مقالات

شبهة وردها…

نص الشبهة: 

لماذا يهرب الملحد من البحث العلمي ؟

الجواب: 

جرت لنا مع عدد من الملحدين نقاشات في شبكات النت وقد أصدرنا خلاصتها في كتاب ( ثمار الأفكار ) ورأيناهم يهربون من النقاش العلمي ، لأن بضاعتهم الإنكار والمكابرة لا غير !
ومما وجهناه اليهم :
1 ـ سؤال للماديين : هل الحسُّ محسوس ؟!
فقد بنوا فكرهم ودينهم على النظرية الحسية القائلة : كل شئ غير محسوس فهو غير موجود ! فهم يؤمنون بوجود الحس ويجعلونه أصل نظريتهم ، وقد غفلوا عن أن الحس من الغيب غير المحسوس !
فإن قالوا يعرف الحس بالحس فبأي الحواس ؟ بالبصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس ؟! وإن قالوا يعرف بالعقل فقد اعترفوا بموجود غير محسوس يدركه العقل وبطلت نظريتهم الحسية !
وبما أنهم لم يجيبوا على هذا السؤال ، فمعناه أنهم يقرون بأن النظرية المادية مبنية على أمر غير مادي ( غيبي ) ! ويضطرون الى موافقتنا في أن الحقائق منها ما يعرف بطريق الحس ومنها بطريق العقل ، وكلها حقائق لا فرق بينهما من هذه الجهة .
2 ـ ومن نوع هذا السؤال : الأذن . .والسمع . .أيهما الموجود ؟
وهو سؤال يعجز عن جوابه من لا يؤمن بالله تعالى ! فهل تسمع بسمعك أم بأذنك ؟ وهل الموجود الأذن والسمع كلاهما . . أم الأذن فقط ؟! فالأذن والأعصاب تنقل الذبذبات الى المخ ، وهي موجودات محسوسة ، ولك سمعٌ تسمع به وهو وجودٌ غير محسوس !
وفي الحقيقة أن الأذن ليست هي التي تسمع ، بل هي جهاز ينقل الذبذبات كأي طبلة وأسلاك ، والمخ ليس هو الذي يسمع ، بل هو جهاز ينقل الإشارات الى السمع ، فهذا السمع إن كان موجوداً مادياً فأين هو وأين مكانه ؟ وإن لم يكن موجوداً فلا يمكن أن نسمع ! ولاجواب إلا أنه موجود غير مادي عرفناه بالعقل ، فهو غيبي !
فالسمع موجودٌ مستقل وليس انعكاساً مادياً لأدواته حتى يكون وجوده بوجودها ، فلو لم توجد فهو موجود ، ولو وجدت وسيلة أخرى غير الأذن ، تؤدي دورها لحصل السمع ، فالسمع غير أدواته ! وإن أصروا على أن السمع أثر للمادة ، يبقى السؤال : هو أثرٌ مادي أم غير مادي ، فإن كان مادياً فأين هو ؟وإلا فقد سقطت النظرية الحسية !
إن الصحيح في السمع والحس أنه موجود بوجود مستقل عن الجسم ، وأنه قوةٌ من قوى الروح التي ترتبط بالبدن بنحو تتقبل رموز تفاعلاته المادية ، وتترجمها الى مدركات !
إن الذي يكلمك ليس بدن مخاطبك بل روحه ، بوسيلة آلية معينة . . والذي يفهم منه ويجيبه ليس بدنك بل روحك ، بواسطة آلية معينة ! قال الله تعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ 1 . وستبقى معلومات البشر عن الروح قليلة ، وستبقى روح المؤمن والملحد التي بين جنبيه لغزاً ، بها يحيا ويفكر ويتساءل ولايعرف عنها إلا أقل القليل ! وكلما كشفوا معلومة منها انكشفت جوانب أكثر إعجازاً وإلغازاً !
إن الروح حقيقة صارخة ، تجعل الإنسان خاضعاً أمام خالقها ومقنن قوانينها ! لكن أين أصحاب العقول غير المدخولة ؟!
إن للروح قوانينها الخاصة وزمانها ومكانها الخاصَّيْن ، وإن كانت مرتبطة بالبدن والزمان والمكان! ﴿ … وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ 2 .
***
3 ـ وسؤالان آخران للقائل بالحقيقة النسبية : الأول : هل وجودك أنت حقيقة يقينية ثابتة أم نسبية ؟ ومهما أجاب فقد أسقط نظريته .
والثاني : سؤاله عن نظريته نفسها هل هي قاعدة مطلقة أم نسبية ؟ فإن قال مطلقة فقد نقضها ، وإن قال نسبية فقد كذبها .
إنه لا بد للإنسان أن يؤمن بوجود حقائق مطلقة ثابتة في كل الأحوال وهي التي نسميها البديهيات الأولية ( لا الثانوية ) .مثلاً : حقيقة أن الكل أكبر من الجزء ، أمرٌ ثابت على كل حال مادام الكل كلاً والجزء جزءً ، في كل العلوم وفي كل العصور حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، ثم في الآخرة ، إلا أن يخرجا عن كونهما كلاً وجزءً .
والحقائق الرياضية البسيطة ثابتة أيضاً مثل أن ( 2 + 2 = 4 ) فما دام العدد والجمع بهذا المعنى فالنتيجة ثابتة . وحتى لو تغير معناهما فهو لا ينقض ثبات القاعدة .
وأوضح منه قاعدة : أن الشئ لا يكون موجوداً وغير موجود في آن واحد في مكان واحد في ظروف واحدة ( قاعدة استحالة التناقض ) فهي ثابتة في كل الحالات ، بديهيةٌ عند كل إنسان لأنها مخلوقة في فطرته وتنمو بنمو عقله ، فعندما تعطي طفلك شيئاً في يده ثم تأخذه منه وتسأله أين هو ؟ لا يفتش عنه في يده ! ولو قلت له : في يدك وليس فيها لم يقبل منك ، لأن عقله يعلم أن التناقض محال !!
إن هذه المعلومات الثابتة رأس مال موهوبٌ من الله تعالى لكل إنسان ، مع قدرة على الإتجار به لكسب مجهولات جديدة ، بما يسمى عملية التفكير والإستدلال .
وبعضهم يسمي النتيجة الخاطئة حقيقة بالنسبة الى صاحبها ! لكنه مجاز ، لأن الحقيقة الموضوعية واحدة ، لا تتبع خطأ الإنسان في الإستدلال 3 .

  • 1. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 290 .
  • 2. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 290 .
  • 3. معرفة الله ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية ، برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني ، الطبعة الأولى 1427 ، الناشر دار الهدى ـ قم ، ص 11 ـ 15 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى