نور العترة

زين العابدين و سيد الساجدين …

أَتَتْ فَاطِمَةُ 1 بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام إِلَى جَابِرِ 2 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حُقُوقاً، وَ مِنْ حَقِّنَا عَلَيْكُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدَنَا يُهْلِكُ نَفْسَهُ اجْتِهَاداً أَنْ‏ تُذَكِّرُوهُ اللَّهَ وَ تَدْعُوهُ إِلَى الْبُقْيَا 3 عَلَى نَفْسِهِ، وَ هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بَقِيَّةُ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ قَدِ انْخَرَمَ أَنْفُهُ 4 وَ نُقِبَتْ جَبْهَتُهُ 5 وَ رُكْبَتَاهُ وَ رَاحَتَاهُ، أَذَابَ نَفْسَهُ فِي الْعِبَادَةِ!
فَأَتَى جَابِرٌ إِلَى بَابِهِ وَ اسْتَأْذَنَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي مِحْرَابِهِ قَدْ أَنْصَبَتْهُ 6 الْعِبَادَةُ، فَنَهَضَ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ سُؤَالًا خَفِيّاً أَجْلَسَهُ بِجَنْبِهِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ جَابِرٌ يَقُولُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ لَكُمْ وَ لِمَنْ أَحَبَّكُمْ وَ خَلَقَ النَّارَ لِمَنْ أَبْغَضَكُمْ وَ عَادَاكُمْ فَمَا هَذَا الْجَهْدُ الَّذِي كَلَّفْتَهُ نَفْسَكَ؟!
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: “يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ فَلَمْ يَدَعِ الِاجْتِهَادَ وَ تَعَبَّدَ هُوَ بِأَبِي وَ أُمِّي حَتَّى انْتَفَخَ السَّاقُ وَ وَرِمَ الْقَدَمُ، وَ قِيلَ لَهُ: أَ تَفْعَلُ هَذَا وَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ؟! قَالَ أَ فَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ جَابِرٌ وَ لَيْسَ يُغْنِي فِيهِ قَوْلُ قَائِلٍ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ الْبُقْيَا عَلَى نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مِنْ أُسْرَةٍ بِهِمْ يُسْتَدْفَعُ الْبَلَاءُ وَ تُسْتَكْشَفُ اللَّأْوَاءُ 7 وَ بِهِمْ تُسْتَمْسَكُ السَّمَاءُ.
فَقَالَ: “يَا جَابِرُ لَا أَزَالُ عَلَى مِنْهَاجِ أَبَوَيَّ مُؤْتَسِياً بِهِمَا حَتَّى أَلْقَاهُمَا.
فَأَقْبَلَ جَابِرٌ عَلَى مَنْ حَضَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا رُئِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَّا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَ اللَّهِ لَذُرِّيَّةُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ ذُرِّيَّةِ يُوسُفَ 8.

  • 1. فاطمة بنت الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام و أمها أم ولد ، رافقت هي و زوجها الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف فسُبيت مع السيدة زينب و سائر السبايا ، توفيت سنة : 117 هجرية .
  • 2. جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضوان الله عليه ): هو أبو عبد الله، جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري ، صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه و آله و شهد بدراً و ثماني عشرة غزوة مع النبي، و صَحِبَ الإمام أمير المؤمنين علي عليه السَّلام و شهد معه وقعة صِفِّين، و كان من شرطة خميسه.
  • 3. البقياء: الاسم من ابقيت عليه ابقاء إذا رحمته و اشفقت عليه ، و منه الحديث: “النار لا تبقي على من تضرع إليها” اي لا ترحمه.
  • 4. الانخرام: انشقاق وترة الانف و في الكلام كناية عن شدة المشقة.
  • 5. نقبت جبهته: اي تخرقت.
  • 6. أي اتعبته و أعيته.
  • 7. اللأواء: الشدة و المحنة.
  • 8. مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 4 / 148، للعلامة المُحدِّث رشيد الدين محمد بن شهر آشوب المازندراني، المولود سنة: 489 هجرية بمازندران/إيران، و المتوفى سنة: 588 هجرية بحلب/سوريا، طبعة مؤسسة العلامة للنشر، قم/إيران، سنة: 1379 هجرية.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى