الإسلام بكلّ ما فيه هو ثورة على مختلف الصعد والمستويات، بدءاً من رأس الهرم في المجتمع وهو المعبّر عنه بصاحب السلطة والقرار، وصولاً إلى المسائل الصغيرة المتعلّقة بتفاصيل الحياة اليومية للفرد المسلم، وهو بهذا يشكّل دورة كاملة للحياة بما تضجّ به من الحركة والتفاعل فيما بين الأفراد وبينهم وبين السلطة الحاكمة.
من هذه النظرة الشمولية ندخل إلى الحديث عن ذكرى “عاشوراء” تلك الحادثة المؤلمة والمفجعة جداً التي أصابت الإمام الحسين (عليه السلام) والصفوة من أهل بيته ومن أصحابه المخلصين الذين بذلوا أرواحهم فداءً لدين الله عزّ وجلّ، عندما تبيّن أنّ هذا الدين قد أصبح في خطرٍ داهم بوصول “يزيد بن معاوية” إلى سلطة القرار
وحكم المسلمين، مع ما هو عليه من المواصفات غير اللائقة بمن يحكم الأمة التي أرسى لها قواعد دولتها الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أجمع المسلمون على عدم أهلية يزيد لأن يكون حاكماً إسلامياً بسبب ما كان عليه من فسقٍ وفجور واستهتارٍ بالمقدّسات الإسلامية والمحرّمات من الأنفس والأموال والأعراض والممتلكات، هذه الأمور التي يعتبر الإسلام أنّ الحفاظ عليها، لأنّها ملك أصحابها المسلمين ولأنّها خزان الأمة ومنبع قوتها، جزءٌ لا يتجزّأ من وظائف الحاكم الإسلامي العادل الرشيد.
وكذلك يعتبر الإسلام أنّ أهم وظيفة للحاكم هي الحرص على تطبيق الشريعة وعدم انحرافه عنها لضمان الإستقامة في مسيرة الأمة حتى يعيش المجتمع الإسلامي الأمن والسعادة في ظلّ الحاكم العادل الملتزم بالإسلام الذي يشكّل وجوده بهذه الصفات الضمانة للأمة على كلّ المستويات التي ذكرناها.
“يزيد بن معاوية” لم يكن الحاكم النموذج للأمة، وبقراءةٍ سريعة للفترة القصيرة التي حكمها وهي “ثلاث سنوات ونصف” نرى الأمور التالية، التي يعتبر كلّ أمرٍ منها جريمة نكراء يندي لها تاريخ الإنسانية كلّه، فضلاً عن تاريخ الإسلام:
الأمر الأول: في السنة الأولى من حكمه قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ومجموعة من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبطريقةٍ لم يتعامل بها المسلمون حتى مع أعدائهم وسبي نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) بشكلٍ مأساوي جداً ما عهدته الأمة من قبل.
الأمر الثاني: في السنة الثانية من حكمه أباح مدينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجيشه فانتهك الأعراض ودنّس المقدّسات وقتل ما قتل من الصحابة والتابعين وكانت جريمة مروّعة وفظيعة جداً.
الأمر الثالث: في السنة الثالثة من حكمه رمى الكعبة الشريفة بالمنجنيق وهدّمها للتعبير عن كراهيته لهذا الدين في الوقت الذي يتزعم قيادة الأمة المؤمنة به.
وبما أنّ وصول يزيد إلى السلطة كان خلاف الصلح المعقود بين الإمام الحسن (عليه السلام) وبين معاوية، لأنّ أحد شروط الصلح كان عبارة عن إعادة السلطة إلى الإمام الحسن إذا كان ما زال حياً بعد موت معاوية أو تسليمها إلى الإمام الحسين (عليه السلام).
لذا، بما أنّ الخطر من وصول يزيد إلى السلطة صار قائماً، كان لا بدّ من تصحيح ذلك الوضع، ولهذا أطلق الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك الشعار الخالد: (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، إلّا أنّ فساد الحاكم “يزيد” جعله يشتري النفوس والضمائر ليحشد الجيش الكبير الذي ارتكب تلك المجزرة الدموية بقيادة أشخاص رضوا لأنفسهم أن يبيعوا دينهم وآخرتهم لحاكم متسلّط لا يهمّه أمر المسلمين، بل أمر الإسلام في شيءٍ على الإطلاق.
وذلك الشعار الحسيني هو نفسه الذي نرفعه وترفعه كلّ الحركات الإسلامية في مواجهة الإنحراف والفساد على مستوى الحكام في العالم الإسلامي الذي يحكمه أشخاص لا يهمّهم الإسلام ولا يقيمون وزناً لمصالح الأمة، بل يهتمون بالمحافظة على عروشهم التي بدأت تتعرّض للإهتزاز عبر اللجوء إلى الشيطان الأكبر “أمريكا” في مواجهة هذا المد الإسلامي الذي يرفع شعارات الإمام الحسين (عليه السلام) عملاً وفعلاً وقولاً، لأنّ تلك الشعارات الحسينية هي نفسها الشعارات الإلهية القرآنية، كما يعبّر القرآن: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
من هنا، فإنّ ملحمة الحسين (عليه السلام) في كربلاء، هي نموذج ريادي للأمة الإسلامية جمعاء وليس للشيعة فقط، فثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة مذهبية، وإنّما كانت ثورة إسلامية عامة هدفت لإنقاذ الأمة من خلال ذلك التحرّك ضدّ حاكمٍ ظالم منحرف، لتكون تلك الثورة نموذجاً للإقتداء لكلّ العاملين والمجاهدين في سبيل الإسلام بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وعلى امتداد العصور.
لهذا، نحن مدعوون جميعاً في أيام عاشوراء، أيام التضحية والبذل والعطاء في سبيل الحفاظ على سلامة الإسلام وضمانة الأمة من عدم الإنحراف، أن نكون حسينيين في تحرّكاتنا وجهادنا ضدّ الكفر المتمثّل بالإستكبار بقيادة أمريكا، وضدّ النفاق بقيادة الأنظمة العميلة، حتى نتمكن من أن نقوم بالواجب الدائم الملقى على عاتق كلّ العاملين في سبيل حفظ هذا الدين وإعلاء رايته في العالم. والحمد لله ربّ العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.