٧ : ١٢٠ و ١٢١ .
[٥٦] . الطرائف : ١٣ و ١٤ . وسقط ما بعد ذلك عنه .
[٥٧] . آل عمران : ٦٢ و ٦٣ .
[٥٨] . أي قبل دعوتك .
[٥٩] . غادى مغاداة : باكره . والغدوة : البكرة : ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . اول النهار وهو المراد هنا .
[٦٠] . يعني سورة النمل .
[٦١] . في المصدر : اليكم الله اله إبراهيم .
[٦٢] . في المصدر : آذنتكم .
[٦٣] . فظع فلان بالامرة ومن الامر : هاله الامر فلم يثق بأن يطيقه . ذعر : خاف .
[٦٤] . في المصدر : وداعة وكذا فيما يأتي .
[٦٥] . في المصدر : فما يؤمن أن يكون .
[٦٦] . في المصدر : لو كان رأي .
[٦٧] . في المصدر : صبح الغد ، فانزل الله هذه الاية اه .
[٦٨] . في المصدر : خلف ظهره .
[٦٩] . في المصدر : فلا عنساه .
[٧٠] . حكمه في الامر : فوض اليه الحكم فيه .
[٧١] . في المصدر : رجلا لا يحكم شططا أبدا. والشطط : التباعد عن الحق.
[٧٢] . في المصدر : حكمك.

يتبع …..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى