عرض الخلافة ، ورفض الإمام (ع)
نصوص تاريخيّة :
تحدّثنا كتب التاريخ : أن المأمون كان قد عرض الخلافة على الإمام أولا .. (۱) لكنّه (ع) رفض قبولها أشد الرفض ، وبقي مدّة يحاول إقناعه بالقبول ؛ فلم يفلح .. وقد ورد أن محاولاته هذه ، استمرّت في مرو وحدها أكثر من شهرين والإمام عليه السلام يأبى عليه ذلك (۲).
بل لقد ورد أنّه (ع) كان قد أجاب المأمون بما يكره ؛ فقد :
قال المأمون للإمام : « .. يا ابن رسول الله ، قد عرفت فضلك ، وعلمك ، وزهدك ، وورعك ، وعبادتك ؛ وأراك أحقّ بالخلافة منّي .. ».
فقال الإمام (ع) : « .. بالزهد بالدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله ..
قال المأمون : فانّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك ، وأبايعك ؟! ..
فقال الإمام (ع) : إن كانت هذه الخلافة لك ؛ فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسكه الله ، وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك ؛ فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك (۳).
قال المأمون : لا بدّ لك من قبول هذا الأمر !! فقال الإمام (ع) : لست أفعل ذلك طائعاً أبداً ..
فما زال يجهد به أيّاماً ، والفضل والحسن (٤) يأتيانه ، حتّى يئس من قبوله ..
وخرج ذو الرئاستين مرّة على الناس قائلاً : وا عجبا !! وقد رأيت عجبا !! رأيت المأمون أمير المؤمنين يفوض أمر الخلافة إلى الرضا.
ورأيت الرضا يقول : لا طاقة لي بذلك ، ولا قدرة لي عليه .. فما رأيت خلافة قطّ كانت أضيع منها (٥).
الهوامش
۱. راجع في جميع هذه النصوص بالإضافة إلى ما تقدّم : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، وإعلام الورى ص ٣٢٠ ، وعلل الشرائع ج ١ ص ٢٣٦ ، وينابيع المودّة ص ٣٨٤ ، وأمالي الصدوق ص ٤٢ ، ٤٣ ، والإرشاد ص ٣١٠ ، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٥ ، ٦٦ ، ٨٧ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ ، ١٤٠ ، والمناقب ج ٤ ص ٣٦٣ ، والكافي ج ١ ص ٤٨٩ ، والبحار ج ٤٩ ، ص ١٢٩ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ومعادن الحكمة ، وتاريخ الشيعة ، ومثير الأحزان ص ٢٦١ ، وشرح ميميّة أبي فراس ص ١٦٤ ، ١٦٥ ، وغاية الاختصار ص ٦٨.
۲. كما نصّ عليه في البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٥٠ ، والفخري في الآداب السلطانيّة ص ٢١٧ ، وغاية الإختصار ص ٦٧ ، وينابيع المودّة للحنفي ص ٣٨٤ ، ومقاتل الطالبيين ، وغير هؤلاء كثير. وسنشير في آخر هذا الفصل إلى طائفة منهم أيضاً .. لكنّ السيوطي قال في تاريخ الخلفاء : « .. حتّى قيل : أنّه همّ أن يخلع نفسه ، ويفوض الأمر إليه .. » أمّا رفضه لذلك ؛ فهو أشهر من أن يذكر كما سيأتي ..
۳. عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ ، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٤ ، وينابيع المودة وغير ذلك.
٤. عبارة تاريخ الشيعة ص ٥١ ، ٥٢ ، هكذا : « .. إن كانت الخلافة حقّاً لك من الله ، فليس لك أن تخلعها عنك ، وتوليها غيرك. وإن لم تكن لك ؛ فكيف تهب ما ليس لك .. » وهذه أوضح وأدلّ.
٥. لا ندري ما الذي أوصل الحسن بن سهل إلى مرو ، مع أنّه كان آنئذ في العراق ، ولعلّ ذكر الحسن اشتباه من الراوي. واحتمل السيّد الأمين في أعيان الشيعة ج ٤ قسم ٢ ص ١٢٠ : أن يكون المأمون قد استدعى الحسن بهذه المناسبة إلى خراسان ؛ فلمّا تمّ أمر البيعة عاد إلى بغداد.
مقتبس من كتاب : [ الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام ] / الصفحة : ۲۷۷ ـ ۲۷۹