نص الشبهة:
ادعت كتب الشيعة ان الائمة كانت تنكر كل حديث يرويه امام من ائمة العامة ، وان موسى بن جعفر قد انكر كل حديث رواه مالك امام المذهب ، إلى ان قال : وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف اهل السنة والجماعة الخ .
الجواب:
ان الشيعة ترى ان الكذب على ائمة اهل البيت كالكذب على الله ورسوله ، موبقة توجب دخول النار وهو عندهم من مفطرات الصائم في شهر رمضان ، وحديثهم وفقههم صريحان بذلك ، فثقاتهم لا يتهمون في النقل عن ائمتهم ابدا ، على ان فيهم من الورع والعبقرية ما يسمو بهم عن كل دنية ، وإذا كانت ائمة العترة الطاهرة تنكر حديث من ذكرهم موسى جار الله فما ذنب الشيعة ؟ وقد بلغه القدح في ائمته عن كثير من سلفه الصالح 1 فلم يره شيئا نكرا ، بل لعله يوسع الجارحين عذرا ، فلما بلغه بعض الشئ عن ائمة اهل البيت مزق كل فروة ، وجب كل ذروة .
والامام الكاظم اعرف الناس بمالك ، كانا في بلد واحد ، وعصر واحد ، وقد انتهى إليه ميراث السنن عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وتصافق الناس على علمه وورعه ، وزهده وكظمه الغيظ ، وتجاوزه عمن اساء إليه ، وانقطاعه إلى الله مخلصا له في العبادة ، ناصحا لعباده في الارشاد والافادة ، فكان الواجب ان يستغرب الناس من الامام مالك عدم سماعه منه ، فان الموطأ خلو من حديثه عليه السلام 2 .
واغرب من هذا ان مالكا كان لا يروي عن الامام الصادق على ما قيل 3 حتى يضم إليه احد ، والشيخان كلاهما لم يخرجا شيئا عن الكاظم ، ولا عن الرضا ، ولا عن الجواد ، ولا عن الهادي، ولا عن الزكي الحسن العسكري 4 ولا عن الحسن بن الحسن ، ولا عن الشهيد زيد بن علي بن الحسين ، ولا عن يحيى بن زيد ، ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط ، ولا عن اخيه ابراهيم بن عبد الله ، ولا عن الحسين شهيد فخ ، ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، ولا عن عن اخيه ادريس ابن عبد الله ، ولا عن محمد بن جعفر الصادق ، ولا عن محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا ، ولا عن اخيه القاسم الرسي ، ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن علي ، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الاشرف ابن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصر للبخاري ، ولا عن غيرهم من اعلام العترة الطاهرة ، كعبد الله بن الحسن ، وعلي بن جعفر العريضي ، واخويه اسماعيل بن جعفر واسحاق ابن جعفر ، وغيرهما من ثقل رسول الله ، وبقيته في امته ، صلى الله عليه وآله ، حتى انهما لم يرويا شيئا من حديث سبطه الاكبر وريحانته من الدنيا الامام ابي محمد الحسن المجتبى سيد شباب اهل الجنة .
نعم رووا اباطيل مختلقة افتراء على الامام زين العابدين وسيد الساجدين عن ابيه سيد الشهداء وخامس اصحاب الكساء وانا أتلو عليك ما أخرجه البخاري من ذلك ، فأقول : اخرج هذا الشيخ 5 عن الزهري من طريقين ، قال : اخبرني علي ابن حسين ، ان حسين بن علي ، اخبره ان علي بن ابي طالب ، قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله طرقه وفاطمة ، فقال لهم : الا تصلون ؟ فقال علي : يا رسول الله انما انفسنا بيد الله فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال له ذلك ولم يرجع إليه شيئا ، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه ، وهو يقول : وكان الانسان اكثر شئ جدلا .
واخرج الشيخ البخاري عن الزهري ايضا 6 قال : اخبرنا علي بن حسين ، ان حسين بن علي ، اخبره ان عليا قال : كان لي شارفان من نصيبي من المغنم يوم بدر ، فلما أردت ان ابتني بفاطمة ( عليها السلام ) واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع ان يرتحل معي فنأتي بأذخر فأردت ان أبيعهما من الصواغين فنستعين بذلك على وليمة عرسي ، فبينا انا اجمع لشارفي من الاقتاب والغرائر والحبال ، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الانصار ، حتى جمعت ما جمعت ، فإذا انا بشارفي قد اجبت اسنمتهما ، وبقرت خواصرهما ، واخذ من اكبادهما ، فلم املك عيني حين رأيت المنظر ، قلت : من فعل هذا ؟ قالوا : حمزة وهو في هذا البيت في شرب من الانصار ، عنده قينة واصحابه ، فقالت القينة في غنائها : ألا يا حمز للشرف النواء ، فوثب حمزة إلى السيف فاجب اسنمتهما وبقر خواصرهما واخذ من اكبادهما ، قال علي . فانطلقت حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وعنده زيد بن حارثة ، وعرف النبي الذي لقيت فقال : مالك ؟ فقلت : يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب اسنمتهما وبقر خواصرهما ، وها هو ذا في بيت معه شرب ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فطفق النبي يلوم حمزة فيما فعل ، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه ، فنظر إلى النبي ، ثم صعد النظر ، فنظر إلى ركبتيه ، ثم صعد النظر ، فنظر إلى وجهه ، ثم قال حمزة : وهل انتم الا عبيد لابي الحديث .
قلت : هذا هو العلم الذي يؤثره البخاري عن علي بن حسين عن حسين بن علي عن علي بن ابي طالب ، وكأنه ما صح لديه عنهم سوى ان اخا الرسول وبضعته الزهراء البتول كانا ينامان عن الصلاة ، وان هارون هذه الامة وابا شبرها وشبيرها ومشبرها كان اكثر شئ جدلا ، وان سيد الشهداء اسد الله واسد رسوله الذي خصه بسبعين تكبيرة عند الصلاة عليه كان يشرب الخمر ، ويأكل الميتة من يد القينة ، ويقول الهجر والكفر ، نعوذ بالله من هذه الأضاليل ، والله المستعان على هذه الاباطيل ، وقد استوفينا الكلام عليها في كتابنا ـ تحفة المحدثين ـ بما لا مندوحة للباحثين المدققين عن الوقوف عليه ، واني والله لا عجب من الشيخ البخاري يروي عن الف ومئتين من الخوارج 7 ويحتج باكثر من مئة مجهول 8 ويعتمد على كثيرين ممن سبق الطعن بهم 9 كعكرمة البربري الخارجي ، واسماعيل بن اويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو ابن مرزوق ، وامثالهم ويصحح حديث المرجئة والقدرية ، ولا تأخذه لومة لائم في الاحتجاج بمروان بن الحكم ، والمغيرة ابن شعبة ، ومعاوية الاموي ، وعمرو بن العاص ، وامثالهم ولا يخجل من الاحتجاج بعمران بن حطان داعية الخوارج وزعيمهم ، وهو القائل في شقيق عاقر الناقة أشقى الآخرين ابن ملجم المرادي ، وضربته لأخي النبي ووليه ، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى :
يا ضربة من تقي ما أراد بها *** الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
اني لاذكره يوما فاحسبه *** اوفى البرية عند الله ميزانا
ثم يعرض عن سبط رسول الله الاكبر ، وريحانته من الدنيا الحسن بن علي امام الامة وسيد شباب اهل الجنة ، وعن الصادقين من اهل البيت ، وهم اعدال الكتاب ، وسفينة النجاة وباب حطة وامان هذه الامة 10 .
لكم ذخركم ان النبي وآله *** وحزبهم ذخري إذا التمس الذخر
واما قول هذا الرجل : وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف اهل السنة والجماعة .
فجوابه : انه عليه السلام إذا استفتاه من يعرفه بالعمل بهديه يفتيه بما عنده من ذلك ، وإذا استفتاه من يعرفه باتباع غيره اجابه بما جاء عنهم ، وإذا سأله من لا يعرفه ، قال في
الجواب : جاء عن فلان كذا ، وعن فلان كذا ، فيذكر في الاثناء مذهب اهل البيت في المسألة . هذه طريقته ، وربما كانت طريقة غيره من ائمة اهل البيت ، وقد قال عليه السلام لمعاذ بن مسلم الهراء 11 ” بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس ، قال : نعم وأردت ان اسألك عن ذلك قبل ان اخرج اني اقعد في المسجد فيجئ الرجل فيسألني عن الشئ فإذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون ، ويجئ الرجل اعرفه بمودتكم وحبكم فاخبره بما جاء عنكم ، ويجئ الرجل لا اعرفه ولا ادري من هو ، فاقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فادخل قولكم فيما بين ذلك ، فقال لي : اصنع كذا فاني كذا اصنع ” . اه .
قلت : وحيث كان من سيرته عليه السلام هذا الصنع روى الناس عنه في المسائل الخلافية احكاما متعارضة ، فالتبست بعد ذلك على اوليائه فسألوه عنها ، فكان مضمون جوابه : ان ما كان منها موافقا للعامة فانما قلته له كي يأخذوا بمذهبهم ، وما كان منه مخالفا لهم فانما قلته بيانا للحقيقة كي يأخذ به المقتدون بنا .
وهذا كل ما عندنا من العمل بالاخبار المتعارضة الصحيحة إذا لم يكن شئ منها مؤيدا بآية من كتاب الله عزوجل ، وفيه من احترام مذاهب المسلمين كافة ما لا يخفى على أولي الالباب ، لكن منينا بموسى جار الله واضرابه ممن لا يفقهون ، فانا لله وانا إليه راجعون .
لا اشك ان موسى جار الله رأى عمر بن قيس ـ وهو من اعلام اهل السنة واعيان التابعين ـ يقول 12 : من اراد الحق فليأت الكوفة فلينظر ما قال ابو حنيفة واصحابه فليخالفهم . اه .
أو رأى عمار بن زريق ـ وهو من اعلام التابعين وشيوخ اهل السنة ايضا ـ يأمر ابا الجواب فيقول له : خالف أبا حنيفة فانك تصب . اه .
أو رأى عمار بن زريق المذكور يقول : إذا سئلت عن شئ فلم يكن عندك شئ ، فانظر ما قال ابو حنيفة فخالفه ، فانك تصب . اه .
أو راى ابن عمار يقول : إذا شككت في شئ فنظرت إلى ما قال أبو حنيفة فخالفته ، كان هو الحق فان البركة في خلافه ، أو راى غيرهم من امثالهم ، ينسجون في هذا القول على منوالهم فظن ان الصادق عليه السلام انما يرمي إلى هذا الغرض ﴿ … يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ … ﴾ 13 14 .
- 1. كما بيناه مفصلا في جواب المسألة السادسة فراجع من هذه الرسالة ص 48 وما بعدها .
- 2. والامام الشافعي كان ايضا معاصرا للكاظم فلم يرو عنه ، ومسنده كموطأ مالك خلو من حديثه عليه السلام .
- 3. راجع احوال جعفر الصادق من ميزان الذهبي . اما البخاري فلم يرو في صحيحه عن الصادق شيئا .
- 4. وكان معاصرا للبخاري وقد توفي عليه السلام بعد وفاة البخاري بأربع سنين .
- 5. في باب قوله تعالى : وكان الانسان اكثر شئ جدلا من اواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة قبل انتهائه بورقتين تقريبا فراجع ص 176 من الجزء الرابع من الصحيح .
- 6. في كتاب المغازي ص 8 من الجزء الثالث من صحيحه .
- 7. كما نص عليه سيدنا الامام ابو محمد الحسن بن الهادي الصدر الموسوي العاملي الكاظمي في كتابه نهاية الدراية وتصدى لذلك ابن حجر صاحب المصالت وعبد الحق الدهلوي شارح مشكاة المصابيح وغيرهما من اعلام اهل السنة .
- 8. نص على ذلك ابن يسع في كتابه معرفة اصول الحديث وهو من فحول علماء اهل السنة .
- 9. نص على ذلك من اهل السنة ابن الصلاح في مقدمته المعروفة باصول الحديث .
- 10. لنا هنا كلام لا يستغني عنه المدققون اودعناه في كتابنا تحفة المحدثين .
- 11. هو ابو مسلم النحوي الكوفي واضع علم الصرف كان من اصحاب الصادق المبرزين في شيعته ذكره ابن خلكان فقال : قرأ عليه الكسائي وروى عنه وحكيت عنه في القراآت حكايات كثيرة وصنف في النحو كثيرا وكان يتشيع قلت : وقد ذكرنا احواله على سبيل التفصيل في كتابنا مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام .
- 12. فيما اخرجه عنه الخطيب في ترجمة ابي حنيفة ص 407 من المجلد 13 من تاريخ بغداد فراجعه وراجع هناك ما اخرجه عن عمار بن زريق وابنه وغيرهما .
- 13. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 23، الصفحة: 526.
- 14. أجوبة مسائل جار الله ، بقلم سماحة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، الطبعة الثانية 1373 ه مطبعة العرفان ـ صيدا . 1953 م ، ص 67 ـ 75 ، المسألة الثامنة .