نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم..
ورد في كتاب «كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الأجل الصدوق (رضي الله عنه)»: رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) معتبرة السند في باب ما روي في أن الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) وهي: «حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما أن حملت فاطمة (عليها السلام)، بالحسين (عليه السلام) قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل قد وهب لك غلاماً اسمه الحسين، تقتله أمتي. قالت: فلا حاجة لي فيه.. فقال: إن الله عز وجل قد وعدني فيه عدة.. قالت: وما وعدك؟ قال: وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده. فقالت: رضيت». فما هو وجه الدلالة في عبارة «لا حاجة لي فيه»؟. وهل الضمير في كلمة «فيه» عائدة للإمام الحسين (عليه السلام)؟ أم إلى الأمر الذي يحدث له وهو القتل؟
ولكم مني الشكر الجزيل..
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال، نسجل هنا ما يلي:
إن الرواية التي ذكرتموها، وإن كانت قد رواها الثقات، والأثبات 1..
لكن هناك نقاط لا بد من أخذها بنظر الاعتبار، وهي التالية:
1ـ إن الإمام الحسين (عليه السلام) والسيدة فاطمة (عليها السلام) قد كانا ـ كما دلت عليه الروايات ـ أنواراً محدقين بعرش الله قبل خلق النبي آدم (عليه السلام)..
ودلت أيضاً على أن الله تعالى قد أشهدهم خلق كل شيء.
كما دلت الروايات أيضاً على أن السيدة الزهراء (عليها السلام) كانت تحدث أمها وهي في بطنها، قبل أن تولد.. وثمة روايات كثيرة أخرى تبين مكانها وموقعها (عليها السلام).
وذلك كله يفرض علينا أن نقول: إنها (عليها السلام) كانت عارفة بمن يهبها الله إياه. وبما له (عليه السلام) من مقام عنده تعالى..
2ـ إن معرفتنا بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، تفرض علينا أن نقول ايضاً: إنها (عليها السلام) لا ترد هبة وهبها الله سبحانه إياها، وخيرة اختارها الله تعالى لها، بل هي تتقبلها شاكرة راضية، خصوصاً مع ملاحظة أنه لم يقل (صلى الله عليه وآله) لها: إنه تعالى يريد أن يهبك غلاماً.. ليمكن احتمال أن يكون رضاها شرطاً في فعلية الهبة. بل قال: إن الله قد وهبها، وانتهى الأمر..
3ـ إن السيدة زينب (عليها السلام) قالت لابن زياد، بعد قتل أخيها الإمام الحسين (عليه السلام): رضا الله رضانا أهل البيت.. فهل من المعقول أن لا ترضى السيدة الزهراء (عليها السلام) أيضاً ـ وهي أفضل من السيدة زينب ـ بما يرضاه الله تعالى لها ولولدها؟!..
4ـ إن الملاحظ هو أن الرواية الواردة في السؤال، لم تبين سبب قتل الأمة لذلك المولود الطاهر، وأنه يقتل ظلماً وعدواناً، وأن قتله يوجب حفظ الدين، وصيانة العقيدة، وأنه سيكون ما يجري عليه موجباً لرفعة درجاته..
نعم، إن كل ذلك وسواه لم توضحه الرواية المذكورة، ولا سألت عنه السيدة الزهراء (عليها السلام)، فإن كانت تعلم بذلك كله ـ كما هو المفروض ـ فقد كان عليها أن ترضى بهدية الله تعالى لها، وإن كانت لا تعلم به، فقد كان عليها أن تسأل عنه..
وقد حاول بعض الإخوة الأكارم أن يقول:
إن قول السيدة الزهراء (عليها السلام): «لا حاجة لي فيه»، لا يعني رفضها للمولود، والردّ للهبة الإلهية، بل هو يعني أنها من ناحية كونها أنثى، وأم ليست بحاجة، إلى مولود يبتلى بهذا الأمر العظيم، وهو القتل.. ولكن حينما تكون هناك مصلحة للدين، وللإسلام، بسبب صيرورة هذا المولود، محلاً للإمامة، وأباً للأئمة، فإنها ترضى بذلك، لأن فيه أعظم خدمة للدين.. لا لأنها تحتاج إلى الأبناء، في تجسيد حالة الأمومة، التي هي مطلب كل أنثى..
وقد يمكن تأكيد هذا الأمر من خلال نقطة أشار إليها بعض الإخوة أيضاً، وهي:
أن الرواية تقول: إن الأمة هي التي تقتل هذا المولود، ولم تقل: إن الناس هم الذين يقتلونه، وهذا معناه: أن ترتكب أمته (صلى الله عليه وآله)، جرماً عظيماً تستحق معه سخط الله سبحانه وتعالى.. والنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) هم أرأف الناس بهذه الأمة، وأشدهم رحمة لها حتى لقد قال الله تعالى لرسوله في أمر أهل الشرك:﴿ … فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ … ﴾ 2.. كما أن الإمام الحسين (عليه السلام)، قد بكى حتى على قاتليه في يوم عاشوراء..
فكان من الطبيعي أن يكون الترجيح منهم (صلوات الله وسلامه عليهم)، هو لجانب تجنيب الأمة أمراً عظيماً كهذا، وذلك من موقع الرحمة بها، والمحبة لها..
أما نحن، فنقول:
إننا في ضوء ما ذكره هؤلاء الإخوة نبقى بحاجة إلى تلمّس اجابة صحيحة عن تلك الملاحظات التي قدمناها..
ولأجل ذلك: فإننا لابد أن نزيد الأمر توضيحاً بالإشارة إلى أن الهبة الإلهية إنما تتنجز، وتصبح فعلية التحقق بشرط قبول السيدة الزهراء (عليها السلام) لها، وإحساسها بالحاجة إليها، وأضافت بعض الروايات أيضاً، ان الأمر الذي جرى للزهراء (عليها السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله)، قد جرى للنبي (صلى الله عليه وآله) مع علي (عليه السلام)، وللنبي (صلى الله عليه وآله) مع جبرئيل (عليه السلام) قبل ذلك 3.
مما يعني: أن ثمة حاجة إلى احساس النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) أيضاً، بالحاجة إلى هذا المولود، وطلبهما له، فإذا تحقق ذلك جاء الفيض والعطاء الإلهي.. وهذا معناه أن القرار الإلهي بإعطاء هذا المولود، متوقف على هذه الأمور، أي أن الله لم يعط السيدة الزهراء (عليها السلام)، مولوداً ثم رفضته، بل قد أخبرها النبي (صلى الله عليه وآله)، أنها إذا أرادت ذلك أعطاها، وإن لم ترد، فالأمر يعود إليها..
ثم نحتاج إلى توضيح آخر، هو:
أن ما تضمنته هذه الرواية قد يكون جارياً وفق الظواهر التي كانت هي ملاك تعاملهم (عليهم السلام)، مع الناس، ولا تدخل في سياق ما لهم (عليهم السلام) من علوم خاصة، وحالات ومقامات عند الله..
إذ إن لهم (عليهم السلام) حالتين:
إحداهما: تعاملهم مع ربهم وهذا إنما يتم وفق مقتضيات الحقائق الواقعية، ويرتكز إلى العلم الذي منحهم الله إياه، لاقتضاء مقاماتهم وحالاتهم له..
الثانية: تعاملهم مع الناس، وهو يرتكز إلى الوسائل العادية التي تقع في متناول أيدي البشر، وفي دائرة اختيارهم.. بحيث يكون مع الناس ومع المحيط الذي هم فيه خارج هذه الدائرة استثناء يأتي في سياق إثبات مقام الإمامة والنبوة ليعيدوا للناس توازنهم، من خلال فتح أعينهم على الواقع. وعلى موقعهم منه، ودورهم فيه..
فيمكن افتراض أن يكون ما جاء في الرواية التي وردت في السؤال، داخل دائرة هذه الحالة الثانية.
ولعل مما يشير إلى ذلك أن بعض نصوص هذه الرواية تذكر: أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قد أرسل إلى فاطمة يخبرها بأمر هذا الحمل الذي تقتله الأمة. وأن هذا الأمر قد تكرر ثلاث مرات 4.
فلو لم يكن المراد توجيه هذا الخطاب للأمة في أمر الإمامة الذي هو أخطر وأمر.. لكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد بادر إلى مخاطبة ابنته بصورة مباشرة وبدون ارسال هذا الكلام إليها مع رسول الله، كما أن تكرار الإرسال لها ثلاث مرات، يزيد من وضوح هذا الأمر، وتأكيد ما نقوله فيه..
ولو أردنا أن نتجاوز هذا التفسير للرواية، فإننا سنبقى مطالبين بالإجابة على النقاط الأربع التي ذكرناها في أول كلامنا، خصوصاً بالنسبة لسبب عدم معرفة السيدة فاطمة (عليها السلام) بأمر الإمام الحسين (عليه السلام)، وبأنه من أولادها، وبأنه سوف يقتل وبغير ذلك من أمور، مع أنها كانت في جملة الأنوار المحدقة بالعرش قبل خلق النبي آدم (عليه السلام)، وكانت مع سائر أهل البيت (عليهم السلام) تحت قبة العرش، حيث يكون الإشراف والهيمنة على المخلوقات، وحيث عرش المعرفة والقدرة..
هذا فضلاً عن روايات كثيرة دلت على أن الله تعالى أشهدها خلق كل شيء، وسائر ما يدل على مقامها العظيم عند الله، وعلى فرض طاعتها على المخلوقات مما يجده المتتبع في الكتب المؤلفة في فضائلها (صلوات الله وسلامه عليه)، ومنها على سبيل المثال كتاب: «فاطمة بهجة قلب المصطفى» للشيخ أحمد الرحماني الهمداني، وغيره..
ولو لم نلتزم بهذا البيان فإنني شخصياً أعترف بعجزي عن فهم مضمون هذه الرواية، وأرى أن من واجبي أن أرد علمها إلى أهلها، طاعة مني، والتزاماً بما أمرونا به صلوات الله عليهم في الموارد التي من هذا القبيل..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين 5..
- 1. راجع: إكمال الدين وإتمام النعمة ص416 و417 والإمامة والتبصرة ص50 وعلل الشرائع ج1 ص205 والبحار ج25 ص260.
- 2. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 8، الصفحة: 435.
- 3. راجع تفسير البرهان وتفسير نور الثقلين، في تفسير قوله تعالى:﴿ … حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا … ﴾ .
- 4. راجع تفسير البرهان وتفسير نور الثقلين، في تفسير قوله تعالى:﴿ … حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا … ﴾ .
- 5. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الخامسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (258).