وفيه : أربعة عشر حديثاً
٥۰۱ / ۱ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سمعت أبا محمّد عليه السلام يقول : « إنّ في الجنّة باباً يقال له : المعروف ، ولا يدخله إلَّا أهل المعروف » . فحمدت الله تعالى في نفسي ، وفرحت بما أتكلف من حوائج الناس ، فنظر عليه السلام إليَّ فقال : « نعم دُمْ على ما أنت عليه ، فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة ، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك » .
٥۰۲ / ۲ ـ وعنه قال : سأل محمّد بن صالح الأرمني : عرّفني عن قول الله عزّ وجل ، ( لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ) (۱) فقال عليه السلام : « لله الأمر من قبل أن يأمر ، ومن بعد أن يأمر بما يشاء » . فقلت في نفسي : هذا تأويل قوله تعالى : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (۲) .
فأقبل عليَّ وقال : « كما هو أسررت في نفسك ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (۳) » فقلت : أشهد أنّك حجّة الله وابن حجّته على عباده .
٥۰۳ / ۳ ـ وعنه قال : دخلت على أبي محمد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبارك به ، فجلست ونسيت ما جئت له ، فلمّا ودّعته ونهضت رمى إليَّ خاتماً وقال : « أردت فضَّة فأعطيناك خاتماً ، وربحت الفص والكرى ، هنأك الله يا أبا هاشم » فتعجبت من ذلك وقلت : يا سيدي ، أشهد أنّك ولي الله ، وإمامي الذي أدين لله بفرض طاعته . فقال : « غفر الله لك يا أبا هاشم » .
٥۰٤ / ٤ ـ عن الحسن بن ظريف ، قال : اختلج في صدري (۱) مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمّد عليه السلام فكتبت أسأله : إذا قام القائم وأراد أن يقضي ، أين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أكتب إليه أسأله عن حمّى الرِّبع ، أغفلت ذكر الحمى ، فجاء الجواب : « سألت عن القائم فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه ، كقضاء داود ، ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الربع فأنسيت ، فاكتب على ورقة وعلّقها على المحموم ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) (۲) فإنّه يبرأ بإذن الله تعالى» .
٥۰٥ / ٥ ـ عن أبي هاشم ، قال : كنت مضيّقاً عليَّ ، فأردت أن أطلب منه شيئاً من الدنانير في كتاب فاستحييت ، فلمّا صرت إلى منزلي وجّه إليَّ مائة دينار ، وكتب إليَّ : « إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم ، واطلبها فإنّك ترى ما تحب إن شاء الله تعالى » .
٥۰٦ / ٦ ـ وعنه قال : كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ) (۱) فقال عليه السلام : « كلّهم من آل محمّد عليهم السلام ، الظالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإِمام ، والمقتصد العارف بالإِمام ، والسابق بالخيرات بإذن الله الإِمام » .
قال : فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمّد عليهم السلام ، فنظر إليَّ وقال : « الأمر أعظم مما حدَّثتك به نفسك من عظم شأن آل محمّد عليهم السلام ، فاحمد الله فقد جعلك متمسكاً بحبلهم ، تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم ، فابشر يا أبا هاشم فإنّك على خير » .
٥۰۷ / ۷ ـ وعنه ، قال : سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد عليه السلام عن قول الله تعالى : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (۱) فقال عليه السلام : « هل يمحو إلَّا ما كان ، وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ » فقلت في نفسي : هذا خلاف قول هشام أنّه لا يعلم بالشيء حتّى يكون .
فنظر إليَّ أبو محمد عليه السلام وقال : « تعالى الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها ، الخالق إذ لا مخلوق ، والرب إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور عليه » . فقلت : أشهد أنّك حجّة الله ووليه بقسط ، وأنّك على منهاج أمير المؤمنين عليه السلام .
٥۰۸ / ۸ ـ وعنه قال : كنت عنده فسأله محمّد بن صالح الأرمني عن قول الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ) (۱) الآية قال : « ثبتوا المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ومن رازقه » .
قال أبو هاشم : فجعلت أتعجّب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليّه من جزيل ما حمله ، فأقبل أبو محمّد عليه السلام عليَّ وقال : « الأمر أعجب ممّا عجبت منه يا أبا هاشم ، وأعظم ، ما ظنك بقوم مَن عرفهم عرف الله ، ومَن أنكرهم أنكر الله ، ولا يكون مؤمناً حتىٰ يكون لولايتهم مصدّقاً ، وبمعرفتهم موقناً ؟ » .
٥۰۹ / ۹ ـ وعنه ، قال : سمعت أبا محمّد عليه السلام قال : « الذنوب التي لا تغفر قول الرجل : ليتني لا أُواخذ إلَّا بهذا » فقلت في نفسي : إن هذا لهو الدقيق (۱) ، وقد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كلّ شيء ، فأقبل عليَّ عليه السلام ، وقال : « صدقت يا أبا هاشم ، نِعْمَ ما حدثتك به نفسك ، فإن الإِشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء ، ومن دبيب الذر على الشبح الأسود » .
٥۱۰ / ۱۰ ـ عن يحيى بن المرزبان ، قال : التقيت مع رجل فَأخبرني أنّه كان له ابن عم ينازعه في الإِمامة والقول في أبي محمد عليه السلام وغيره ، فقلت : لا أقول به ولا أرى منه علامة ، فوردت العسكري في حاجة ، فأقبل أبو محمّد عليه السلام ، فقلت في نفسي متعنتاً : إنْ مدّ يده إلى رأسه وكشفه ثمّ نظر إليّ وردّه قلت به .
فلمّا حاذاني مدّ يده إلى رأسه أو القلنسوة ، فكشفها ثمّ برق عينيه فيَّ ثمّ ردَّها وقال : « يا يحيى ، ما فعل ابن عمك الذي ينازعك في الإِمامة ؟ » فقلت : خلّفته صالحاً فقال : « لا تنازعه » ثمّ مضى .
٥۱۱ / ۱۱ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : فكّرت في نفسي فقلت : أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد عليه السلام في القرآن ؟ فبدأني وقال : « الله خالق كلّ شيء ، وما سواه فهو مخلوق » .
٥۱۲ / ۱۲ ـ عن ابن الفرات قال : كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم ، فكتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أشكو إليه وأسأله الدعاء ، وقلت في نفسي : لا أبالي أين يذهب مالي بعد أن أهلكه الله .
قال : فكتب إليَّ : « إنّ يوسف عليه السلام شكا إلى ربّه السجن فأوحى الله إليه : أنت أخترت لنفسك ذلك حيث قلت : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (۱) ولو سألتني أن أعافيك لعافيتك ؛ إنّ ابن عمّك لراد عليك مالك ، وهو ميت بعد جمعة » .
قال : فردّ عليَّ ابن عمّي مالي ، فقلت : ما بدا لك في ردّه وقد منعتني إيّاه ؟ قال : رأيت أبا محمّد عليه السلام في المنام فقال لي : « إنّ أجلك قد دنا ، فردّ على ابن عمّك ماله » .
٥۱۳ / ۱۳ ـ عن أبي القاسم الحليسي قال : كنت أزور العسكري في شعبان في أوله ، ثمّ أزور الحسين عليه السلام في النصف من شعبان ، فلمّا كانت سنة من السّنين وردت (۱) العسكري قبل شعبان وظننت أني لا أزوره في شعبان ، فلمّا دخل شعبان قلت : لا أدع زيارة كنت أزورها ، وخرجت إلى العسكر ، وكنت إذا وافيت العسكر ، أعلمتهم برقعة أو رسالة ، فلمّا كان في هذه المرّة قلت : أجعلها زيارة خالصة لا أخلطها بغيرها ، وقلت لصاحب المنزل : أحب أن لا تعلمهم بقدومي .
فلمّا أقمت ليلة جاءني صاحب المنزل بدينارين وهو ( متبسّم ضاحك مستبشر ) ويقول : بعث إلي بهذين الدينارين وقيل لي : ادفعهما إلى الحليسي وقل له : « من كان في طاعة الله كان الله في حاجته » .
٥۱٤ / ۱٤ ـ عن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال : ضاقَ بنا الأمر فقال لي أبي : امضِ بنا حتّى نصيرَ إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد عليه السلام ـ فإنّه قد وصف عنه سماحة . فقال لي : أتعرفه ؟ فقلت : ما أعرفه ولا رأيته قط .
قال : فقصدناه ، فقال لي أبي وهو في طريقه ، ما أحوجنا أن يأمر لنا بخمسمائة درهم ، مائتين للكسوة ومائتي درهم للدين (۱) ، ومائة درهم للنفقة ، وأخرج إلى الجبل .
فقلت في نفسي : ليته أمر لي بثلاثمائة درهم ، أشتري بمائة حماراً ، وبمائة كسوة ، ومائة درهم للنفقة ، وأخرج إلى الجبل .
فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلام فقال : يدخل عليُّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه ؛ فلمّا دخلنا عليه وسلّمنا عليه قال لأبي : « على ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت ؟ » فقال : يا سيدي ، استحييت أن ألقاك وأنا على هذه الصورة والحال . فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة فيها خمسمائة درهم وقال : هذه الصرة : مائتان للكسوة ، ومائتان للدين ، ومائة درهم للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء (۲) . وأعطاني صرَّة فقال هذه ثلاثمائة درهم ، اجعل مائة منها ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء .
قال : فصار أبي إلى سوراء ، فتزوج بامرأة ، فدخله إلى اليوم ألفا درهم ، وهو مع ذلك يقول بالوقف .
٥۱٥ / ۱٥ ـ عن إسحاق ، عن الأقرع قال : كنت كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإِمام هل يحتلم ؟ وقلت في نفسي بعدها قد أعاذ الله تبارك وتعالىٰ أولياءه من ذلك .
فورد الجواب : « حال الأئمة عليهم السلام في المنام حالهم في اليقظة ، لا يغيّر النوم منهم شيئاً ، وقد أعاذ الله عز وجل أولياءه من الشيطان ، كما حدّثتك نفسك » .
الهوامش
۱ ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸۹ / ۱۲ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳۲ ، إعلام الورىٰ : ۳٥٦ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۰ .
۲ ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳٦ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۰ .
(۱) سورة الروم الآية : ٤ .
(۲) سورة الأعراف الآية : ٥٤ .
(۳) سورة الأعراف آية : ٥٤ .
۳ ـ الكافي ۱ : ٤۲۹ / ۲۱ ، الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸٤ / ٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳۷ ، إعلام الورىٰ : ۳٥٦ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۱ ، حلية الأبرار ۲ : ٤۹۲ ، مدينة المعاجز : ٥٦۳ / ۲٤ .
٤ ـ الكافي ۱ : ٤۲٦ / ۱۳ ، ارشاد المفيد : ۳٤۳ ، الخرائج والجرائح ۱ : ٤۳۱ / ۱۰ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳۱ ، إعلام الورىٰ : ۳٥۷ ، كشف الغمة ۲ : ٤۱۳ ، حلية الأبرار ۲ : ٦۲۷ .
(۱) في هامش « ر » : خاطري .
(۲) سورة الأنبياء الآية : ٦۹ .
٥ ـ الكافي ۱ : ٤۲٦ / ۱۰ ، مثله ، الخرائج والجرائح ۱ : ٤۳٥ / ذيل حديث ۱۳ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳۹ ، إعلام الورىٰ : ۳٥٤ .
٦ ـ ارشاد المفيد : ۳۸٦ ، اثبات الوصية : ۲۱۳ ، الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸۷ / ۹ ، كشف الغمة ۲ : ٤۱۹ ، حلية الأبرار ۲ : ٤۹۲ ، مدينة المعاجز : ٥۷٦ / ۹۸ .
(۱) سورة فاطر الآية : ۳۲ .
۷ ـ اثبات الوصية : ۲۱۲ ، غيبة الطوسي : ۲٦٤ ، الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸۷ / ۱۰ ، كشف الغمة ۲ : ٤۱۹ ، مدينة المعاجز : ٥۷۷ / ۱۰۳ .
(۱) سورة الرعد الآية : ۳۹ .
۸ ـ إثبات الوصية : ۲۱۲ ، كشف الغمة ۲ : ٤۱۹ .
(۱) سورة الأعراف الآية : ۱۷۲ .
۹ ـ اثبات الوصية : ۲۱۲ ، غيبة الطوسي : ۱۲۳ ، الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸۸ / ۱۱ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳۹ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۰ ، إعلام الورى : ۳٥٥ .
(۱) الدقيق : الأمر الغامض ، لسان العرب : ۱۰ : ۱۰۱ ( دقق ) .
۱۰ ـ الخرائج والجرائح ۱ : ٤٤۰ / ۲۱ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۸ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤۳٦ .
۱۱ ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٦۸٦ / ٦ ، باختلاف فيه ، مدينة المعاجز : ٥۷٦ / ۹۳ .
۱۲ ـ الخرائج والجرائح ۱ : ٤٤۱ / ۲۲ ، الصراط المستقيم ۲ : ۲۰۷ / ۱٤ ، كلاهما باختصار ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۹ ، مدينة المعاجز : ٥۷۷ / ۱۰٦ .
(۱) سورة يوسف الآية : ۳۳ .
۱۳ ـ كمال الدين : ٤۹۳ / ۱۸ ، الخرائج والجرائح ۱ : ٤٤۳ / ۳٤ ، مدينة المعاجز : ٥۷٤ / ۸٤ .
(۱) في ص ، ش ، ك : زرت .
۱٤ ـ الكافي ۱ : ٤۲٤ / ۳ ، ارشاد المفيد : ۳٤۱ ، كشف الغمة ۲ : ٤۱۰ ، روضة الواعظين : ۲٤۷ .
(۱) في المخطوطات : الدقيق ، وما أثبتناه من الكافي .
(۲) سُوراء : قيل هو موضع قرب بغداد ، وقيل مدينة من توابع الكوفة ، انظر « معجم البلدان ۳ : ۲۷۸ ، واحسن التقاسم : ۱۰٥ » .
۱٥ ـ الكافي ۱ : ٤۲٦ / ۱۲ ، اثبات الوصية : ۲۱٤ ، الخرائج والجرائح ۱ : ٤٤٦ / ۳۱ ، كشف الغمة ۲ : ٤۲۲ ، الصراط المستقيم ۲ : ۲۰۸ / ۲۰ ، مدينة المعاجز : ٥٦۲ / ۱٤ .