للإنسان شخصيّتان : شخصية حقيقية وشخصية اعتباريّة.
أمّا الشخصيّة الاعتباريّة : فهي منوطة باعتبار المعتبر ، فليست ذات واقعيّة متأصلة. ولذا تأتي بالاعتبار وتذهب ـ أيضاً ـ بسلب ذلك الاعتبار.
خذ مثلاً « الرئاسة » فـ « الرئيس » شخص اعتبرنا له صفة « القيادة » ، ولكن هذه الصفة ليست بحقيقة واقعيّة وإنما هي مجرّد اعتبار. لذا يصبح الإنسان « رئيساً » فجأة ، وتسلب منه هذه الصفة أيضاً فجأة دون أن يتغيّر في حقيقة أمره شيء.
أمّا الشخصيّة الحقيقيّة : فهي ترتبط بالصفات الحقيقيّة الواقعيّة كالعلم والحلم والأخلاق والتقوى ونحوها ، وهي ترتبط باعتبار المعتبر لا بفرض الفارض ، بل هي حقيقة واقعة حتّى لو لم يكن هنالك معتبر ولا فارض ، بل حتّى لو فرض وجود « الاعتبار المضاد ». والتواضع لا يعني فقط أن لا يتعامل الإنسان مع الآخرين من خلال شخصيّته الحقيقيّة.
فلا يتعامل مع الآخرين من خلال موقعه الاجتماعي ، أو من خلال علمه ، أو أخلاقه ، أو تقواه ، هل يتعامل معهم وكأنّه أحدهم بلا ترفّع ولا تكبر ، والرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله رغم ما أوتي من العلم والقوّة والرئاسة والنبوّة والرسالة و … كان مثلاً أعلى في التواضع …
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله متكئاً منذ بعثه الله عزّ وجلّ نبيّاً حتّى قبضه الله إليه متواضعاً لله عزّ وجلّ ».
وقال : « مرت امرأة بذية برسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يأكل وجالس لى الحضيض فقالت : يا محمّد والله إنّك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه ! فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : ويحك أيّ عبد أعبد مني … ».
وعنه عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحبّ الركوب على الحمار موكفاً والأكل على الحضيض مع العبيد ، ومناولة السائل بيديه ، وكان صلّى الله عليه وآله يركب الحمار ، ويردف خلفه عبده أو غيره … ».
وقال أهل السير : إنّه صلّى الله عليه وآله كان في بيته في مهنة أهله يقطع اللحم ، ويحلب شاته ، ويرقّع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويقم البيت ، ويعقل البعير ، ويعلف ناضحه ، ويطحن مع الخادم ، ويحمل بضاعته من السوق ، ويضع طهوره بالليل بيده ، ويجالس الفقراء ، ويواكل المساكين ، ويناولهم بيده. [ راجع سفينة البحار ـ مادة خلق ]
فليتأس متأسٍ بنبيّه … وإلا فلا يأمنن الهلكة.
مقتبس من الموقع : [ مؤسسة السبطين العالمية ]