نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..
أما بعد..
أشكركم على تواضعكم في الجواب على استفساري بعد ردكم على استفساري السابق وتفضلتم: «..فيرجى من جنابكم الكريم أن تذكروا الرواية التي تصرح بأن سقوط الجنين إنما كان حين الهجوم على الدار في أول يوم، وذلك لكي يتم النظر فيها، فإن كانت لا يمكن الجمع بينها وبين رواية الإختصاص أبداً، فلا بد من رفع اليد عن دلالة رواية الإختصاص في خصوص زمان ومكان الإسقاط، وتبقى دلالتها بالنسبة لأصل حدوث الإسقاط على حالها». سيدنا العلامة هذه رواية في شأن سقوط الجنين وما جرى عليها في حديث طويل من كتاب بحار الأنوار [جزء 28 ص 270 / 271] يرويه من كتاب سليم بن قيس: وهذا مقطع منه: «..كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر، إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت ـ صلى الله عليها ـ من ذلك شهيدة» وهذه الرواية صريحة بإسقاط الجنين في الهجوم على البيت بغض النظر عن صحة كتاب سليم بن قيس أو عدم صحته. لقد تفضلتم سيدنا الجليل بأن الاختلاف في الخصوصيات لا يؤثر على أصل المسألة إلا أننا نجدكم طعنتم بالروايات، التي تتحدث عن شراء عثمان لبئر، بدعوى التعارض فيما بينها، حيث تعدد المبلغ المذكور في دعوى الشراء، فكيف يمكن لنا أن نحل هذه المشكلة حيث هناك اختلاف في خصوصيات ظلامة الزهراء؟
بقي هناك سؤال: هل روايات ظلامة الزهراء عليها السلام متواترة المعنى والتفاصيل فيها أخبار آحاد؟ بل معظمها وردت من كتاب سليم بن قيس المختلف في توثيقه وصحته من قبل العلماء. هل يمكن الجمع بين رواية الاختصاص مع باقي الروايات؟
وهل هناك روايات صحيحة السند في خصوص ظلامة الزهراء من إسقاط للجنين «من أن الثاني هو الفاعل أو كان بأمره».
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
أولاً: بالنسبة لما ذكرناه حول موضوع بئر رومة، فقد ذكرنا هناك: أننا نشك في الرواية، وأن سبب شكنا هو أمور عديدة ذكرناها، وكان من بينها تناقض الروايات الشديد، فمنشأ الشك في صحة تلك الرواية هو مجموع تلك الأمور من حيث المجموع.. أي أن كل واحد من تلك الأمور يسهم في إحداث شك في ناحية من النواحي، فإذا انضم إلى سائر الموجبات، فإن هذا الشك يتناول الجوانب التي أشارت إليها تلك الموجبات..
أما مسألة مكان سقط الجنين، وزمانه، فإن تناقض الروايتين فيه، يجعلنا نعلم بخطأ واحدة من الروايتين بلا ريب، ويتم التعرف على الرواية التي أخطأت في ذلك بالاعتماد على المرجحات..
ثانياً: إن رواية سقوط الجنين بفعل ضرب قنفذ لها عليها السلام، ليست نصاً في أن ذلك قد حصل في اليوم الأول، أو الأيام الأولى، بل هي ظاهرة في ذلك، لأن استفادة ذلك إنما هو بواسطة الفاء المفيدة للتعقيب من دون مهلة في قوله: «فكسر ضلعاً من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش، الخ..».
فإذا فرضنا أن رواية الاختصاص نص في كون السقوط قد حصل بعد ثمانية أيام، وذلك في قضية المطالبة بفدك، فإن النص يقدم على الظاهر، وترفع اليد عن الظاهر لمصلحة النص..
ثالثاً: إن التعقيب بلا مهلة تختلف مقاديره، فإذا قيل: جاء زيد من السفر، فعمرو ثم بكر.. فإن ذلك يصح لو كان عمرواً قد جاء بعد زيد بساعة، وبكر بعده بيوم، كما أنه يصح لو أن عمرواً جاء بعده بعشرة أيام، وبكر قد جاء بعده بشهر مثلاً..
فإن فورية كل شيءٍ بحسبه، وبحسب قرب وبعد، وأحجام، وأنواع، وطبيعة الأحداث التي يراد قياس بعضها إلى بعض..
رابعاً: قد قلنا: إن المطلوب هو إثبات سقوط الجنين بفعل المعتدين المهاجمين، وهذا ثابت بالتواتر، وقد لهجت به كتب السنة وكتب الشيعة على حد سواء، فالاختلاف في المكان الذي سقط فيه الجنين لا يضر في أصل حصول هذا الأمر منهم..
خامساً: قولكم إن معظم التفاصيل وردت في كتاب سليم بن قيس، غير دقيق، فإن مراجعة النصوص التي أوردناها في كتاب «مأساة الزهراء عليها السلام» تعطي أن هذه التفاصيل التي هي موضع البحث والأخذ والرد، قد رويت في مصادر أخرى، وانفراد سُليم بخصوصيات جانبية ليست هي موضع البحث.. لا يصلح للتنويه به..
سادساً: بالنسبة لما ذكرتموه من الاختلاف في توثيق كتاب سليم بن قيس، نقول: إننا قد ذكرنا طرفاً من الكلام حول ذلك في الجزء الأول من كتاب «مأساة الزهراء»، كما أننا قد ذكرنا أموراً أخرى في مواضع في كتاب «مختصر مفيد» ، بأجزائه الثمانية، وفي غيره، وقلنا: إن الطعن في ذلك الكتاب غير منطقي، ولا يمكن قبوله، لأن ما استندوا إليه في طعونهم ظاهر الفساد..
بل إن بعض ما طعن به على كتاب سليم، موجود بنحو أو بآخر، في أوثق الكتب، وأكثرها اعتباراً..
سابعاً: إن تواتر حديث اسقاط الجنين في كتب الشيعة والسنة، من الواضحات ولذلك فهو لا يحتاج إلى البحث في صحة سند هذه الرواية أو تلك 1.
ثامناً: إذا كان إسقاط الجنين ثابتاً، فقد كان على السلطة أن تعاقب الفاعل أياً كان، ولكنهم ليس فقط لم يفعلوا ذلك، بل إن الذين شاركوا في الهجوم على السيدة الزهراء عليها السلام، كانوا هم أركان الدولة، وأصحاب الكلمة النافذة فيها، والذين تعطى لهم الامتيازات، بسبب وبدون سبب..
وأخيراً..
فإنني أحب لفت نظركم الكريم، إلى أنني ألمس لديكم درجة من حب المعرفة والبحث، فيا حبذا لو أنكم تصديتم بأنفسكم للتحقيق في مثل هذا الأمر، فإن ذلك سيكون أكثر فائدة، وأكبر نفعاً، ونحن نشد على أيديكم، وندعو لكم بالتوفيق والتسديد..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 2.
- 1. راجع: جميع ما ورد في المجلد الثاني من كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام).
- 2. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة التاسعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (499).