العيد هو كل يوم يجمع الناس عامة ، و أصله من العود لأنه يعود كل عام و يتكرر ، و قيل معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح و السرور.
لكن الاسلام ينظر الى الاعياد بنظرة متميزة، فيرى أن العيد فرصة للاجتماع الايماني الكبير بهدف ذكر الله و إحياء السنن و ذكر الله و التوجه اليه بالدعاء و الابتهال اليه فعَنِ الامام علي بن موسى الرِّضَا (عليه السلام) : “أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ …” 1.
فيوم العيد إنما هو يوم شكر على ما منَّ الله علينا من النعم، و يوم فرح و سرور للمؤمنين لإجتماعهم على طاعة الله و مرضاتهم و ذكره و عبادته.
عيد الغدير يوم إكمال الدين و إتمام النعمة
لقد أكمل الله عَزَّ و جَلَّ دينه و أتم نعمته على المؤمنين بتنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة و وصياً و إمام من بعد النبي صلى الله عليه و آله في يوم غدير خم فهو عيد عظيم بل من أعظم الأعياد لأنه يوم إكمال الدين و تمام النعمة و أي نعمة أعظم من نعمة إكمال الدين و إتمام النعمة الالهية، و هذه النعمة تستحق الشكر و الثناء و تمجيد الله عَزَّ و جَلَّ من قِبَل المؤمنين على ما منَّ عليهم في هذا اليوم المبارك.
روى أبو المؤيد ، الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي ، المتوفى سنة : 568 هجرية ، روى بإسناده ، عن أبي سعيد الخدري قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما دعا الناس إلى علي ( عليه السلام ) في غدير خم و أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقُمَّ ، و ذلك يوم الخميس ، فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا … ﴾ 2 . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ” الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضى الرب برسالتي و الولاية لعلي من بعدي ” 3.
و روى أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر ، المتوفى سنة : 571 ، بإسناده عن أبي هريرة قال : من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً ، و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيد علي فقال : ” ألست ولي المؤمنين ” ؟
قالوا : بلى يا رسول الله.
قال : “من كنت مولاه فعلي مولاه”.
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مسلم ، فأنزل الله : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ … ﴾ 2 4.
عيد الغدير أعظم الأعياد و أشرفها
رَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ الْعِيدَيْنِ؟
قَالَ: “نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وَ أَشْرَفُهُمَا “.
قُلْتُ: وَ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟
قَالَ: “هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَماً لِلنَّاسِ”.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ؟
قَالَ: “تَصُومُهُ يَا حَسَنُ، وَ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ تَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الْأَوْصِيَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً”.
قَالَ قُلْتُ: فَمَا لِمَنْ صَامَهُ؟
قَالَ: “صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً … ” 5.
و عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال: “أَعظم الاعياد وأَشرفها يومُ الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة، و هو اليوم الَّذي أَقام فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أَميرَ المؤمنين عليه السلام و نصبهُ للنَّاس علماً”.
قال الراوي قلْت: ما يجبُ علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجبُ عليكم صيامُهُ شُكراً للَّه وحمداً له «مع أَنَّهُ أَهلٌ أَنْ يُشكر كلَّ ساعة»، ومنْ صامهُ كان أَفضل منْ عملِ ستِّينَ سنة” 6.
و عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في بيان عظمة هذا اليوم: “إِنَّ يومَ الغدير في السَّماءِ أَشهرُ منهُ في الأَرضِ… واللَّه لو عرف النَّاسُ فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهمُ الملائكةُ في كلِّ يوم عشر مرَّات” 7.
- 1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 522 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثانية ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
- 2. a. b. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
- 3. مناقب علي بن أبي طالب : 135 ، طبعة : قم / إيران .
- 4. تاريخ ابن عساكر : ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) : 2 / 78 ، طبعة : دار الفكر / بيروت.
- 5. الكافي : 4 / 148 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
- 6. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 10 / 443 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي الحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 بمشهد الإمام الرضا و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.
- 7. تهذيب الأحكام : 6 / 25 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .