بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريَّا بركات
4 أكتوبر 2022
هنالك مُعطيان مُهمَّان في مصادر الزيديَّة يُثبتان عقيدة الغَيبة التي يؤمن بها الإماميَّة:
المعطى الأوَّل في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنَّه قال:
(لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحُجَّة، إمَّا ظاهراً مشهوراً، أو خاملاً مغموراً، لئلَّا تبطل حُجَجُ الله وبيِّناتُه) انتهى.
هكذا ورد النصُّ في نسخة النهج التي شرحها إمامُ الزيدية المؤيَّد بالله يحيى بن حمزة الحسيني الزيدي، المتوفَّى سنة 749 هـ في شرحه المسمَّى: (الديباج الوضي في الكشف عن أسرار كلام الوصي) ، وكذلك في العديد من مصادر أئمة الزيدية وعلمائهم.
ومن المهم التركيز على كلمة “خاملاً” ..
المعطى الثاني ما ذكره إمامُ الزيديَّة أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي القاسمي (ت 1055 هـ) في كتاب “عُدّة الأكياس في شرح معاني الأساس” (2/ 380) ، حيث قال:
“وروى الحسين بن قاسم العياني (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: ستأتي من بعدي فتنٌ متشابهة كقطع اللَّيل المظلم، فيظنُّ المؤمنون أنَّهم هالكون فيها، ثمَّ يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجُل من ولدي خامل الذكر، لا أقولُ خاملاً في حسبه ودينه وحلمه، لكن لصغر سنِّه، وغيبته عن أهله، واكتتامه في عصره، على منهاجي ومنهاج المسيح في السياحة والدعوة والعبادة، يؤيِّم عُرسه ويخلِّص نفسه ويكن بدء ناصريه من أهل اليمن”. انتهى.
لاحظْ عبارة “خامل الذِّكر” مع عبارة “لصغر سنِّه، وغيبته عن أهله، واكتتامه في عصره”.
تدبَّرْ ـ جيِّداً ـ كلمة (الغَيبة) .. فإنَّ الرواية ذُكرت في المصدر في سياق ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) .
ومن هناك يتَّضح أنَّ المقصود في نهج البلاغة هو الخمول الذي بمعنى الاستتار والغيبة، وهو ما يكون للإمام المهدي عليه السلام.
ومن الجدير بالانتباه أنَّ عبارة نهج البلاغة تفيد أنَّ وجود الإمام ـ سواءٌ كان ظاهراً أو غائباً ـ هو لإجل إتمام الحُجَّة على العباد، فالإمام خامل الذِّكر الغائب المستتر ـ أيضاً ـ تتمُّ به الحجَّة، على خلاف ما يعتقده الزيديَّة من أنَّ الغيبة تتنافى مع إتمام الحجَّة والإمامة.
السرُّ في ذلك أنَّ وجود الإمام هو ما يحقِّق لطف الله بعباده، وبذلك تتمُّ الحجة، وأمَّا الغيبة فهي بسبب العباد أنفسهم، لقلة الناصر منهم، ولكون أكثرهم لا يؤمنون، فتكون الحجَّة بالوجود تامَّة، والغيبة هي أمر يعود إلى ما اختاره العباد لأنفسهم.. فوجوده لطفٌ وغيبته منَّا.
بل إنَّ غيبته لطفٌ ـ أيضاً ـ لكونها تؤمِّن بقاءه إلى أن يحين الوقتُ المعلوم حين تتيسَّر الأسباب لملء الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
كما إنَّ وجوده لُطف ـ بالرغم من الغيبة ـ لأنَّ معرفته واجبة والكون في ولايته من موجبات رضى الله تعالى.
إضافةً إلى أنَّ الارتباط به ـ صلوات الله عليه ـ يمنح الأمل لشيعته المستضعفين وينفخ فيهم روحَ الطُّموح للإصلاح والصمود والصَّبر في وجه المستكبرين، ويُشكِّل الطاقة الجبَّارة التي تغذِّي خطَّ المقاومة ضدَّ الظالمين والطُّغاة في كلِّ مكان.
وأمَّا مهمَّة تعليم الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من المهام، فلا تتعطَّل بالغيبة، بل يقوم بذلك العلماء الأمناء من الشيعة الذين ينتظرون ظهور الإمام المهدي عليه السلام ويؤمنون بوجوده وغيبته.
والله وليُّ التوفيق.