يتمتع المجاهدون في سبيل الله بمنزلة عظيمة عند الله جل وعلا تميزهم عن سائر المؤمنين، حيث بيّنت الآيات الكريمة والروايات المتناقلة عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ذلك المقام الرفيع والأجر العظيم والمكانة المميّزة للمجاهدين ,وللجهاد معانٍ كثيرة ذكرها الله جل وعلا في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى(الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة -20) وقوله تعالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحجرات – 15), وقوله تعالى(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل – 110)، وقد ذكر الله جل وعلا في الآيات المباركة معان عدة للجهاد, فالأول هو القتال في سبيل الله، كما في قوله تعالى (وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً) والثاني هو الجهاد بالمال في قوله تعالى (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والثالث وهو جهاد النفس في قوله تعالى(ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا), وللجهاد في سبيل الله معان وأقسام أخرى لا يسعنا ذكرها جميعاً .
إنّ الجهاد والتضحية بالنفس في سبيل الله -القتال في سبيل الله- هو من أعظم الجهاد عند الله, فالجهاد يُظهِر الدين الحق و يُدافع عنه وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وهذا هو البيع العظيم الذي قال عنه الله جل وعلا في كتابه الكريم(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة-111), وكذلك قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى يرجع)(ميزان الحكمة-ج4، ص97)، وأيضاً قولهJ(يرفع الله المجاهد في سبيله على غيره مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض)(مستدرك الوسائل، ج11، ص19).
ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كتابه المشهور نهج البلاغة(إنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ)(نهج البلاغة، خ27), وقد فضّل الله جل وعلا الجهاد على كل الأعمال العبادية وفّضل المجاهدين على القاعدين تفضيلاً عظيماً في الدرجات والمغفرة والرحمة حيث قال عنهم الله جل وعلا(فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا *دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)(النساء-96،95)، وفي حديث لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال فيه(للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم)(بحار الأنوار،ج8-ص186) .
كما إن للجهاد آداباً وحدوداً أوجب الله جل وعلا مراعاتها والالتزام بتعاليمها, لأن الجهاد ركن من أركان الدين وقادة الدين أولى الناس به وأول الناس عملاً به وبدعوة المسلمين إليه إذا استلزم الأمر ذلك وقد يكون الجهاد تارة ضد الأجانب المعتدين والظلمة العابثين بأمن الناس وأهل البدع المروجين للباطل أو يكون ضد المنافقين والأعداء الداخليين المعطلين لحدود الله أو الذين يتمردون على الحكومة الشرعية وغاصبي الحكم الإلهي المشروع من أصحابه الحقيقيين, والذي يتجسد لنا في هذا المعنى هو قضية سيد الشهادة والشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) الذي جاهد في الله حق جهاده وطبق كل معاني الشهادة بما لها من معنى وحاز على أفضل درجاتها مع أخيه قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليه السلام) وبقية أخوته وأولاده وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه (رضي الله عنهم) هؤلاء هم الذين قال عنهم الله جل وعلا(تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص-الآية83), فقد كان سيد الشهداء (عليه السلام) يعلم بما سيجري عليه في أرض كربلاء وقد تحدث بذلك على مسامع الناس مرات عديدة وقد قال (عليه السلام) في حديث طويل له(كَأنّي بأوْصالي تَقَطَّعها عسَلانُ الفلوات بينَ النواويسِ وكربلاءِ)(شجرة طوبى،ج2-ص8)، معنى ذلك أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعلم بأنّه سوف يستشهد ويعلم أيضاً بمكان شهادته وكل ما يجري عليه من ظلم ومع ذلك مارس فريضة الجهاد وخاض المعركة مع جيش يزيد لعنه الله رغم كثرة الأعداء وقلة الناصرين له فهو القائل(وإِنْ تكنِ الأبدانُ للموتِ أنشئَتْ … فقتلُ امرئٍ بالسيفِ في اللّهِ أفضلُ)(بحار الأنوار،ج45-ص49), وذلك لا يعني إن الإمام الحسين (عليه السلام) لا يعرف أصول الحرب والسياسة فهو الذي تربى في حجر قائد الغر المحجلين وقاتل الكفرة والمنافقين أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعرف كل خطط المعارك وأبعادها العسكرية والسياسية , لكن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) كانت قضية إلهية تهدف إلى تصحيح مسار الإسلام الذي أنحرف بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومسألة النصر العسكري في المعركة كانت غير مهمة بقدر أيصال رسالة الحرية والأحرار إلى المسلمين والعالم .
وفي الختام فإننا نشد على أيدي مجاهدينا الأبطال في ساحات الوغى وهم يسطّرون أسمى معاني التضحية والفداء في سبيل الله والدين والعقيدة والوطن ونبارك لهم هذا الفوز العظيم برضوان الله جل وعلا ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) وبالانتصارات المتحققة على أيديهم ونساندهم بدعائنا وقلوبنا وأقلامنا وبكل ما نملك من إمكانيات مادية ومعنوية تساعدهم في تحقيق النصر المؤزر بإذن الله جل وعلا (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(الأنفال-10).
مهدي أبو الفضل