وفيه : ثلاثة أحاديث
۲٥۱ / ۱ ـ عن زينب بنت عليّ عليهما السلام ، قالت : صلّى رسول الله (ص) صلاة الفجر ، ثمّ أقبل بوجهه الكريم على عليّ عليه السلام ، فقال : « هل عندكم طعام ؟ » فقال : « لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاماً ، وما تركت في منزلي طعاماً ».
قال : « امض بنا إلى فاطمة » فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع ، وابناها معها ، فقال : « يا فاطمة ، فداك أبوك ، هل عندك طعام ؟ » فاستحيت فقالت : « نعم » فقامت وصلّت ؛ ثمّ سمعت حسّاً فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريداً ولحماً ، فاحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله (ص) ، فجمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجعل عليٌّ يطيل النظر إلى فاطمة ، ويتعجّب ، ويقول : « خرجت من عندها وليس عندها طعام ، فمن أين هذا ؟ »
ثمّ أقبل عليها فقال : « يا بنت رسول الله ، ( أَنَّىٰ (۱) لَكِ هَـٰذَا ؟ ) »
قالت : ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (۲).
فضحك النبي (ص) وقال : « الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريّا ومريم إذ قال لها : ( أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (۳) ».
فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعموني ممّا تأكلون. فقال (ص) : « إخسا إخسا » ففعل ذلك ثلاثاً ، وقال عليّ عليه السلام : « أمرتنا أن لا نرد سائلًا ، مَن هذا الذي أنت تخساه ؟ » فقال : « يا عليّ ، إنّ هذا إبليس ، علم أنّ هذا طعام الجنّة ، فتشبّه بسائل لنطعمه منه ».
فأكل النبيّ (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام حتّى شبعوا ، ثمّ رفعت الصحفة ، فأكلوا من طعام الجنّة في الدنيا.
۲٥۲ / ۲ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه ، قال :
إنّ رسول الله (ص) أقام أيّاماً لم يطعم فيها طعاماً حتّى شقّ عليه ذلك ، فطاف (٤) في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً ، فأتى فاطمة عليها السلام ، فقال : « يا بنيّة ، هل عندك شیءً آكله ، فإنّي جائع ؟ »
قالت : « لا والله ».
فلمّا خرج بعثت جارية لها برغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطَّت عليها وقالت : « والله لأوثرن بها رسول الله (ص) على نفسي ، وعلى غيري ». وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً وحسيناً إلى رسول الله (ص).
فرجع إليها ، فقالت : « قد أتاني الله بشيء فخبّأته لك » فقال : « هلمي يا بنيّة » فكشف الجفنة ، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليها بهتت ، وعرفت أنّه من عند الله تعالى ، فحمدت الله تعالى ، وصلّت على أبيها ، وقدَّمته إليه ، فلمّا رآه حمد الله وقال : ( أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ؟ ) » قالت : ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٥).
فبعث رسول الله (ص) إلى عليّ ، ثمّ أكل رسول الله (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجميع أزواج النبيّ (ص) حتّى شبعوا.
قالت فاطمة عليها السلام : « وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً».
۲٥۳ / ۳ ـ عن عاصم بن الأحول ، عن زر بن حبيش ، عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه ، قال : خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله (ص) فلقيني (٦) عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال لي : « يا سلمان ، جفوتنا بعد وفاة رسول الله (ص) ؟ ».
فقلت : حبيبي يا أمير المؤمنين ، مثلك لا يخفى عليه ، غير أنّ حزني على رسول الله (ص) هو الذي منعني من زيارتكم . فقال لي : « يا سلمان ، ائت منزل فاطمة فإنّها إليك مشتاقة ، وتريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة.
قال سلمان : قلت : يا أمير المؤمنين أتحفت (۷) بتحفة من الجنّة بعد وفاة رسول الله (ص) ؟! » قال : « نعم يا سلمان ».
قال : فهرولت هرولة إلى منزل فاطمة عليها السلام ، وقرعت الباب ، فخرجت إليَّ فضّة فأذنت لي ، فدخلت وإذا فاطمة جالسة ، وعليها عباءة قد اعتجرت (۸) بها واستترت ، فلمّا رأتني قالت : « يا سلمان ، اجلس واعقل واعلم أنّي كنت جالسة بالأمس مفكّرة في وفاة رسول الله (ص) ، والحزن يتردد في صدري ، وقد كنت رددت باب حجرتي بيدي ، فانفتح من غير أن يفتحه أحد ، وإذا أنا بأربع (۹) جواري ، فدخلن عليَّ ، لم ير الراؤن بحسنهن ونظارة وجوههن ، فلمّا دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن ، فقلت : أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكّة ؟ فقلن : لا من أهل المدينة ، ولا من أهل مكّة ، ولا من أهل الأرض ، نحن من الحور العين ، أرسلنا إليك ربّ العالمين يا ابنة رسول الله لنعزّيك بوفاة رسول الله (ص) ».
قالت فاطمة عليها السلام : « فقلت لإِحداهن : ما اسمك ؟ قالت : ذرّة. قلت : حبيبتي لِمَ سمّيت ذرّة ؟ قالت : سمّيت ذرة لأبي ذر الغفاريّ ، صاحب أبيك رسول الله (ص).
فقلت للأخرى : وأنت ما اسمك ؟ قالت : أنا سلمى. فقلت : لِمَ سمّيت سلمى ؟ قالت : لأنّي لسلمان الفارسيّ ، صاحب رسول الله (ص).
وقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : مقدودة. فقلت : حبيبتي ، ولِمَ سمّيت مقدودة ؟ قالت : لأنّي للمقداد بن الأسود الكنديّ ، صاحب رسول الله (ص).
فقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : عمّارة . قلت : ولِمَ سمّيت عمّارة ؟ قالت : لأنّي لعمّار بن ياسر ، صاحب رسول الله (ص).
فأهدين إليَّ هدية ، أخبأت لك منها » ثمّ أخرجت لي طبقاً أبيض ، فيه رطب أكبر من الخشكنانج (۱۰) ، أبيض من الثلج ، وأذكى من المسك ، وأعطتني منها عشر (۱۱) رطبات ، عجزت عن حملها ، فقالت : « كلهن عند إفطارك ، وعد إليَّ بعجمهن ».
قال سلمان : فخرجت من عندها أريد منزلي ، فما مررت بأحد ولا بجمع من أصحاب رسول الله (ص) إلّا قالوا : يا سلمان ، رائحة المسك الأذفر معك.
قال سلمان : كتمت أنّ معي شيئاً حتّى أتيت منزلي ، فلمّا كان وقت الإِفطار أفطرت عليهنّ ، فلم أجد لهن عجماً ، فغدوت (۱۲) إلى فاطمة ، وقرعت الباب عليها ، فأذنت لي بالدخول ، فدخلت وقلت : يا بنت رسول الله ؛ أمرتني أن آتيك بعجمته ، وأنا لم أجد لها عجماً ! فتبسّمت ، ولم تكن ضحكت عليها السلام. ثمّ قالت : « يا سلمان ، هي من نخيل غرسها الله تعالى لي في دار السلام بدعاء علّمنيه أبي رسول الله (ص) كنت أقوله غدوة (۱۳) وعشيّة » قلت : علّميني الكلام سيّدتي.
قالت : « إنْ سرّك أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض غير غضبان ، ولا تضرّك وسوسة الشيطان ما دمت حيّاً ، فواظب عليه ».
وفي رواية أخرى : « إنْ سرّك أن لا تمسّك الحمّى ما عشت في دار الدنيا ، فواظب عليه ، » فقال سلمان : فقلت : علّميني. قالت عليها السّلام :
« بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله النور ، بسم الله نور النور ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبّر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رقّ منشور ، والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور بقدر مقدور على نبيّ محبور ، الحمد لله (۱٤) الذي هو بالعز مذكور ، وبالخير مشهور ، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور » (۱٥).
قال سلمان : فتعلمته ، وقد لقّنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكَّة ممّن بهم علل الحمّى ، وكلّهم برئوا بإذن الله تعالى.
وفي رواية أخرى : في شكوى ووسوسة الشيطان ، وقد نزل عليها السلام الرزق من السّماء ، وكثيراً ما تدور الرحى في بيتها وهي نائمة أو مشتغلة بأمر آخر ، والرّواية فيها متظافرة.
الهوامش
۱ ـ مناقب ابن شهراشوب ۳ : ۳۳۹ ، باختصار ، عنه معالم الزلفى : ٤۰٦ ، عنه مدينة المعاجز : ٥٤ / ۱۰۹ .
۱. في ع : من أين.
۲ ، ۳. سورة آل عمران / الآية : ۳۷.
۲ ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٥۲۸ ، مناقب ابن شهراشوب ۲ : ۳۳۹ ، قطعة منه ، مقتل الخوارزمي : ٥۸ ، فرائد السمطين ۲ : ٥۱ ، نحوه.
٤. في ر : فصار يدور.
٥. سورة آل عمران / الآية : ۳۷.
۳ ـ الخرائج والجرائح ۲ : ٥۳۳ ، مهج الدعوات : ٦ ، معالم الزلفى : ٤۰٦.
٦. في ش ، ص ، ع : فرأيت.
۷. في ر : أتتحفي.
۸. اعتجرت : لفت رأسها. « النهاية ۳ : ۱۸٥ ».
۹. في ك ، م : بثلاث.
۱۰. الخشكنانج : خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى ، فارسية. « المعجم الوسيط ۱ : ۲۳٦ ».
۱۱. في ك ، م : خمس .
۱۲. في ص : فعدت.
۱۳. في م : بكرة.
۱٤. في ش ، ص ، ع ، م : بسم الله.
۱٥. إلى هنا وقد انتهت مقابلتي مع نسخه (ع) والباقي ساقط.