مقالات

قضايانا العادلة …

العالم يظلمنا وينقصنا حقنا، فقضايانا واضحة كالشمس في رابعة النهار، لكنها السياسة والمصالح والتحالفات والحقد والعصبية والعمى والتعالي والنرجسية وبخس الناس أشياءهم وحقوقهم.

من في هذا الكون لا يعلم أن الفلسطينيين يعيشون ظلماً ورعباً وتشريداً وهدماً لبيوتهم ومصادرة لأراضيهم؟ وفي المقابل من في هذا الكون لا يعلم أن الفلسطيني مسالم عاش مع اليهود والمسيحيين بسلام ووئام، لم يعتد على أحد منهم ولم يهجر أو يسجن أو ويعذب أحدا؟ لقد فُرض عليه الاحتلال وهو في بلده آمنا هادئا مستقرا، فحل ما حل به وهو لم يهاجم أحداً ولم يحارب أحداً ولم يحتل أرضاً، فهل هناك قضية في العالم أوضح في الظلم والتجني من هذه القضية الفلسطينية العادلة؟

لكي تتعافى قضايانا المحقة هناك أمران يستحقان النظر والعلاج، أولهما أننا اعتقدنا أن العدالة في قضايانا تكفيها لتنال الدعم والنصرة، وغفلنا أن القضايا لا تساند ولا تدعم لأنها في حد ذاتها عادلة، فالعدل الذاتي للقضية لا يعني أن لها صورة ذهنية عادلة في عقول الآخرين. إنه إحساس عاطفي بسيط يعشعش في نفوس أصحاب القضايا المحقة ويقتنعون به أحياناً، ويعتقدون أن العالم كله عليه أن يستند في آرائه وقراراته وفهمه للأمور عليه، وهذا التصور خطر على قضايانا وعلى مصيرها الذي ستؤول إليه.
جون إسبوزيتو وشيلا لالواني كتبا عن صورة المسلمين في أميركا قائلين: «ما بين ستة وثمانية ملايين مسلم يعيشون في الولايات المتحدة ويساهمون في الدولة كأطباء ومهندسين وفنانين وممثلين ومهنيين. لكن منذ عقد من الزمان وجد الكثيرون منهم أنفسهم ودينهم وقد تساوت مع إرهابيين مثل أسامة بن لادن. وقع الكثيرون منهم ضحية الخوف والشك والإجحاف وإهانة المسلمين والرقابة غير القانونيَّة والبحث غير الشرعي والاعتقال والسجن»1.
وبحسب منتدى بيو عن الدين والحياة العامة، تقول أقليات كبيرة العدد إنهم لا يستطيعون التفكير بأي شيء إيجابي يقولونه عن الإسلام. وتُظهِر إحدى الدراسات أن 38 في المئة من الأميركيين لديهم وجهة نظر غير إيجابية عن الإسلام، مقارنة بـِ 30 في المئة أظهروا وجهة نظر إيجابية. ووجدت دراسة أخرى أجرتها «الواشنطن بوست» أن صورة الإسلام غير الإيجابية تتجه نحو 49 في المئة بين الأميركيين.
جرى تعزيز هذا الخوف والعداء نتيجة جهل أساسي من جانب الجمهور الأميركي وسوء فهم للإسلام، فقد وجد استطلاع منتدى بيو 2010 عن المعرفة بالدين أن نصف الأميركيين فقط يعرفون أن القرآن هو كتاب الإسلام المقدس»2.
وثانيهما هو التسلي باتهام الآخر في دينه وإنسانيته وضميره وأخلاقه لأنه رفض الاصطفاف معنا في قضايانا الواضحة الأحقية عندنا، والملتبسة غالباً عليه.
هذا التسلي نمارسه لقسر الآخر على رؤيتنا تجاه العديد من قضايانا التي تختزن عقولنا أرشيفاً كاملاً لها وأرضية تساعد على الأحكام التي نتبناها، فنفترض أن وضوح الصورة عند الآخر هو تماماً كسطوعها ووضوحها عندنا تماماً، لكنه عديم دين وأخلاق ونزاهة وعدل.
هذا الإحساس المريض – أحياناً – ضد الآخر يزيد قضايانا تعقيداً، لأنه يمنعنا من التقدم نحو أصدقاء جدد لقضايانا، ويوجد بيننا وبينهم حاجزاً نفسياً متيناً، وكلما اشتدت كلماتنا قسوة ضدهم زاد البعد وتحول جفاء ثم لم يلبث أن يصبح عداءً واصطفافاً مضاداً.
بالطبع لا يمكن القول بأنه لا توجد قضايا عادلة ومحقة، لكن يمكن القول إن بعض القضايا تخدم في إيضاحها والإعلام عنها بشكل كاف وسليم وبعضها الآخر يفتقر هذه الخدمة، وحينها قد تخسر القضية العادلة وتربح المواقف التي تقابلها3.

  • 1. صحيفة «الوسط»، 10/6/2011.
  • 2. المصدر نفسه.
  • 3. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار(حفظه الله)، و المقال منشور في صحيفة الوسط البحرينية 27 / 6 / 2011م الموافق 25 رجب 1432هـ، العدد 3215 -.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى