مقالات

صلاة الخوف …

نص الشبهة: 

يقال: إن صلاة الخوف قد شرعت في غزوة ذات الرقاع، حيث إنه «صلى الله عليه وآله» في هذه الغزوة واجه جمعاً من الأعداء «فتقارب الجمعان، ولم يكن بينهما حرب. وقد خاف بعضهم بعضاً، من غير أن يغيروا عليهم، فصلى بهم النبي «صلى الله عليه وآله» صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس» (راجع: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 و 29 والسيرة الحلبية ج2 ص271 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 والمغازي للواقدي ج1 ص396 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص160 والبداية والنهاية ج4 ص83 وراجع: صحيح البخاري ج3 ص24 و 25 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص174 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص227 وأنساب الأشراف ج1 ص340 وراجع: طبقات ابن سعد ج2 ص61 وتفسير البرهان ج1 ص411 عن من لا يحضره الفقيه والثقات ج1 ص258 وزاد المعاد ج1 ص110 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214 وراجع: نصب الراية ج2 ص246 و 247 وراجع صحيح مسلم (باب صلاة الخوف) ج2 ص214 ونهاية الأرب ج17 ص158 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والدر المنثور ج2 ص212 و 213 عن أبي داود، وابن حبان، والحاكم وصححه والبيهقي، وعن مالك، والشافعي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني). وهي أول صلاة خوف في الإسلام (حبيب السير ج1 ص357 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص61 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والجامع ص279 وراجع المصادر المتقدمة أيضاً، فبعضها قد ذكر ذلك ونصب الراية ج2 ص248 و 249 عن الواقدي وغيره).

الجواب: 

ونقول:
إننا نسجل هنا ما يلي:
1 ـ قولهم: إنها أول صلاة خوف صليت في الإسلام لا تؤيده الروايات على اختلافها ؛ فقد ذكروا ـ وإن كنا قد رددنا ذلك فيما يأتي ـ: أن صلاة الخوف إنما شرعت في غزوة بني النضير 1 وهي قبل غزوة ذات الرقاع قطعاً.

2 ـ ومن جهة أخرى ثمة روايات تقول: إن آيات صلاة الخوف قد نزلت في غزوة عسفان، فصلى بهم النبي «صلى الله عليه وآله» صلاة الخوف.

وفي رواية الترمذي وابن جرير: أن جبرئيل هو الذي علَّم النبي «صلى الله عليه وآله» كيف يصليها، وذلك بين ضجنان، وعسفان. وعسفان كانت بعد الخندق 2.
3 ـ وسأل سليمان اليشكري جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل ؟.
فقال جابر بن عبد الله: وعير قريش آتية من الشام، حتى إذا كنا بنخل..
ثم ذكر ما جرى، وصلاة النبي «صلى الله عليه وآله» بهم صلاة الخوف، ثم قال: فأنزل الله في إقصار الصلاة 3.
ولكن قال ياقوت: «إن نخلاً موضع بنجد، من أرض غطفان مذكور في غزاة ذات الرقاع» 4.
وعن السمهودي، أنه قال: «حتى نزل نخلاً، وهي غزوة ذات الرقاع» 5.
وقال السمهودي أيضاً: «وكأن أبا حاتم رأى اتحادهما، فلم يذكر ذات الرقاع، وهي بنخل عند بعضهم، فلذلك لم يذكرها أيضاً» 6.
ونقول: إن هذا اشتباه واضح، فإن نخلاً إذا كانت بنجد لم يكن ثمة مناسبة بينها وبين عير قريش الآتية من الشام، فالمراد إذن هو النخل التي من جهة الشام دون سواها.
4 ـ وعن مجاهد أنه قال: بالنسبة لصلاة الخوف في عسفان: «فلم يصل رسول الله «صلى الله عليه وآله» صلاة الخوف قبل يومه، ولا بعده» 7.
5 ـ عن جابر قال: غزا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ست غزوات قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة 8.
فالقول بأنها في ذات الرقاع، وذات الرقاع في السنة الرابعة، لا يصح.

الرواية الأقرب إلى القبول

والمعتمد عندنا في هذا المجال هو: الرواية التي رواها علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الإمام الصادق «عليه السلام»: «فإنها نزلت لما خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الحديبية، يريد مكة، فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في ماءتي فارس كميناً يستقبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» [فكان يعارض رسول الله] على الجبال.
فلما كان في بعض الطريق، وحضرت صلاة الظهر، فأذن بلال، فصلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالناس.
فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن تجيء لهم الآن صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياع أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم.
فنزل جبرئيل «عليه السلام» على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بصلاة الخوف في قوله: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ … ﴾ 910.
ولا يعارض ذلك ما رواه ابن بابويه في الفقيه بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن أبي عبد الله: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد صلى بأصحابه صلاة الخوف في ذات الرقاع; فإن هذه الرواية ليس فيها: أن جبرئيل قد نزل بصلاة الخوف آنئذٍ، ولا أن الآية قد نزلت أيضاً في غزوة ذات الرقاع. وإن كان الإمام «عليه السلام» بعد أن ذكر كيفية صلاته «صلى الله عليه وآله» بأصحابه صلاة الخوف، قد أورد الآية، مظهراً بذلك موافقة فعل النبي «صلى الله عليه وآله» لمضمونها، فراجع 11.
فتشريع صلاة الخوف قد كان في الحديبية التي كانت في سنة ست ثم صلاها «صلى الله عليه وآله» مرة أخرى بأصحابه في غزوة ذات الرقاع، التي كانت في السنة السابعة حسبما قدمنا 12.

  • 1. راجع هذا القول في: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة الحلبية ج2 ص271 والتنبيه والإشراف ص214 وحبيب السير ج1 ص357 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص215 ونهاية الأرب ج17 ص159 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص370 وصحيح البخاري ج3 ص23 وفتح الباري ج7 ص325 وبهجة المحافل ج1 ص232.
  • 2. الدر المنثور ج2 ص211 و 213 عن المصادر التالية: عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي داود، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي، والترمذي، وابن جرير. وعن البزار عن ابن عباس، وعن أبي عياش الـزرقي، وأبي هريرة، ومجاهد وفتح الباري ج7 ص327 والسيرة الحلبية ج2 ص271 ونصب الراية ج2 ص248 ومسند أحمد ج4 ص59 وفي هامش نصب الراية عن سنن أبي داود ج2 ص11 و 12 وسنن البيهقي ج3 ص257 وراجع: سنن النسائي ج3 ص174 والجامع الصحيح ج5 ص243 والمصنف للصنعاني ج2 ص504 و 505 وجامع البيان ج5 ص156 وسنن الدارقطني ج2 ص59 ومستدرك الحاكم ج1 ص337 وكشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص326.
  • 3. الدر المنثور ج2 ص211 عن عبد بن حميد، وابن جرير، وجامع البيان وبغية الألمعي (مطبوع مع نصب الراية) ج2 ص248 وسنن النسائي ج3 ص176.
  • 4. معجم البلدان (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص320.
  • 5. بغية الألمعي (مطبوع بهامش نصب الراية) ج2 ص248 عن وفاء الوفاء ج1 ص381.
  • 6. وفاء الوفاء ج1 ص280.
  • 7. الدر المنثور ج2 ص214 عن ابن أبي شيبة، وابن جرير، وراجع جامع البيان ج5 ص156.
  • 8. مسند أحمد ج3 ص348 والدر المنثور ج2 ص214 عنه.
  • 9. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 102، الصفحة: 95.
  • 10. البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411.
  • 11. البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411 ومن لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج1 ص460.
  • 12. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله وسلم)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، السنة 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء العاشر.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى