ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله الصادق صلّى الله عليه وآله قال : « كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع ، فلمّا ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات ، وكان يخترق أربع سماوات ، فلمّا ولد رسول الله (ص) حجب عن السبع كلّها ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، وقال عمرو بن أميّة : وكان من أزجر أهل الجاهليّة : انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث ، وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة ولد النبي صلّى الله عليه وآله ليس منها صنم إلّا وهو منكب على وجهه ، وارتجس في تلك الليلة أيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السماوة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المؤبذان في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً (۱) ، قد قطعت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلّا أصبح منكوساً ، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله عزّوجلّ ».
قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام : « إنّما سمّوا آل الله لأنّهم في بيت الله الحرام » ، وقالت آمنة : « إنّ بني والله سقط فاتّقى الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثمّ خرج منّي نور أضاء له كلّ شيء ، وسمعت في الضوء قائلاً يقول : إنّك قد ولدت سيّد الناس فسمّيه محمّداً ، وأتي به عبدالمطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت اُمّه ، فأخذه فوضعه في حجره ثمّ قال : الحمد لله الذي أعطاني ، هذا الغلام الطيّب الاردان ، قد ساد في المهد على الغلمان.
ثمّ عوذه بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعاراً ، قال : وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيّدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئاً ، فقال إبليس لعنه الله : أنا لهذا الأمر ، ثمّ انغمس في الدنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحواب به ، فرجع ثمّ صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى (۲) ، فقال له جبرئيل : وراك لعنك الله ، فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحديث الذي حدث منذ الليلة في الأرض ؟
فقال له : ولد محمّد (ص) ، فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي اُمّته ؟ قال : نعم ، قال : رضيت (۳) ».
توضيح : الزجر بالفتح : العيافة وهو نوع من التكهن ، تقول : زجرت أنّه يكون كذا. والارتجاس : الاضطراب والتزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد. وغاض الماء بالغين ولاضاد المعجمتين ، أيّ قل ونضب ، قال الاجزري : ومنه حديث سطيح وغاضت بحيرة ساوة ، أي غار ماءها وذهب. والسماوة بالفتح : موضع بين الكوفة والشام ، وقال الخليل في العين : هي فلاة بالبادية تتّصل بالشم. والمؤبذان بضم الميم وفتح الباء : فقيه الفرس وحاكم المجوس كالمؤبذ ذكره الفيروزآبادى. وقال الجررى : في حديث سطيح فأرسل كسرى إلى المؤبذان ، المؤبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلين ، والمؤبذ كالقاضي. وانسرب الثعلب في حجره أيّ دخل.
قوله عليه السلام : وانخرقت عليه دجلة العوراء يظهر ممّا سيأتي أن كسرى كان سكر (٤) بعض الدجلة وبنى عليها بناء ، فلعلّه لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء (٥) لانّه عور وطم (٦) بعضها فانخرقت عليه ، واندهم بنيانه ، ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أيّ العميقة. والاردان جمع الردن بالضمّ ، وهو أصل الكم ، ولعلّه إنّما خصّها بالطيب لانّ الرائحة الخبيثة غالباً تكون فيها لمجاورتها للاباط ، قال الشاعر :
وعمرة من سروات النساء | تنفح بالمسك أردانها |
قوله : ثمّ عوذه بأركان الكعبة ، أيّ مسحه بها ، أو دعاله عندها ، أو كتب أسمائها وعلقه عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال الفيروزآبادى : الصر : طائر كالعصفور أصفر ، وقال الجزرى : هو عصفور أو طائر في قده ، أصر اللون ، وفي بعض النسخ والعصفور ، وقال الفيروزآبادى : حرى كعلى : جبل بمكّة ، معروف فيه الغار ، وقال الجوهري وغيره : إنّه بالكسر والمد.
الهوامش
۱. خيل عراب : كرائم سالمه من الهجنة.
۲. في المصدر : حراء ، وهو بالكسر والمد وهو أصحّ من القصر.
۳. الأمالي : ١٧١ و ١٧٢.
٤. سكر النهر : جعل له سداً.
٥. في معجم البلدان ٤ : ١٦٧ : دجلة العوراء : دجلة البصرة.
٦. عارت عين الماء : دفنت فانسدت عيونها ، والطم بمعناه.
مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : ۱٥ / الصفحة : ۲٥۷ ـ ۲٦۰