تتفاوت المجتمعات في مستوى الفاعلية والنشاط الأهلي، فبعض المجتمعات تزخر ساحتها بالحركة والفاعلية الأهلية في مختلف الأبعاد والميادين. ومجتمعات أخرى تقل فيها الحركة أو تعيش حالة من الركود والسبات.
إن مستوى الحركة في النشاط الأهلي يعكس مدى قوة المجتمع وحيويته، فكلما تكثفت مؤسسات العمل الأهلي، وتنوعت اهتماماتها زاد رصيد قوة المجتمع وتضاعفت مكاسبه.
ومن أهم تجليات تلك المكاسب ما يلي:
١. تعزيز ثقة المجتمع بنفسه، واطمئنان أبنائه إلى رعاية مجتمعهم ودعمه لهم.
٢. كسب احترام وتقدير الجهات والمجتمعات الأخرى.
٣. إتاحة الفرصة لاكتشاف المواهب والقدرات في أبناء المجتمع وتنمية طاقاتهم وكفاءاتهم.
فالنشاط الرياضي يستقطب الراغبين فيه ويطور قدراتهم، وكذلك النشاط الأدبي أو الفني وغيره.
٤. استيعاب أبناء المجتمع ضمن الأطر الصالحة، وخاصة من شريحة الشباب الذين يمتلكون فائضا من القوة والوقت، ويبحثون عن مجالات للتصريف، وقد يصبحون فريسة للتوجهات المنحرفة، أو يعيشون حالة اللامبالاة.
وكلما اتسعت ساحة النشاطات الايجابية للشباب في المجتمع تقلصت مساحات الضياع والانحراف. ولعل ذلك من معاني قوله تعالى: ﴿ … اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ … ﴾ 1.
٥. مساعدة المجتمع في مواجهة التحديات، ومعالجة المشاكل، فواقع الحياة يفرز الكثير من المشاكل، التي لا يخلو منها مجتمع، وليس صحيحا الاعتماد على الحكومة في كل شيء، وتحميلها كل المسؤوليات والمهام.
النهوض بالعمل الأهلي
تقدم العمل الأهلي أو انخفاضه في أي مجتمع ليس أمراً عفويا حسب الصدفة والاتفاق، وإنما لوجود عوامل وأسباب تؤدي إلى تلك الحالة.
ولعل من أهم العوامل ما يلي:
١. الثقافة السائدة
حين تنتشر في المجتمع ثقافة تدعو إلى الحركة والفاعلية، وتحمّل الإنسان المسؤولية تجاه واقع مجتمعه المعاش، وتؤكد على قيمة العمل، والآثار الايجابية للسعي نحو الخير، وتشيد بفضل العاملين، وتقدّر انجازاتهم وعطاءهم.. حين تنتشر مثل هذه الثقافة الصحيحة فإنها تحفّز الناس وتدفعهم نحو المبادرة للعمل، والتصدي لقضايا المجتمع.
أما حين تسود أجواء المجتمع ثقافة سلبية تبريرية، تضعف ثقة الإنسان بنفسه، وتشككه بقدرته على الانجاز، وتضخِّم العوائق والموانع أمامه، وتقلّل من جدوائية العمل والتحرك، وتبحث عن نقاط الضعف والثغرات عند العاملين المصلحين لتشوه سمعتهم.. هذه الثقافة السقيمة تحول دون نمو توجهات العمل الأهلي والفاعلية الاجتماعية.
٢. القوانين الحاكمة
في بعض المجتمعات تفتح القوانين الرسمية المجال واسعا أمام حركة النشاط الأهلي، وتسهل إجراءات قيام المؤسسات الشعبية، والعمل التطوعي الاجتماعي، بل تحرص على تقديم الامتيازات والحوافز لتشجيع العاملين على هذا الصعيد.
بينما تتشدد القوانين والأنظمة في مجتمعات أخرى، لاحتكار أي عمل أو نشاط في الإطار الحكومي الرسمي، ولتعقيد إجراءات السماح والترخيص للأنشطة الأهلية، مما يضيق الخناق على المبادرات التطوعية والنشاط الاجتماعي.
٣. القيادات الاجتماعية
في كل مجتمع قيادات تحظى بثقة أبنائه وتؤثر في توجهاتهم، كعلماء الدين والوجهاء النافذين والزعامات المؤثرة، وحين تكون هذه القيادات في مستوى ناضج من الوعي ورحابة الصدر، فإنها ستتبنى الدعوة إلى الفاعلية والنشاط، وترعى مبادرات العمل الأهلي على مختلف الأصعدة.
أما إذا كانت قيادات المجتمع تعاني من ضيق الأفق، وأنانية التفكير، فإنها ستتحسس من أية مبادرة أو نشاط، خوفا من التأثير على مواقع نفوذها، وقلقا من بروز قوى جديدة تنافسها على الزعامة والظهور.
٤. روح المبادرة
مهما كانت الظروف مناسبة لأي تحرك أو نشاط، فإن إشارة البدء وعملية الانطلاق تحتاج إلى من يأخذ زمام المبادرة، ويعلق الجرس، شخصا كان أو أكثر، ثم تحصل الاستجابة والتفاعل من الواعين والمخلصين من أبناء المجتمع، وتتوفر القدرات والإمكانيات، وهذه هي قصة البداية لأي مشروع اجتماعي ونشاط أهلي.
إن وجود العناصر الطموحة، التي تمتلك روح المبادرة، وتتصدى لمشاريع خدمة المجتمع، هو العامل الأساس في فاعلية المجتمع ونشاطه الأهلي.
وحتى لو كانت هناك عقبات وعوائق فإن المبادرين حينما يتحلون بالاستقامة والثبات، يتجاوزون تلك العوائق والموانع.
انجازات تستحق التقدير
بحمد الله تعالى فقد انطلقت في مجتمعنا مبادرات رائدة، أنتجت نشاطاً وحراكاً اجتماعياً يتطور يوماً بعد آخر، وعلى مختلف الأصعدة، فهناك جمعيات خيرية، ولجان كفالة أيتام، وأخرى للمساعدة على الزواج، ومؤسسات تعليم القرآن ومنتديات أدبية، وتجمعات علمية.
هذه الأنشطة الأهلية أتاحت الفرصة لتفجير الكفاءات وتنميتها، وكشفت عن كثير من المواهب والقدرات في أوساط أبنائنا، كما أسهمت في معالجة الكثير من المشاكل.
وعلى سبيل المثال: نذكر ما نشرته الصحف المحلية (جريدة الحياة ٩/٨/٥٠٠٢م) عن جهود إحدى الجمعيات الخيرية في توفير فرص عمل لعدد كبير من العاطلين، فقد نظمت لجنة التأهيل والتوظيف في جمعية تاروت الخيرية مساء الأحد ٢/٧/٦٢٤١هـ لقاءً بين مندوبي خمس شركات عمل وبين ٠٥٣ شاباً يبحثون عن وظائف وفرص عمل، وانفض الاجتماع عن توقيع عقود توظيف لكل أولئك الشباب، وقال أحدهم: « لم أكن أتوقع أن ارجع إلى منزلي وفي يدي عقد وظيفة، إنها فعلا فرصة ذهبية وفرتها لنا لجنة التأهيل».
وفي الاجتماع حرص مندوبو الشركات على الاحتكاك مباشرة مع الراغبين في العمل، فقام كل مندوب بتقديم الوظائف التي تطرحها شركته، وشرح كيفية الالتحاق والتدريب على مهام الوظيفة المطروحة، الذي يستمر بين ثلاثة وستة شهور، كما تفاوتت أعداد الوظائف التي طرحتها الشركات، وتفاوتت الرواتب بين 1500 و4500 ريال.
وقال مندوب إحدى الشركات: «إن العقد سيكون ساري المفعول منذ توقيعه هذه الليلة، وسيحصل الموظف الجديد على أسبوع إجازة محسوبة الراتب». ما أثار موجة تصفيق وارتياح بين الشباب.
إن البطالة وعدم توفر فرص عمل مشكلة قائمة يعاني منها بعض أبناء المجتمع، وهناك تذمر وكلام عند الكثيرين عن هذه المشكلة، لكن ما يفيد المجتمع هو التصدي لمعالجتها والحد منها، وهذا ما تقوم به لجان التأهيل والتوظيف التابعة للجمعيات الخيرية، حيث تستقبل طلبات الشباب، وتوجههم إلى آفاق التحرك، وتعقد لهم دورات لتكميل طاقاتهم وكفاءاتهم، حتى يتأهلوا لسوق العمل، وتتخاطب مع الشركات والمؤسسات لتكون جسراً بينهم وبين هؤلاء الشباب. وهذا هو مظهر من مظاهر العمل الأهلي ودوره في معالجة مشاكل المجتمع2.
- 1. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 114، الصفحة: 234.
- 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله.