نص الشبهة:
لقد وجدنا كثيراً من الشيعة يقعون في الحسن بن علي «رضي الله عنهما» ويذمونه وذريته، رغم أنه أحد أئمتهم ، ومن أهل البيت (انظر: «أعيان الشيعة» (1 / 26)، وكتاب «سليم بن قيس» (ص 288)، و«بحار الأنوار» (27 / 212) .).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : يا مذل المؤمنين
إن أحداً من الشيعة ، لا من الزيدية ، ولا من الإمامية ، ولا من الإسماعيلية ، ولا غيرهم لم يوجه إلى الإمام الحسن « عليه السلام » أدنى كلمة فيها إساءة وذم ، إلا إن كان مقصود السائل : أولئك الذين كانوا في جيش الإمام الحسن « عليه السلام » حين كان في طريقه إلى حرب معاوية ، وقد حاولوا الفتك به « عليه السلام » ، وضربوه بالمعول في فخذه ، ثم خاطبوه بـ : « يا مذل المؤمنين » ، حين انتهى الأمر إلى تسليم الأمر إلى معاوية . .
ولكن هؤلاء لم يكونوا من شيعة علي «عليه السلام»، بل كانوا من بقايا الخوارج ، ومن طلاب الدنيا ، ومحبِّي الفتن.
فقد روي : أنه قدم إليه « عليه السلام » جمع من شيعته ، وقالوا له : يا مذل المؤمنين ، ويا مسود الوجوه 1 .
وفي نص آخر : لامه بعضهم على الصلح 2 .
وفي نص ثالث : أن أبا عامر سفيان بن أبي ليلى 3 قال له : السلام عليك يا مذِّل المؤمنين 4 .
وفي نص رابع : قال له رجل من أصحابه : يا مسوِّد وجوه المؤمنين 5 .
وفي نص آخر قال له : ذللت رقابنا ، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً 6 .
ونص خامس يقول : إن عدي بن حاتم قال : لوددت أني مت قبل ما رأيت . .
إلى أن قال : وأعطينا الدنية من أنفسنا ، وقبلنا الخسيسة التي لم تلق بنا 7 .
ونص سادس : صرح باسم سفين بن الليل 8 ، أو سفيان بن ياليل ، أو ابن ليلى الخارجي 9 .
وفي نص سابع : أن سليمان بن صرد قال له « عليه السلام » : السلام عليك يا مذل المؤمنين 10 .
ونص ثامن : أن علي بن محمد بن بشير الهمداني قال له : السلام عليك يا مذل المؤمنين 11 .
ونص تاسع يقول : إن حجر بن عدي قال له : أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ، ولم نر هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبوا .
فقال له « عليه السلام » : يا حجر ، سمعت كلامك في مجلس معاوية ، وليس كل إنسان يحب ما تحب الخ . . 12 .
ووفد عليه مالك بن ضمرة ، فأعنت له القول 13 .
وأما بالنسبة لثبوت هذه العبارات ، فنقول :
لا شك في أنه قد كان هناك من تجرأ على مقام الإمام « عليه السلام » ، ولكننا لا نستطيع أن نؤكد صحة نسبة ذلك لكل شخص بخصوصه ، لاسيما وأن أكثر هذه النقولات قد وردت في كتب تاريخية ، فيها الغث والسمين ، والصحيح والسقيم ، مع ملاحظة : أنه لا ريب في أن هناك من يتعمد نسبة بعض القضايا إلى الخلَّص من أصحابه عليه السلام ، وذلك في نطاق مشروعهم الخياني لله ، ولرسوله ، ولأئمة الهدى « صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين » ، المتمثل في إظهار ضعف الإمام « عليه السلام » ، وتشويه الصورة الناصعة للأخيار من أصحابه ، وتأييد نهج الأمويين وسياساتهم . .
وإذا فرض صحة صدور ذلك من أحد الأصفياء والخلَّص من أصحابه « عليه السلام » ، فإن ذلك مرفوض منه ، مردود عليه ، لأن الواجب عليه وعلى كل أحد ، هو التسليم للنبي وللإمام ، وفقاً للأمر الإلهي بذلك : ﴿ … وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 14.
كما أن هذه التصرفات الرعناء ، تدلِّل على عمق البلاء الذي واجهه أئمتنا « عليهم السلام » ، وهم يتعاملون مع مجتمع ، لا يدرك حتى بعض الخيار ، والنخبة والطليعة الإيمانية فيه ما يجب عليهم ، أو لا يلتزمون به ، أو تظهر من بعضهم الهنات ، والسقطات ، في أحرج الأوقات ، وأشد الأمور حساسية وخطورة . فلا يكونون على مستوى الحدث ، ولا يثقون بحسن تدبير ، وبصوابية موقف إمامهم المعصوم ، رغم أنهم يرون بأم أعينهم حقيقة ما يجري وما يحدث . مع أن الإمام « عليه السلام » كان يشرح لهم ما أبهم عليهم ، تلويحاً تارة ، وتصريحاً أخرى . .
وقد لاحظنا : أن الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في لائحة المعترضين لم يكونوا خالصي الولاء له « عليه السلام » ، بل كان بعضهم من الخوارج والأعداء ، ومنهم من لم يكن من الأحباب ، ولا من الأصدقاء . .
وفي جميع الأحوال نقول :
إن أمثال هذه المواقف والحركات ، لا يتوقع صدوره من راسخي القدم في الولاء ، ولا من العارفين بحق الإمام « عليه السلام » ، وبمقام الإمامة .
ولعل بعضهم قال ذلك على سبيل الحكاية لما يتداوله بعض من لم يكن يرى الإمام الحسن « عليه السلام » إماماً مطهراً ، معصوماً ، وسفينة نجاة . .
ولعل الهدف هو أن يسمع الناس جواب الإمام « عليه السلام » على هذه الأباطيل والأضاليل .
ولو فرض أن أحدهم قد تفوه بكلام كهذا . . فمن قال : إن الله تعالى لم يتداركه برحمته ، ويكشف عن بصيرته ، حتى بلغ ذلك المقام ، بعد أن صحت توبته ، وعظمت ندامته ، وطالت حسرته على ما فرط منه في حق إمامه المعصوم « عليه السلام » .
ثانياً : لا تقاس بالإمام الحسن عليه السلام ذريته
هناك فرق بين الإمام الحسن « عليه السلام » الذي هو ريحانة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وسيد شباب أهل الجنة ، وأحد الذين أمر الله بمباهلة النصارى بهم ، وأحد أهل البيت « عليهم السلام » الذين أذهب الله عنهم الرجس كما في آية التطهير ، وبين ذريته الذين قد يكون فيهم المحسن الذي يمدح لإحسانه ، والمسيء الذي يستحق الذم على إساءته ، لأن المفروض أن ذريته « عليه السلام » كسائر الناس الذين لا شيء يثبت لهم العصمة . .
وقد تجد في الإخوة من أب واحد وأم واحدة من هو في غاية الصلاح ، ومن هو في غاية الفساد .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 15 .
- 1. كلمة الإمام الحسن ص 102 ومستدرك سفينة البحار ج 8 ص 580 .
- 2. الإحتجاج ج 2 ص 68 و (ط دار النعمان) ج 2 ص 9 وكمال الدين ج 1 ص 315 و (ط مركز النشر الإسلامي سنة 1405هـ) ص 316 وكفاية الأثر ص 225 وإعلام الورى ج 2 ص 229 و 230 وغاية المرام ج 2 ص 285 وعن فرائد السمطين ج 2 ص 123 وبحار الأنوار ج 44 ص 19وج 51 ص 132 وج 52 ص 279 .
- 3. في البداية والنهاية سعيد بن النتل ، وفي الفتوح لابن أعثم سفيان بن الليل البهمي .
- 4. ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص 200 والمستدرك للحاكم ج 3 ص 175 والمصنف لابن أبي شيبة ج 8 ص 631 وإمتاع الأسماع ج 5 ص 360 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج 1 ص 387 وتاريخ بغداد ج 10 ص 305 وتاريخ مدينة دمشق ج 13 ص 279 وتهذيب الكمال ج 6 ص 250 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 4 ص 6 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 26 ص 551 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج 8 ص 21 وكتاب الفتوح لابن أعثم (ط دار الأضواء) ج 4 ص 295 .
- 5. الجامع الصحيح للترمذي ج 5 ص 414 و (ط دار الفكر سنة 1403هـ) ج 5 ص 115 والمستدرك للحاكم ج 3 ص 171 وتحفة الأحوذي ج 9 ص 197 وجامع البيان ج 30 ص 330 وتفسير السمعاني ج 6 ص 261 وأحكام القرآن لابن العربي ج 3 ص 411 و 429 والتفسير الكبير للرازي ج 8 ص 181 وج 32 ص 31 وتفسير القرآن العظيم ج 4 ص 566 وأسد الغابة ج 2 ص 14 وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 272 وميزان الإعتدال ج 4 ص 466 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج 6 ص 273 وج 8 ص 20 وج 10 ص 52 وإمتاع الأسماع ج 5 ص 360 وج 12 ص 207 والنزاع والتخاصم ص 82 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج 2 ص 200 .
- 6. الإحتجاج ج 2 ص 71 و (ط دار النعمان) ج 2 ص 12 وبحار الأنوار ج 44 ص 147 والعوالم ج 16 ص 281 والأنوار البهية ص 90 .
- 7. كلمة الإمام الحسن ص 100 والأخبار الطوال للدينوري ص 220 وحياة الإمام الحسن للقرشي ج 2 ص 266 و 267 عن الدينوري ص 203 .
- 8. كلمة الإمام الحسن ص 97 عن تاريخ دمشق لابن عساكر ج 12 ص 544 .
- 9. تذكرة الخواص ص 199 وبحار الأنوار ج 44 ص 59 وتاريخ مدينة دمشق ج 13 ص 279 وج 59 ص 151 وتهذيب الكمال ج 6 ص 250 وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 147 وميزان الإعتدال ج 2 ص 171 وكتاب الفتن لابن حماد ص 91 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج 8 ص 140 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 4 ص 39 ولسان الميزان ج 3 ص 53 وكتاب الفتوح (ط دار الأضواء) ج 4 ص 295 وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص 200 وحياة الإمام الحسن ج 2 ص 269 و 270عن الكشي ، وعن شرح نهج البلاغة للمعتزلي .
- 10. الإمامة والسياسة ج 1 ص 136 و (تحقيق الزيني) ج 1 ص 141 و (تحقيق الشيري) ج 1 ص 185 عن المحاسن والمساوئ للبيهقي ج 1 ص 60 ـ 65 وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص 118 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 26 ص 531 عن الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي (ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت) ص 86 .
- 11. الأخبار الطوال للدينوري ص 220 و221 .
- 12. مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 41 و (المطبعة الحيدرية) ج 3 ص 197 وبحار الأنوار ج 44 ص 57 وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 193 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج 4 ص 295 .
- 13. حياة الإمام الحسن للقرشي ج 2 ص 268 و 269 عن البحار .
- 14. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 56، الصفحة: 426.
- 15. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، الجزء الثالث ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، السؤال رقم (105) .