۱ ـ خَطَبَها كبار الصحابة فردّهم النبي صلّى الله عليه وآله !
روت مصادر الجميع أنّ أبا بكر وعمر وغيرهما خطبا الزهراء فردّهم النبيّ صلّى الله عليه وآله.
ففي الطبقات : ۱۹ / ۸ : « أنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي (ص) فقال : يا أبا بكر أنتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر : ردّك يا أبا بكر. ثمّ إنّ أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة إلى النبي (ص) فخطبها فقال له مثلما قال لأبي بكر : أنتظر بها القضاء ، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره فقال : له ردّك يا عمر » !
وفي تذكرة الخواص / ۲۷٦ ، عن أحمد في الفضائل : « فقال رسول الله : إنّها صغيرة وإنّي أنتظر بها القضاء ، فلقيه عمر فأخبره ، فقال : ردّك ، ثمّ خطبها عمر فردّه ».
وفي سنن النسائي : ٦۲ / ٦ : « فقال رسول الله : إنّها صغيرة فخطبها علي فزوّجها منه ».
وفي مجمع الزوائد : ۲۰٤ / ۹ ، عن الطبراني الكبير : ٤۰۸ / ۲۲ ، ووثقه : « خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال النبي : هي لك يا علي ». وفيه : « فسكت عنه أو قال : فأعرض عنه ».
وفي المناقب : ۱۲۲ / ۳ : « اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وأمّ سلمة ، بألفاظ مختلفة ومعان متّفقة ، أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلّى الله عليه وآله مرّة بعد أخرى فردّهما …
وروى ابن بطة في الإبانة أنّه خطبها عبد الرحمن فلم يجبه. وفي رواية غيره أنه قال : بكذا من المهر ، فغضب صلّى الله عليه وآله ومدّ يده إلى حصى فرفعها فسبحت في يده ، وجعلها في ذيله فصارت درّاً ومرجاناً ، يعرض به جواب المهر .. ».
وفي الصحيح من السيرة : ۲۷۰ / ٥ : « وقد عاتب الخاطبون النبي صلّى الله عليه وآله على منعهم وتزويج علي عليه السلام ، فقال صلّى الله عليه وآله : والله ما أنا منعتكم وزوّجته بل الله منعكم وزوّجه ! وقد ورد عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال : لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ ».
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : ۲۰۳ / ۲ : « عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا علي لقد عاتبتني رجال قريش في أمر فاطمة ، وقالوا : خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجت عليّاً ؟! فقلت لهم : والله ما أنا منعتكم وزوّجته بل الله تعالى منعكم وزوّجه ! فهبط عليَّ جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد إنّ الله جلّ جلاله يقول : لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض ، آدم فمن دونه » ! وروضة الواعظين / ۱٤٦ ، و مناقب آل أبي طالب : ۲۹ / ۲ ، وينابيع المودة : ۲٤٤ / ۲ ، عن فردوس الأخبار للديلمي عن أمّ سلمة ، وكذا كشف الغمة : ۱۰۰ / ۲ ، ونقل منه أيضاً ، عن ابن عبّاس قال النبي صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي إن الله عزّ وجلّ زوّجك فاطمة ، وجعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضاً لها مشى حراماً ».
ورد الشريف المرتضى روايتهم بأن عليّاً عليه السلام آذى فاطمة عليها السلام فقال : « إنّ الله تعالى هو الذي اختار عليّاً لفاطمة ، فكيف يختار لها من يؤذيها ويغمها » ! [ الشافي : ۲۷۷ / ۲ ].
۲ ـ تولّى الله أمر فاطمة عليها السلام دون أبيها صلّى الله عليه وآله
النبي صلّى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، لكن لا ولاية له على ابنته الزهراء عليها السلام ! فقد علّل النبي صلّى الله عليه وآله ردّه لمن خطبها غير علي عليه السلام بأنّ أمرها لله تعالى وليس له !
