نص الشبهة:
أراد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يكتب رسالة قبل وفاته فمنعه عمر من ذلك ، فلماذا سكت عليّ ( عليه السلام ) ولم يقل شيئاً رغم أنّه رجلٌ يوصف بالشجاعة ؟
الجواب:
تظهر الحقيقة فيما ذكره ابن عبّاس حول هذه الرزية حيث إنّه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثمّ بكى حتّى خضّب دمعه الحصباء ، فقال : اشتدّ برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجعه يوم الخميس ، فقال : « إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبيّ التنازع ، فقالوا : أهجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ، قال : « دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ ممّا تدعوني إليه » 1 .
وهنا نطرح هذين السؤالين:
1 ـ لماذا قام الخليفة الثاني بمخالفة أمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ؟! أو لا يُعدّ هذا عصياناً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقدماً عليه الذي نهى عنه القرآن الكريم بقوله : ﴿ … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 2؟!
2 ـ لماذا لم يكتب النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرسالة ؟
إنّ سبب ذلك واضح و جليّ ، لأنّه لمّا اتّهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ نعوذ بالله ـ بالهذيان والهجر فلو كتب رسالة لوصفوها بما وصفوا به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ولذلك يتضح لنا سبب عدم تدخّل الإمام عليّ ( عليه السلام ) . ثمّ إنّه عندما يصرف النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النظر عن كتابة الرسالة فإنّه لا يبقى لعليّ حينئذ إلاّ الطاعة والامتثال .
إنّ جامع هذه الأسئلة أراد الإطاحة بعقائد الشيعة بأيّة وسيلة كانت ، ولكن وجود هذا الحديث في ستّة مواضع من صحيح البخاري تسبّب في هدم أساس المذهب الأموي ، ووجّه ضربة قاضية لما يُسمّى بعدالة جميع الصحابة ، ومن حسن الحظّ أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) رغم عدم كتابته للكتاب إلاّ أنّه جبر ذلك بنحو آخر ، حيث إنّه قام في وقت سابق بالذهاب إلى المسجد وذكر حديث الثقلين قائلاً : « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله و عترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً » 3 .
وهكذا نرى أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء بنفس الجملة « لن تضلّوا بعدي » التي ذكرها في حديث ابن عبّاس 4 .
- 1. صحيح البخاري : 4 / 31، باب دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ; لاحظ أيضاً صحيح البخاري : 1 / 37 ، 4 / 66 ، 5 / 137 ، 7 / 9 ، 8 / 161 ; صحيح مسلم : 5 / 75 .
- 2. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 515.
- 3. خصّ المرحوم « مير حامد حسين » ستة مجلدات من كتابه « عبقات الأنوار » ذكر فيها سند هذا الحديث ومتنه وممّا ذكره كمثال على ذلك : سنن الترمذي : 2 / 307 ، مسند أحمد : 3 / 17 و 26 و 59 و ج 4 / 366 و 371 ، مستدرك الحاكم : 3 / 101 إلى 109 ، و كتاب السنّة لابن أبي عاصم : 629، الحديث 1553 .
- 4. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته .