إعرف عدوك

الإعلام ساحة حرب: الإعلام معناه مواجهة العدو

کلمة سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) لدى استقباله أعضاء مجلس تنسيق الإعلام الإسلامي على أعتاب ذكرى ملحمة التاسع من شهر “دي” 1388 هـ ش [30/12/2009 م] 27-12-2017

• الإعلام ساحة حرب: الإعلام معناه مواجهة العدو

بين الإعلام الإسلامي والإعلام الغربي
العمل المهم للمجلس التنسيقي، هو الإعلام، أي التبليغ. للإعلام جذوره القرآنية؛ ليس بالعمل الذي اخترعناه نحن أو تعلمناه من أحد في العالم. يقول الله تعالى في سورة الأحزاب المباركة: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا» (2). ويقول في سورة المائدة المباركة: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» (3). يأمر رب العالمين رسوله بالتبليغ، وقد ذُكرتْ قضية الإعلام والتبليغ مرارًا وتكرارًا في آيات القرآن الكريمة عن لسان الرسل والأنبياء: «أبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ» (4). 

الإعلام الغربي: التحكم بالرأي العام 
ما معنى التبليغ؟ ما هو الإعلام؟ معناه الإيصال. إيصال ماذا؟ إنه إيصال رسالة، إيصال كلام صحيح. هذا هو معنى الإعلام الإسلامي. غاية الأمر أنّ شرط هذا الإعلام أن يكون صادقًا ونابعًا من القلب، أن يكون أمينًا ومسؤولًا.هذا هو معنى الإعلام والتبليغ. 

الواقع أن هذا هو العمل العظيم الذي تقومون به. هناك تبليغ أيضًا في أنظمة الحكم المادية –الغربية بشكل أساسي- أو ما يسمى بـ”البروباغاندا” (5)، وهذا الإعلام يختلف بشكل أساسي وبنيوي عن ذلك. الهدف من “البروباغاندا” السيطرة على الرأي العام الشعبي من أجل الوصول إلى السلطة، إلى المصالح، إلى المال. وللإنصاف فإنّ الغربيّين ضليعون في هذه القضية ويتقنونها جيدًا. إنهم يجيدون الإعلام بمعناه الغربي، أي البروباغاندا الغربية، فيكتسبون به المال ويصلون إلى السلطة. كيف وبأي عمل؟ من خلال التحكم بالرأي العام للناس.

الإعلام الإسلامي: وضع الناس أمام مئؤولياتهم
لكن الإعلام الإسلامي ليس هذا شأنه ودوره. الإعلام الإسلامي عبارة عن التفاهم مع الناس، وليست القضية قضية تحكّم وسيطرة، بل هي قضية تفاهم، ولفت الأذهان نحو هدفٍ سامٍ عال، وتقريب الأذهان بعضها من بعض. ما هي نتيجة هذا التفاهم؟ آثار هذا التفاهم أن يساهم الناس أنفسهم وبشكل مسؤول في الأعمال المهمة وأعمال الخير. هكذا هو الأمر.

ليست القضية في الإعلام الإسلامي قضية وصول إلى السلطة، ولا قضية حصول على مال، بل هي قضية الأخذ بيد الناس إلى مقام المسؤولية، فيشعر الناس أنفسهم بالمسؤولية ويتصدون للأعمال. وبالطبع فإن النتيجة التي تترتب على حركة الناس العظيمة هذه سوف تعود منافعها على الناس أنفسهم بشكل طبيعي. 

الكذب والخداع رافعة الإعلام الغربي 
هذا هو معنى التبليغ؛ هذا هو الإعلام. هو إذًا مختلفٌ تمامًا عن ذلك العمل الذي يقوم به الغربيون. في تلك “البروباغاندا” الغربية لا إشكال في خداع الرأي العام، ولا إشكال في التمثيل، ولا إشكال في التصرفات الاستعراضية، ولا إشكال في الكذب. كل ما يوصل الإنسان إلى تلك النتيجة المادية جائزٌ ومباحٌ في “البروباغاندا” الغربية، ولكن في الإعلام الإسلامي. في التبليغ الإسلامي لا بُدَّ من الصدق والأمانة والشعور بالمسؤولية وما إلى ذلك. حسنًا، هذا حول أصل قضية الإعلام.

إستراتيجة الإعلام الإسلامي: بث ألأملٌ والثقة بالنفس
عندما يصبح الرأي العام ناشطًا في قضية ما، وله رؤيته فيها، فمن الطبيعي والحتمي أنَّ ذلك سيحرّك الأجسام وسيشغل الأذهان، وينزل الإبداعات إلى ساحة العمل. يتم في الإعلام الإسلامي وبشكل طبيعي، تبيين الفرص والتهديدات للناس. يتضح عندهم من هم الأعداء ومن هم الأصدقا، ويُعَرَّفون لهم، ويمنح الناس الثقة بالنفس. هذه عناصر موجودة في الإعلام. 

انظروا إلى تبليغ وإعلام الأنبياء في تلك الظروف الصعبة التي أحاطت بهم. عندما كانوا يحفرون الخندق في معركة الخندق في أعسر الظروف – كان المسلمون يحفرون خندقًا في أحد الحدود المهمة في المدينة المنوّرة- كانوا جياعًا وكان الجوّ حارًا جدًا. وكان الرسول نفسه يحفر ويعمل معهم. وصل المسلمون في حفرهم إلى صخرة صلبة لم يفلحوا في تحريكها من مكانها مهما حاولوا. فقالوا للرسول إنَّ هناك صخرةً صلبةً جدًا لم نستطع تحريكها. فجاء الرسول وأمسك بالمعول وضربها ضربة قوية، فانقدح منها شرر، فقال الرسول إنني رأيت في هذا الشرر قصر كسرى وأنتم تستولون عليه. 

لاحظوا في أية ظروف كان الرسول الأكرم. كان في أصعب الظروف، لكنه يقول إنني أرى قصر كسرى وقد سيطرتم عليه، وأرى إمبراطور الروم ـ في ضربة أخرى ـ وأنتم تهزمونه. إنه الأمل والثقة بالنفس. بالطبع فإن نظرة الرسول تختلف عن نظرات أمثالنا، وبثه للأمل وإخباره يختلف عن إخبار أمثالنا كالاختلاف بين الأرض والسماء. فقد كان يرى ويشاهد بشكل واقعي، أما نحن فنُحلّل الأمور. يجب أن يكون هناك أمل وثقة بالنفس في الإعلام. إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لشعبٍ ما أنْ يفقد ثقته بنفسه ويخسر أمله بالمستقبل. 

الإعلام ساحة حرب: الإعلام معناه مواجهة العدو
أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات: اعلموا أنَّ أهم ما تهدف إليه مخططات الأعداء اليوم وأعمالهم الخطيرة التي يقومون بها هو أن يسلبوا الشعب الإيراني ما يملكه من ثقة بنفسه. وسوف أتعرض لهذه القضية وأتكلم عنها. 
الحرب الناعمة التي يشنها العدو اليوم تهدف بشكل أساسي إلى أن يفقد الشعب الإيراني أمله. يتبين من هذه الآية التي قرأناها «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ» أنَّ لهذا التبليغ أعداءه. عندما يقول سبحانه يبلغون رسالات الله ويخشون الله ولا يخشون سواه، فواضح أنَّ” غير الله “قد اصطف مقابل هؤلاء الذين يبلغون رسالات الله، وهناك معركة. أو في هذه الآية الشريفة «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (6)، يقول سبحانه إن الله يحفظك ويعصمك فلا تقلق ولا تهتم للعدو. وواضحٌ من هذا أنَّ هناك صفوفًا للأعداء وجبهتهم مقابل تبليغ الرسول وإعلامه. 

أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات: ما معنى هذا؟ معناه أنكم عندما تبلغون عندما تقومون بالعمل الإعلامي بشكل أساسي، وتقومون بالتبليغ الإسلامي فسوف تصطف مقابل إعلامكم هذا جبهة معادية. هذا ما يجب أن تعرفوه.

الإعلام ساحة حرب. البعض تزعجه كلمة الحرب. فما أن يُقال حربٌ اقتصادية أو حربٌ ناعمة أو حربٌ إعلامية، حتى يستاء هؤلاء ويقولون: «يا سيد، لماذا تكثرون الحديث عن الحرب؟ تحدثوا عن السلام»! حسنًا، الحرب موجودة. إنها غفلتنا: حين يكون العدو مترصدًا لنا ويهاجمنا؛ إذا كانت جبهة العدو متوجهة نحونا وترمي سهامها نحوناـ ونكون نحن غافلين. يقول أمير المؤمنين: «مَن نامَ‌ لَم‌ يُنَم عَنه» (7). إذا نمت في موقعك ومتراسك، فلا يعني هذا أن الطرف المقابل وعدوك نائم أيضًا، بل هو يراقبك ويرصدك، وينتظر أن يأخذك النوم. يجب أن لا يخاف الإنسان من اسم الحرب. 

حسنًا، العدو الآن في حال حرب؛ الحرب ليست حربًا عسكرية.هم طبعًا لا يشنون حربًا عسكرية؛ حماقة منهم إن أرادوها حربًا عسكرية. ولكن ثمة حربٌ؛ الحرب الناعمة. هناك حروب أخطر من الحرب العسكرية، والعدو في حال حرب ضدنا. حسنًا، انتبهوا إذًا إلى أن الإعلام يعني مواجهة العدو. الإعلام الصحيح معناه مواجهة العدو؛ مواجهةٌ حقيقيةٌ وجهًا لوجه، مواجهة الظلم والظلمات. هذا هو معنى الإعلام، هذه هي حقيقة التبليغ.

من مسؤوليات الإعلام: الردّ على الشبهات 
من الأعمال التي ينبغي القيام بها في باب الإعلام والتبليغ، الردّ على الشبهات التي تُقذف بين الناس. طبعًا على أجهزتنا الإعلامية كلها أن تدقق وتعمل، وزارة الإرشاد، ومنظمة الإعلام، ومكتب الإعلام، والأجهزة المسؤولة عن شؤون الاتصالات والإعلام، هيئة الإذاعة والتلفزيون وغيرهم. الكل يجب أن يدققوا. فالعدو يخلق الشبهات باستمرار، شبهات متراكمة متواصلة، موجة تلو الأخرى. يجب فكُّ هذه العقد، ورفع هذه الشبهات، ويجب إراحة الأذهان وتنويرها. يجب أن لا يشعر شبابنا بالدوار والتردد والشك. شبهة من هذا الجانب وأخرى من ذاك الجانب، الشبهات والإشكالات تُصنع باستمرار. يجب مساعدة الشباب؛.يجب نصرة الأذهان.

أعداؤنا يخلقون الشبهات ويضخمون الأمور
حسنًا، العدو يخلق الشبهات ويُضخِّم الأمور. أعداؤنا يتحدثون في أجهزة التواصل والإعلام التي يمتلكونها بطريقة وكأن لديهم ألف ضعف عدد المتلقين والمستمعين الذين عندهم على أرض الواقع. يُصوِّرون الألف شخص وكأنهم مليون شخص. هكذا يوهمون ويظهرون. يجب عدم الانخداع بخداعهم. ينبغي عدم الانخداع بتضخيمات العدو هذه. ولو كانت هذه التحليلات التي يطرحونها عن الجمهورية الإسلامية؛ حيث يقولون: إن المكان الفلاني من الجمهورية الإسلامية مدّمر، والمكان الفلاني منها منهار، والمكان الفلاني ميت، والمكان الفلاني قضي عليه، وهي في ويل وثبور. لو كانت هذه التحليلات واقعية، وكما قلتُ لكانت أكفاننا قد اهترأت مئة مرة لحد الآن. كانوا يقولون منذ اليوم الأول إن الجمهورية الإسلامية سوف تزول بعد ستة أشهر. ثم وجدوا أن هذا لم يحصل عند انتهاء الأشهر الستة، فقالوا سوف تسقط بعد سنتين. وقد انقضت لحد الآن أربعون سنة. ليعلم الجميع، إننا وبتوفيق الله، في هذه المرحلة وفي المراحل الأخرى، سوف نفرض على أعدائنا، سوف نرغم أنف أمريكا المجرمة ومن يساعدها. سنفرض عليهم الإحباط والفشل والشلل بفضل الله.


2 ـ سورة الأحزاب، الآية 39.
3 ـ سورة المائدة، الآية 67.
4 ـ سورة الأعراف، الآية 62.
5 ـ السعي لإشاعة شيء وترويجه.
6 ـ سورة المائدة، شطر من الآية 67.
7 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 62.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى