تستقبلنا مطلع كل عام هجري جديد ذكرى ثورة أبي عبدالله الحسين، وقد شاء الله تعالى للمسلمين أن يستقبلوا عامهم ويستفتحوه بهذه الذكرى العظيمة، لتذكرهم بمسؤولية الإصلاح وواجب التغيير، فالإمام الحسين إنما تحرك من أجل الإصلاح في الأمة.
فقد جاء في وصية أبي عبدالله الحسين التي أوصى بها لأخيه محمد بن الحنفية حينما عزم على الخروج من المدينة المنورة قال : «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» 1.
مسؤولية الإصلاح
الإصلاح ضرورة لكل أمة، وفي كل عصر وزمان، ذلك أن عوامل الفساد والانحراف حينما تتسرب إلى داخل الأمة، وتحصل فيها، فإن السكوت عنها وعدم مقاومتها يجعل الفساد منتشرًا، والظلم مهيمناً. لذلك تحتاج الأمة إلى الإصلاح في كل وقت، إما لمقاومة الفساد، أو لمقاومة الجمود. فالجمود والركود لون من ألوان الفساد. الأمة تحتاج إلى التطوير والتقدم، حتى لو فرضنا أنه ليس هناك ظلم وفساد، لكن الركود والجمود على نفس المستوى من العيش هو بحدّ ذاته ظلم، ومنتج للفساد والانحراف.
الإصلاح مسؤولية يتحملها الواعون من أبناء الأمة، أما إذا اكتفوا بالتفرج أو التذمر مما يحدث، فإنهم مسؤولون أمام الله والتاريخ عما يجري عليهم ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ 2. من طبع البشر ممارسة الفساد والظلم على أنفسهم، ولكن ينبغي أن يقابله إصلاح، ومقاومة للظلم، وإلا كان الهلاك مصير المجتمع والأمة.
توصيات لإحياء الذكرى الحسينية
في استقبال هذه الذكرى العظيمة، علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في إحيائها؛ لأن إحياء ذكرى الحسين حياة لنا، كأمة وكمجتمع، نلحظ المنافع الكبيرة منها، وهذا هو سبب النصوص الصادرة عن الأئمة المعصومين ، التي دعت شيعتهم والمسلمين جميعًا لإحياء ذكرى أبي عبدالله الحسين، لماذا؟
من أجل أن يستفيد الناس من إحياء هذه الذكرى. ويهمني أن أؤكد على بعض الملاحظات والتوصيات، ونحن نستعد لإحياء هذه الذكرى.
إحياء عاشوراء يجب أن يوظف باتجاه الإصلاح، وهو الهدف الأساس للإمام الحسين . الأمة بحاجة إلى الإصلاح الفكري والاجتماعي والسياسي، نحن بحاجة أن تتجه الخطابة ومواكب العزاء إلى موضوع الإصلاح في الأمة والمجتمع، أن نصلح أفكار الناس، حتى يتعلموا مفاهيم دينهم الصحيحة. إذا كانت هناك فكرة خطأ لا تنسجم مع تعاليم الدين، ولا مع مصالح المجتمع، فينبغي أن نستفيد من هذه المناسبة في إصلاح الأخطاء الفكرية.
وعلى من يريد أن يتصدى للإصلاح الفكري أو الاجتماعي أو السياسي، أن يعلم أن الثمن باهظ، الإنسان الذي يهدف للإصلاح عليه أن يتحمل دفع الثمن، وأن يتخذ من الإمام الحسين الذي ضحى بكل شيء قدوة له. الإمام الحسين لم يجلس في بيته ويتحدث عن الإصلاح، وإنما خرج وضحى وتحمل، ونحن عندما نريد خدمة توجهات الإصلاح علينا أن نتحمل ذلك، فأصحاب الآراء الأخرى لن يتركوا من يخالفهم وشأنه، ولن يفسحوا له المجال في فضح أخطائهم. هذه المناسبة العظيمة هي أفضل وقت للإصلاح وتغيير أفكار الناس الخاطئة.
الإصلاح الاجتماعي
نحتاج إلى الإصلاح الاجتماعي لحل المشاكل السلوكية، والأزمات المعيشية، علينا أن نهتم بما يصلح أوضاع المجتمع. ينبغي أن يكون موسم عاشوراء فرصة لكل مؤسسات العمل الأهلي التطوعي من التبرع بالدم، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والانضمام في المؤسسات الاجتماعية. ما دمت تحضر في مدرسة أبي عبدالله الحسين فعليك أن تنتهج نهجه، وأن تخرج من مجلس العزاء وأنت مستعد للسير على دربه، فيما يرتبط بالإصلاح في أي شأن كان. وإلا ماذا استفدنا من الحسين ومن هذه المجالس؟ ينبغي أن نخلق زخمًا لصالح هذه المؤسسات الأهلية لمعالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
الإصلاح السياسي
كما أننا بحاجة إلى الإصلاح السياسي، فحينما يعاني الناس في الوطن من مشاكل وضغوط بسبب ممارسات خاطئة، فعلى الواعين من الناس أن يتحركوا لرفع الظلم والضغوط عن أنفسهم ومجتمعهم. ينبغي أن تكون هذه المناسبة فرصة لتصحيح الأوضاع السياسية، وهل ثار الإمام الحسين إلا حينما رأى الظلم والفساد قائمًا متفشيًا، من قبل الذين اتخذوا عباد الله خولًا ومال الناس دولًا؟
حينما يواجه الناس مشكلة التمييز بينهم كمواطنين، فإن هذه المشكلة لا ينبغي أن تغيب عن خطابنا، يجب أن نوعي الناس ونبصرهم الطريق لمعالجة الأمر، وأن نتحدث عنها بوضوح. في السابق كان الحديث عن مثل هذه الأمور صعبًا وممنوعًا، لكننا في وقت أصبح المجال فيه متاحًا وبالوسائل المشروعة.
إيصال صوت الحسين ورسالته
الحسين ليس إمام طائفة، وليس إمام مذهب، بل هو إمام الأمة، ونهضته وثورته المباركة للبشرية جمعاء. علينا ألا نحتكر هذه المناسبة، بل أن نسعى لإيصال صوت الحسين للآخرين، عبر كتب تتحدث عن الإمام الحسين ، ومقالات ننشرها في الصحف، وعبر دعم البرامج الفضائية، وعبر اندماج وانفتاح الناس على هذه المناسبة.
ما عادت برامجنا أمراً نتستر عليه، بل هو مكشوف للجميع، فينبغي أن نفتح المجال أمام مشاركة الآخرين، وهنا أشيد بتجربة الأخوة والأخوات في «لجنة التواصل الوطني» الذين يسعون في كل عام لدعوة عدد من الشخصيات من مختلف أنحاء البلاد، يأتون للمنطقة، ويرون هذه البرامج، وعادة ما يخرجون بنظرات إيجابية، في ظل أجواء التعتيم والتشويه لهذا المجتمع.
علينا أن ندعم مثل هذا الجهد، وأن يكون مثل هذه اللجنة في كل منطقة تحيي ذكرى أبي عبدالله الحسين ، مسؤوليتها جذب الآخرين واستقطابهم ليعيشوا معنا أجواء هذه المناسبة، حتى يشعروا بأهميتها، ويزيلوا اللبس الراسخ في أذهانهم حولها، وخاصة من ذوي الرأي والنخبة المؤثرة في محيطها ومجتمعها.
وأخيراً
كل واحد منا ينبغي أن يطالب نفسه بدور يحيي فيه ذكرى أبي عبدالله الحسين ، فينفق من ماله ووقته وجهده، لا يصح أن يكون الواحد منا مجرد ضيف شرف، ومستمع، فليطالب كل واحد نفسه بأن يصنع ويقدم خدمة للحسين ، من خلال المآتم، والمواكب التي هي إطار لجذب القدرات الشابة، وينبغي الاستفادة منها في تنشئة هذا الجيل على حبّ الحسين وعلى تعاليمه. ينبغي أن نستفيد من هذا الموسم، وأن نخرج منه بفائدة تغير من واقعنا وأنفسنا 3.
- 1. كتاب الفتوح، ج 5، ص 21.
- 2. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 117، الصفحة: 234.
- 3. نشرت هذه المقالة على الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار، 2 / 10 / 2016م – 11:09 ص.