[ركب الحسين (عليه السّلام)] فرسه و أخذ مصحفا و نشره على رأسه و وقف بإزاء القوم و قال: يا قوم إن بيني و بينكم كتاب اللّه و سنة جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم «1».
ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة و ما عليه من سيف النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و لامته و عمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عما أقدمهم على قتله قالوا: طاعة للأمير عبيد اللّه بن زياد، فقال عليه السّلام:
تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا و عدوكم فأصبحتم إلبا لاعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات! تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن و الرأي لما يستحصف، و لكن أسرعتم إليها كطيرة «2» الدبا و تداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمة و شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب و محرفي الكلم و عصبة الاثم و نفثة الشيطان و مطفئي السنن! و يحكم أهؤلاء تعضدون و عنا تتخاذلون! أجل و اللّه غدر فيكم قديم و شجت عليه أصولكم و تأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمرة، شجى للناظر و أكلة للغاصب!
ألا و إنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى اللّه لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و انوف حمية و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا و إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد و خذلان الناصر. ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي «3»:
فإن نهزم فهزامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا
و ما أن طبنا «4» جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا
فقل للشامتين بنا افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رفع عن أناس بكلكله أناخ بآخرينا
أما و اللّه لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول اللّه:
«فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي و لا تنظرون إني توكلت على اللّه ربي و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».
ثم رفع يديه نحو السماء و قال: اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و إليك المصير.
و اللّه لا يدع أحدا منهم إلا انتقم لي منه قتلة بقتلة و ضربة بضربة و إنه لينتصر لي و لأهل بيتي و اشياعي.
__________________
(1) تذكرة الخواص ص 143.
(2) بالكسر فالفتح- تاج العروس.
(3) نقلناها من اللهوف ص 54 و رواها ابن عساكر في تاريخ الشام ج 4 ص 333 و الخوارزمي في المقتل ج 2 ص 6 و في نقليهما خلاف لما هنا و قال ابن حجر في الإصابة ج 3 ص 205 : وفد فروة بن مسيك بالتصغير على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم سنة تسع مع مذحج و استعمله النبي على مراد و مذحج و زبيد، و في الاستيعاب سكن الكوفة أيام عمر و ذكر ابن هشام في السيرة بهامش الروض الأنف ج 2 ص 344 لما كانت الوقعة بين مراد و همدان انشأ أبياتا تسعة و لم يكن فيها البيت الثالث و الرابع، و في اللهوف ذكر سبعة مع البيتين. و في الأغاني ج 19 ص 49 نسب الفرزدق إلى خاله العلاء بن قرظة قوله:
إذا ما الدهر جر على أناس بكلكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين .. الخ.
و ذكر ابن عساكر في تاريخ الشام ج 4 ص 334 و الخوارزمي في المقتل ج 2 ص 7 الأول و الثاني و لم ينسباهما إلى أحد.
و نسبهما المرتضى في الأمالي ج 1 ص 181 إلى ذي الإصبع العدواني و في عيون الأخبار لابن قتيبة ج 3 ص 114 و شرح الحماسة للتبريزي ج 3 ص 191 أنها للفرزدق.
و في الحماسة البصرية ص 30 أنهما من قصيدة فروة بن مسيك و يرويان لعمر بن قعاس.
(4) الطب بالكسر : الإرادة و العادة.
المصدر: http://h-najaf.iq