وفي الكافي : ٥٦۸ / ٥ ، بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّما أنا بشر مثلكم أتزوّج فيكم وأزوّجكم ، إلّا فاطمة ، فإنّ تزويجها نزل من السماء ».
وفي كشف الغمة : ۳٦۳ / ۱ ، من كلام أبي بكر قال : « قد خطبها الأشراف من رسول الله (ص) فقال : إنّ أمرها إلى ربّها ، إن شاء أن يزوّجها زوجها ». انتهى.
وهذا يدلّ على أحد أمرين لا ثالث لهما : فإمّا أن تكون الزهراء منذورة لله تعالى كمريم صلّى الله عليه وآله ، وإمّا أن يكون الله تعالى أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يترك أمرها له ! وهذا مقام عظيم لم يبلغه قبلها رجل ولا امرأة!
وقد حاول بعضهم أن ينتقص من مقام الزهراء عليها السلام ويعمّم هذه الفضيلة لكلّ بنات النبي صلّى الله عليه وآله أو ربيباته ، فروى الحاكم : ٤۹ / ٤ ، أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : « ما أنا أزوج بناتي ولكن الله تعالى يزوّجهن ».
لكن النبي صلّى الله عليه وآله زوّج زينب وأم كلثوم ولم يقل إنّ أمرهنّ لله تعالى وليس له !
ويشبه عملهم هذا ما رواه الحاكم : ۲۰۱ / ۲ ، وصحّحه على شرط الشيخين ، عن عروة عن خالته عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال عن ابنته زينب : « هي أفضل بناتي أصيبت فيَّ. فبلغ ذلك علي بن الحسين فانطلق إلى عروة فقال : ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه حقّ فاطمة عليها السلام ؟ فقال : والله ما أحبّ أن لي ما بين المشرق والمغرب وأنّي أنتقص فاطمة حقّاً هو لها ! وأمّا بعد ، فلك أن لا أحدّث به أبداً. قال عروة : وإنّما كان هذا قبل نزول آية : وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ .. ».
يقصد عروة أن زينب ربيبة النبي صلّى الله عليه وآله وليست بنته ، ويعتذر عن خالته عائشة بأنّها قالت إنّ النبي صلّى الله عليه وآله عبّر عنها بابنته قبل نزول النهي عن تحريم النسبة بالتبني.
۳ ـ عرس الزهراء عليها السلام أعظم عرس في تاريخ الأنبياء عليهم السلام
أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يزوّج فاطمة من علي عليهما السلام ويحتفل بعرسها ، وكأنّه لا بنت له غيرها ! وروى الجميع وصحّحوه نزول جبرئيل عليه السلام بأمر الله تعالى بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ، فعن ابن مسعود وأنس قال : « كنت قاعداً عند النبي (ص) فغشيه الوحي فلما سُرِّيَ عنه قال : أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قلت : بأبي وأمّي ! وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قال : إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ». [ تاريخ دمشق : ۱۳ / ۳۷ ، ونحوه كبير الطبراني : ۱٥٦ / ۱۰ ، والزوائد : ۲۰٤ / ۹ ، والمناقب لابن مردويه / ۱۹٦ ، والجامع الصغير : ۲٥۸ / ۱ ، وكنز العمال : ٦۰٦ / ۱۱ ، و ٦۷۱ / ۱۳ ، والكشف الحثيث / ۱۷٤ ، وجواهر المطالب : ۱٥٥ / ۱ ، وسبل الهدى : ۳۸ / ۱۱ ، والحلبية : ٤۷۱ / ۲ ، وغيرها ].
ووصفت الأحاديث عمل النبي صلّى الله عليه وآله في مراسم الزواج المفصلة التي أقامها في الخطبة ، ثمّ في العقد ، ثمّ في تهيئة المنزل وتأثيثه ، ثمّ في وليمة الزفاف ومراسمه ، فكان كعمله شبيهاً بعمله في تبليغ الرسالة وإنشاء الأمّة !
ويبلغ ما روته مصادر الجميع في ذلك نحو خمسين حديثاً ، منها أحاديث طويلة.
ففي المعجم الكبير للطبراني : ٤۰۷ / ۲۲ : « عن عبد الله بن مسعود قال : سأحدّثكم بحديث سمعته من رسول الله (ص) فلم أزل أطلب الشهادة للحديث فلم أرزقها ، سمعت رسول الله (ص) في غزوة تبوك يقول ونحن نسير معه : إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ففعلت ، قال جبريل : إنّ الله بني جنّة من لؤلؤة قصب بين كلّ قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب ، وجعل سقوفها زبرجداً أخضر وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت ، ثمّ جعل عليها غرفاً لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من درّ ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد ، ثمّ جعل فيها عيوناً تنبع في نواحيها ، وحفت بالأنهار وجعل على الأنهار قباباً من در ، قد شعبت بسلاسل الذهب ، وحفت بأنواع الشجر ، وبني في كلّ غصن قبّة ، وجعل في كلّ قبّة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس والإستبرق ، وفرش أرضها بالزعفران وفتق بالمسك والعنبر ، وجعل في كلّ قبّة حوراء والقبّة لها مائة باب ، على كلّ باب حارسان وشجرتان ، في كلّ قبّة مفرش وكتاب ، مكتوب حول القباب آية الكرسي. قلت : يا جبريل لمن بني الله هذه الجنّة ؟ قال : بناها لفاطمة ابنتك وعلي بن أبي طالب ، سوى جنانها ، تحفة أتحفها وأقرّ عينيك يا رسول الله ». انتهى.
وفي مناقب آل أبي طالب : ۱۲۳ / ۳ ، عن تاريخ بغداد : [ ٤۳۲ / ٤ ] : « اطلع النبي صلّى الله عليه وآله ووجهه مشرق كالبدر فسأل ابن عوف عن ذلك فقال : بشارة أتتني من ربّى لأخي وابن عمّي وابنتي ، واللهُ زوّج عليّاً بفاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكاً براءة من النار بأخي وابن عمّي وابنتي ، فكاك رقاب رجال ونساء من أمّتي. وفي رواية : أنّه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبّار لشيعة علي وفاطمة من النار …
دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : أبشر يا علي فإن الله قد كفاني ما كان من همّتي تزويجك ، أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما فشممتهما ، فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنقل ؟ قال : إن الله أمر سكّان الجنّة من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه ويس وطواسين وحم وعسق ، ثمّ نادى مناد من تحت العرش : ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي ، ألا إنّي أشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من علي رضاً منّي ببعضهما لبعض.
ثمّ بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها ، وهذا مما نثرت الملائكة ».
وروى الطبراني في الأوسط : ۲۹۰ / ٦ ، وابن ماجة : ٦۱٥ / ۱ : « عن عائشة وأمّ سلمة قالتا : أمرنا رسول الله (ص) أن نجهز فاطمة حتّى ندخلها على علي ، فعمدنا إلى البيت ففرشناه تراباً ليناً من أعراض البطحاء ، ثمّ حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بأيدينا ، ثمّ أطعمنا تمراً وزبيباً وسقينا ماء عذباً ، وعمدنا إلى عود فعرضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ويعلق عليه السقاء. فما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة ».
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسكن في بيت مع أمّه فاطمة بنت أسد ، وعندما تزوّج انتقل إلى بيته الجديد وسكنت معه والدته عليها السلام ، وقد ورد أنّه عليه السلام قسَّمَ عمل البيت بينها وبين الزهراء عليهم السلام.
ففي ذخائر العقبى / ٥۱ ، والإمتاع : ۳٥۱ / ٥ : « فقال علي لأمّه فاطمة بنت أسد : إكفي بنت رسول الله الخدمة خارجاً ، سقاية الماء والحاجة وتكفيك العمل في البيت : العجن والطحن ». راجع في وصف تزويج الزهراء عليها السلام الملحق رقم (٤).
مقتبس من كتاب : [ السيرة النبوية عند أهل البيت (ع) ] / المجلّد : ۱ / الصفحة : ٥۹۳ ـ ٥۹۹