صِلَةُ الأرحام
جاء في خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “وصِلُوا أرحامكم،… ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه”1…
واللافت في هذا المقطع من خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ شهر رمضان كما أنه فرصة لزيادة العطاء لمن أدّى أعماله على أحسن وجه، كذلك فإنه من الأوقات التي يتضاعف فيها العقاب فيما لو لم يحسن المرء أداء أعماله، فكما أنّ صلة الرحم باب عبور إلى الرحمة الإلهية في هذا الشهر فإنّ قطيعة الرحم باب عبور إلى الحرمان من الرحمة الإلهية يوم القيامة.
وهذا الأمر يسري على بقية الفضائل والرذائل في هذا الشهر، فالصدق له ثوابه الكبير، والكذب له عقابه الأكبر وهكذا، وهذا أمرٌ طبيعيّ عندما نكون ضيوف الرحمن والجالسين إلى مأدبة الكرم الإلهيّ.
ومن المهمّ لَفْتُ النظر إلى تعريف معنى صلة الرحم, لأنها باتت اليوم من الأمور التي تحتاج أن نذكّر بعضنا البعض به, روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الرَّحِمَ معلّقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافىء، ولكنّ الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها”2.
فصلة الرحم عندما تصل من يصلك أمرٌ لا لبس فيه، لكنّنا إذا شعرنا أنّ فلاناً يحاول أن يقطع هذه الصلة فإننا سرعان ما نبادر إلى القطيعة فنبادل القطيعة بالقطيعة والهجران بالهجران والجفاء بالجفاء فتتكسّر أواصر المحبة والوئام والتعاون والألفةوتنهار أعمدة الرحمة والمودة ولذلك نرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام كانوا يدعون الناس إلى صلة الأرحام فيجميع الأحوال، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً على الأواصر والعلاقات، وترسيخاً لمبادىء الحبّ والتعاون والوئام.
ففي رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إذن يرفضكم الله جميعاً. قال: كيف أصنع؟”
قال صلى الله عليه وآله وسلم: “تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير”3.
وتتجلّى مظاهر الصلة بالاحترام والزيارات وتفقّد أوضاعهم الروحية والمادية وكفّ الأذى عنهم. وأدنى الصلة الصلة بالسلام, روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “صلوا أرحامكم ولو بالسلام”4 وأدنى الصلة المادية السقاء, روي عن الإمام جعفرالصادق عليه السلام: “صِلْ رَحِمَكَ ولو بشربة ماء”5.
ومن جملة الأمور التي يمكن بها الاستفادة من بركات الشهر المبارك التأكيد على التواصل مع الأرحام من خلال مأدبات إفطار الصائمين، فأَوْلى الناس بالدعوة ذوو الرحم من الأبناء والأهل والأخوة والأخوات والأقرب فالأقرب.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الأمالي، ص 154.
2- الأمالي، ص 155.
3- الكافي، ج2، ص 150.
4- الخصال، الشيخ الصدوق، ص613.
5- الكافي،ج2،ص 151.