مقالات

خلاصهم في فتنتنا …

عندما خرج رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية من المسجد يوم الجمعة أقبلت نحوه امرأة قدمت له اسوارتين ذهبيتين وقالت له: هذا آخر ما عندي، ولا أطلب منك إلا ان تستمر المقاومة.‏

من هذه الحادثة ونظيراتها في العالم الإسلامي يخشى الأميركيون والغرب عموماً من الحس الديني والوطني الآخذ بالتأجج والانتشار في سائر عالمنا الإسلامي فالأمثلة المشابهة للحادثة أعلاه لا نبالغ إذا قلنا أنها تعد بآلاف الحالات حيث أن عامة الجماهير المسلمة من تخوم آسيا إلى أطراف موريتانيا وإن لم تجمع على كل الأمور إلا أنها أجمعت على كرهٍ للإمركيين يزداد كل يوم وعلى حب لفلسطين يزداد كل يوم وعلى إيمان بأنها لن تحرر إلا على أيدي المقاومة كما حدث في لبنان، يزداد كل يوم.‏

ليس صدفة ولا ينبغي المرور سريعاً على حالة التعاطف والتأييد والإسناد والإعجاب والمبايعة التي عاشتها الأمة في رمز المقاومة الإسلامية في حرب تموز العام الماضي، فالأمة التي كادت أن تيأس أو يئست فعلاً من كل القادة وعلى اختلاف أشكالهم وجدت أملاً بدا لها أنه وحيد في أحلامها وأمنياتها تمثل في المقاومة الإسلامية في لبنان التي اختصرت كل معاني العز والإباء والشرف والشجاعة والإقدام والتخطيط… مما أنزل نصراً ربانياً عليها ولم يكن الحول ولا القوة ولا المدد إلا بالله العلي العظيم.‏

من هنا نفهم المواقف الأخيرة من اتفاق مكة من جهة، ومن المبادرات الحثيثة لحل الأزمة اللبنانية من جهة ثانية، فقد أصبح واضحاً أن الأمريكيين لا يطيقون ولو حداً أدنى من الاتفاق بين الفلسطينيين مقابل الإسرائيليين، ولا يطيقون أيضاً حداً أدنى من الاتفاق بين اللبنانيين مقابل الخيارات الأمريكية، بينما جبهتهم مفتوحة على مصراعيها في العراق وقوافل قتلاهم تملأ الأيام السالفة والبريطانيون يحزمون أمتعتهم للفرار المشرّف!‏

فهل يمكن للأمريكيين أن يروا ولو نوع اتحاد بين الفلسطينيين بينما ينشطون في مقاومتهم للإسرائيليين وهل يقبلون بانسجام بين اللبنانيين وجبهاتهم الأخرى مفتوحة بلا سقف ولا أفق؟!‏

بات واضحاً أن المخربين لمثل هذه الاتفاقات يتحركون بوحي معروف الخلفية والهدف، ولم تعد الاجتهادات والتخمينات ضرورية فالمُطلع على ما جرى في الأشهر السابقة في فلسطين وما يجري اليوم بالذات في لبنان يعلم مَن الذي يخطط وكيف يخطط وما هي أساليبه وكيف أن سلاح الفتنة بات متوفراً قبل رغيف الخبز!‏

لا شك أن الهزائم المتكرر للغرب الاستعماري في العقود الماضية كانت تواجه منه بطرق مختلفة من المكر والخداع والتسلّط ولو كان مُقنَّعاً أو مُموّهاً بمؤسسات إنسانية ومبادرات حضارية!‏

وبعد كل هذا الإفلاس, وبعد أن استنفذ الغرب الاستعماري وأصدق مصاديقه اليوم أميركا، بعد أن استنزفوا كل الأساليب لم يبق أمامهم إلا ما لا يخطر على البال من قبل:‏

فتنة بين السنّة والشيعة!‏

كثيرة هي الخلافات التي كانت تقع في بلادنا من قبل ولكنّها اليوم ذو نكهة خاصة هي فتنة بين المسلمين أنفسهم، الرابح فيهم خاسر, والخاسر من المستعمرين رابح.‏

إن الحديث عن خلافات هو في الحقيقة لا يتعدى ما كان سائداً من قبل في التاريخ، فالكتب الخلافية موجودة وستبقى، وجلسات الحوار والنقاش والمناظرة كانت وستبقى، وانتقال بعض أهل هذا المذهب إلى مذهب آخر، وبالعكس، حصل ويحصل وسوف يحصل ولن يستطيع أحد أن يمنع أحد.‏

إذاً أين المشكلة؟‏

في كل زمان ومكان كانت الاختلافات العقائدية والمذهبية لها صور شتّى ولا نبالغ إذا قلنا إن أكثر الكتب الإسلامية في العقيدة والتفسير والحديث والفقه بل حتّى النحو والبلاغة هي موزّعة بين آراء مختلفة على قاعدة قال وقلت وإن قلتَ قلتُ.‏

وأخيراً ليس أمام الأمريكيين المفلسين وأعوانهم إلا طريق الفتنة ولا يؤمل النصر لهم إلا عن هذه الطريق.‏

وليس أمام المسلمين إلا الوحدة، فقط لأن الله تعالى جعلهم أمة واحدة.‏

وأي خسارة أو انتكاسة لا سمح الله لن تكون لمذهب دون آخر، فالخسارة خسارة لكل الأمة سنّة وشيعة، والربح ربح لكلّ الأمة سنّة وشيعة.‏

وما دماؤنا التي تسيل اليوم من السنّة والشيعة إلا دليل على أن العدو واحد والمعركة واحدة وكَتَبَ الله “لأغلبن أنا ورسلي”1.‏

  • 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى