مقالات

فرحة الزهراء عليها السلام (بين الحقيقة والوهم)

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات

تصوَّر أن يُقال لك إنَّ خلافاً علمياً وقع بين شيخ الأزهر ورجُل لا يعرفه أحدٌ، فقام شيخ الأزهر مع الرجل المجهول بزيارة مرجع شيعي شهير ليحكم بينهما ويبين لهما الصواب في الأمر.. فحين لقياه، أخذ المرجع الشيعي يحدثهما بأسرار يتنافى البوح بها مع التقية بشكل صارخ..! وذكر لهما ضمن كلامه قضيتين إحداهما تخالف ما عليه جمهور علماء الشيعة، والثانية تخالف أصول مذهب الشيعة..!

هذه الغرابة في القصة جعلتك تحتمل أن تكون القصة مختلقة، فتساءلت عن سندها، فقيل لك: سندها مجهول لا نعلم بأسماء الرواة ولا حالهم..!

فازددت استغراباً من القصة..

فقال لك ناقلها: سنأخذ بما جاء فيها، ونرفض ما اختاره علماء الشيعة؛ لأن ما اختاروه موافق لنظرية شيخ الأزهر، فيُحتمل أن يكون صدر منهم تقيَّةً..!

فحينئذ تعلم أن المتكلم يعيش وهماً لا يمكن تصديقه؛ فكيف نقبل أن مرجع الشيعة تحدث بخلاف التقية مع شيخ الأزهر، ونحمل ما عليه جمهور علماء الشيعة على التقية؟!

ولم لا نقول إن هذه أمارات تدل على أن الرواية مختلقة؛ فلأي شيء يرجع مرجع الطائفة السنية إلى مرجع الطائفة الشيعية في مسألة علمية؟! وما هي أهمية الخلاف مع رجل مجهول الهوية ليتم الاحتكام إلى ثالث؟! ولماذا يخالف مرجع الشيعة التقية؟! ولماذا يصرِّح بما هو مخالف لمشهور علماء الطائفة الشيعية؟! ولماذا يذكر ما هو مخالف لأصول مذهب الشيعة؟!

هذه الأسئلة تمثل قرائن تفيد استبعاد وجود رواية من هذا القبيل، ويغلب على الظن أنها قصة اختلقتها يدٌ آثمة ودستها ضمن النصوص التراثية لتحقيق أغراض معينة، كضرب أصول الشيعة، أو الإساءة إليهم بهتك التقية، أو غير ذلك.

وبعد هذا كله، هل يُعقل أن تنفع رواية كهذه لإثبات حكم شرعي، أو القول بإمكان العمل بها برجاء المطلوبية؟

هذا المثال متحقق بحذافيره في رواية كتاب “المحتضر” للشيخ حسن بن سليمان وكتاب “زوائد الفوائد” للسيد ابن طاوس، والتي ورد فيها استحباب التعيُّد بالتاسع من ربيع الأول.

وشرحاً لانطباق المثال نقول:

1 ـ العالم السني الشهير في السند هو محمد بن العلاء الهمداني الواسطي المعروف بأبي كريب. وهو إمام حافظ ثقة شهير في مدرسة الخلفاء، ومن رجال الأمهات الست. وليست له أي ترجمة في كتب الإماميَّة.

2 ـ وحسب الرواية الضعيفة: قد وقع الخلاف بينه وبين يحيى بن محمد بن حويج (جريح) الذي لا يعلم من هو، فليست له ترجمة في كتب الخاصة ولا العامة.

3 ـ المرجع الشيعي الذي تزعم الرواية أن العالم السني والمجهول احتكما إليه هو أحمد بن إسحاق الأشعري القمي، والذي كان من أصحاب الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام، وتشرف برؤية صاحب الطلعة الرشيدة عجل الله فرجه الشريف.

4 ـ وسند القصة محذوف من كتاب ابن طاوس، وتم اختصاره في كتاب المحتضر بعبارة (بإسناد متَّصل) ..! مما يعني جهالة نقلة الرواية وعدم تمكُّننا من تقييم السند.

5 ـ المسألة التي خالف فيها أحمد بن إسحاق (حسب القصة المزعومة) جمهور علماء الإمامية: تاريخ مقتل عمر بن الخطاب.

6 ـ المضمون الذي ورد في القصة المزعومة وهو يخالف أصول المذهب والدين: قضية رفع القلم.

هذا كله يلقي بظلال الريبة على هذه الرواية، ويغلب على الظن أنها مختلقة، ولذلك لا ينبغي التعويل عليها علماً ولا عملاً، ولا حتى برجاء المطلوبية؛ لأنَّ رجاء المطلوبية مبني على البلوغ المنصرِف عمَّا يكون مظنة الاختلاق. ولا يلزم منه محذور التكذيب؛ لأننا لا نجزم بالكذب ولا نحكم به، بل نظنه ونرجِّحه وصولاً إلى التوقُّف وعدم ترتيب الأثر علماً أو عملاً.

والحمدُ لله أوَّلاً وآخراً.

https://chat.whatsapp.com/FBadxXLwsrl8soEwFPWSKb

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى