نص الشبهة:
فإن قيل فما وجه قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله لما استأذنه قوم في التخلف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم : { عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } أو ليس العفو لا يكون إلا عن الذنب ؟ وقوله { … لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ … } ظاهر في العتاب لأنه من اخص ألفاظ العتاب ؟ .
الجواب:
قلنا أما قوله تعالى ﴿ عَفَا اللّهُ عَنكَ … ﴾ 1 فليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب ، ولا يمتنع أن يكون المقصود به التعظيم والملاطفة في المخاطبة . لان احدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه : أرأيت رحمك الله وغفر الله لك . وهو لا يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه ، بل ربما لم يخطر بباله أن له ذنبا . وإنما الغرض الإجمالي في المخاطبة واستعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره .
وأما قوله تعالى : ﴿ … لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ … ﴾ 1 فظاهره الاستفهام والمراد به التقريع واستخراج ذكر علة اذنه ، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب ، لان احدنا قد يقول لغيره ، لم فعلت كذا وكذا .
تارة معاتبا وأخرى مستفهما ، وتارة مقررا . فليس هذه اللفظة خاصة للعتاب والإنكار .
وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالة على انه صلى الله عليه وآله ترك الأولى والأفضل ، وقد بينا أن ترك الأولى ليس بذنب ، وان كان الثواب ينقص معه .
فإن الأنبياء عليهم السلام يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل . وقد يقول احدنا لغيره إذا ترك الندب : لم تركت الأفضل ولم عدلت عن الأولى ؟ ولا يقتضي ذلك إنكارا ولا قبيحا 2 .
- 1. a. b. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 194 .
- 2. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى ، دار الأضواء : 160 .