نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين..وبعد..
فقد ورد علينا سؤال حول تزويج بنات النبي (صلى الله عليه وآله) من عثمان بن عفان، وهو سؤال طويل، نذكر فقراته فيما يلي واحدة واحدة، ثم نجيب عليها، فنقول: قد ذكر في السؤال أمور عديدة تحتاج إلى بيان وأيضاح، ونحن نذكرها، ونوضح ما يحتاج منها إلى توضيح على النحو التالي:
الجواب:
ألف: قد ذكر: أن علياً (عليه السلام) قال لعثمان: «أنت أولى من الخلفاء بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وسنته، لقرابتك ولصهرك الخ.. وهو قوله عليه السلام: وقد نلت من صهره ما لم ينالا..» 1.
وذلك معناه: أن عثمان قد صاهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ابنتيه..
وجواب ذلك: أنه إذا ثبت أنه لم يكن للرسول (صلى الله عليه وآله) بنات سوى فاطمة.. فلا بد من حمل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما يتلاءم مع هذه الحقيقة، فيقال: إنه إذا كانت رقية وأم كلثوم ربيبتين لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويطلق على ربيبة الرجل: أنها ابنته، فمن يتزوج تلك الربيبة يصح أن يقال: إنه صهر لذلك الرجل.
ولذلك قال (عليه السلام): إن عثمان قد نال بذلك أمراً لم ينله الآخران من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنهما لم يتزوجا ابنته الحقيقية، ولا ابنته بالتبني.
ب: قد جاء في السؤال: إنه قد ورد في الكتاب رقم 28 في نهج البلاغة قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لم يمنعنا قديم عزنا، ولا عادي طولنا على قومك: أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك».
ونقول في الإجابة عنه:
أولاً: إن ذلك لا يدل على تزوج عثمان بابنتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الحقيقة، فإن قبيلة بني هاشم قبيلة ليست قليلة العدد، وكذلك قبيلة بني أمية.. وقد كان التزاوج بين القبيلتين موجوداً، وقد كان أبو لهب زوجاً لحمالة الحطب، وهي أخت أبي جهل الأموي وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعائشة وحفصة، وأم حبيبة، وهي بنت أبي سفيان. ولم يسجل التاريخ بالتفصيل كل من تزوج من هاتين القبيلتين، وأسماء من تزوج بهن.
فلعله قد كان في بني أمية جماعة مؤمنون صالحون، كخالد بن سعيد بن العاص وولده أبي حذيفة.. قد تزوجوا من هاشميات. وكذلك العكس.
ثانياً: بالنسبة للكفاءة في النكاح، فإن ظاهر الإسلام هو المعيار، وعليه المدار فيها وفي سائر الأحكام الظاهرية، ولا يجب التفتيش عن الباطن إلا إذا ظهرت أمارات تقتضي سقوط هذا الظاهر عن الاعتبار.
فلعل الإمام يتحدث عن هذه الحالة، فلا يدل على أنه يجوز ذلك حتى بعد ظهور ما يقتضي سقوط الظاهر، كما هو الحال بالنسبة لعثمان، حيث يتهم عثمان بقتل رقية, وبأنه التحف بجاريتها في ليلة وفاتها حتى حرمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حضور دفنها.. فمن يكون هذا فعله، كيف يزوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته الثانية كما يدعون؟!..
إلا إذا كانت تلك البنت ربيبة للرسول (صلى الله عليه وآله) وقد اختارت هي لنفسها من شاءت.
ج ـ وقد ذكر في السؤال وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) بني مخزوم، بأنهم ريحانة قريش، تحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم. ووصف بني عبد شمس بأنهم أبعد قريش رأياً، وأمنعها لما وراء ظهورها..
ثم قال: هم أكثر وأمكر، وأنكر. ونحن أفصح وأنصح وأصبح..
ونقول: إن ما ذكره عن بني مخزوم هو أشبه بالذم منه بالمدح.. فإن كونهم يعيشون حالة الرفاهية والنعيم، ولديهم حلاوة لسان. وصلاحية نسائهم للنكاح.. ليس فيه أية فضيلة روحية وإنسانية لهم، ولا هو (عليه السلام) يشير بذلك إلى أدب إنساني، أو أخلاق رصينة، أو شرف نفس، أو كرم، أو شمم..
أما ما وصف به بني عبد شمس فقد يقال: إنه يقصد به أن رأيهم بعيد عن إصابة الحق، لأنهم قد حاربوا الإسلام، ولا يزالون يحاربونه، وهم أبعد الناس عنه وعن الالتزام بتعاليمه، وعن إدراك حقائقه.
أو يقصد به أنهم أبعد الناس رأياً من حيث إنهم يخططون للوصول إلى أهدافهم، وحفظ ما في أيديهم، ولا تفاجئهم الأمور، بل هم قد أعدّوا أنفسهم لمواجهة كافة الاحتمالات، حتى لو كان ما يسعون إليه، أو يفكرون فيه، أو يسعون للحفاظ عليه والإمساك به هو من الأمور الشيطانية التي يبغضها الله سبحانه وتعالى ويمقتها..
كما أنهم أشد الناس دفاعاً عن دنياهم هذه التي يحبونها، وأمنع الناس لما وراء ظهورهم مما جمعوه من حطامها.
ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام): هم أكثر وأنكر وأمكر..
ثم قوله: ونحن أفصح وأصبح وأنصح..
ومن الواضح: أن ذلك لا يتضمن مدحاً، بل هو إلى القدح أقرب، وبه أنسب.
ويؤيد ذلك: أن علياً (عليه السلام) لا يريد أن يفاخر بني عبد شمس على طريقة أهل الجاهلية. فإنه (عليه السلام) لا يمكن أن يسلك هذا السبيل، فلا بد من حمل كلامه (عليه السلام) على ما بعد الإسلام.. وذلك يقتضي أن يكون كلامه منطبقا على حالتهم الفعلية في زمنه (عليه السلام) وليست هي سوى ما ذكرناه..
فاتضح: أن ما أثبته لهم هذا النص من امتيازات لا يعتبر فضيلة لهم، بقدر ما يعبر عن سوء باطنهم، وشدة بغيهم، وعظيم مكرهم وفجورهم..
د وأما بالنسبة لزواج الإمام الحسن (عليه السلام) ببنت الأشعث، وزواج الإمام الجواد (عليه السلام) ببنت المأمون. فهو خاضع لظروف معينة فرضت نفسها على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تماما كما كان الحال بالنسبة لزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بأم حبيبة تارة، وبميمونة بنت الحارث أخرى، وبعائشة، وبحفصة ثالثة..
وأما تزويج عمر ببنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد بحثناه في وقت سابق، ليكون جواباً على سؤال وردنا حول هذا الموضوع وأثبتنا في ذلك البحث أنه كان زواجاً مفروضاً، وسننشر هذا البحث بصورة أكثر تفصيلاً في كتاب مستقل عن قريب إن شاء الله تعالى.. 2.
- 1. نهج البلاغة، الخطبة رقم 164.
- 2. مختصر مفيد.. (أسئلة و أجوبة في الدين والعقيدة)، للسيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الأولى» المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (41).