كّد الإمام الباقر عليه السلام في أحاديث مستفيضة على تكريس مبدأ الأخاء في الله طلباً لمرضاة الله ، وبين فضل ذلك في الدارين ، فقال عليه السلام : « من استفاد أخاً في الله على إيمان بالله ووفاء بأخائه طلباً لمرضاة الله ، فقد استفاد شعاعاً من نور الله ، وأماناً من عذاب الله ، وحجّة يفلج بها يوم القيامة ، وعزّاً باقياً وذكراً نامياً ، لأنّ المؤمن من الله عزّ وجلّ لا موصول ولا مفصول » (۱).
وأكّد على تعهّد الإخوان بالزيارة والتواصل والمصافحة ، وإيثارهم على النفس ، فقال عليه السلام : « إن لله عزّ وجلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحقّ ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله ، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله على نفسه » (۲).
وقال عليه السلام : « أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه ، كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيّئة ، ورفعت له درجة ، وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ، ثمّ باهى بهما الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في ، حقّ عليّ ألّا أعذّبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وإن كان يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور كان له مثل أجره » (۳).
وقال عليه السلام : « إن المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أقبل الله عزّ وجلّ عليهما بوجهه ، وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر » (٤).
وجعل الصحبة الطويلة بمثابة القرابة ، فقال عليه السلام : « صحبة عشرين سنة قرابة » (٥).
وأكّد على تعهّد الإخوان ومواصلتهم والإحسان إليهم والسعي في حاجاتهم ، فمن كلامه في هذا الاتّجاه : « ليس في الدنيا شيء أعون من الإحسان إلى الإخوان » (٦).
وقال عليه السلام : « ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض ، إلّا ابتُلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى الله ، إلّا ابتُلى بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله » (۷).
وقال عليه السلام : « إنّ الله تعالى أوحى إلى داود : يا داود ، أنّ العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فأحكمه بها في الجنّة ، فقال داود : يا ربّ ، وما تلك الحسنة ؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المؤمن أحبّ قضاءها ، قضيت له أم لم تقض » (۸).
وإلى جانب ذلك أوصى عليه السلام بحسن السيرة والتعايش مع الآخر ولو كان منافقاً أو يهوديّاً ، فقال عليه السلام : « صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته » (۹).
وأوصى عليه السلام بالبشر وطلاقة الوجه ، كأحد مقومات حسن العشرة ، فقال عليه السلام : « البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبّة وقربة من الله ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله » (۱۰).
وعلى الصعيد العملي ، عرف الإمام الباقر عليه السلام بحسن العشرة وتعهّد الإخوان والإحسان إليهم ، قال أبو عبيدة الحذاء : « كنت زميل أبي جعفر عليه السلام ، وكنت أبدأ بالركوب ، ثمّ يركب هو ، فإذا استوينا سلّم وسأل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي ، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وسأل مسألة من لا عهد له بصاحبه ، فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا ، وإن فعل مرّة فكثير. فقال : أما علمت ما في المصافحة ، انّ المؤمنين يلتقيان ، فيصافح أحدهما صاحبه ، فلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر ، والله ينظر إليهما حتّى يفترقا » (۱۱).
وعن أبي حمزة ، قال : « زاملت أبا جعفر عليه السلام فحططنا الرحل ثمّ مشى قليلاً ، ثمّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت : جعلت فداك ، أو ما كنت معك في المحمل ؟! فقال : أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه ، نظر الله إليهما بوجهه ، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه ، ويقول للذنوب تتحات عنهما ، فتتحات ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق عن الشجر ، فيفترقان وما عليهما من ذنب » (۱۲).
الهوامش
۱. تحف العقول : ٢٩٥.
۲. أعلام الدين : ١٢٦.
۳. الكافي ٢ : ١٨٣ / ١.
٤. الكافي ٢ : ١٨٠ / ٤.
٥. تحف العقول : ٢٩٣.
٦. اسعاف الراغبين : ٢٥٣.
۷. تحف العقول : ٢٩٣.
۸. أعلام الدين : ٢٦٥.
۹. الأمالي / الشيخ المفيد ١٣ : ١٨٥ / ١٠ ، تحف العقول : ٢٩٢ ، أعلام الدين : ٣٠١.
۱۰. تحف العقول : ٢٩٧.
۱۱. الكافي ٢ : ١٧٩ / ١.
۱۲. الكافي ٢ : ١٨٠ / ٧.
مقتبس من كتاب : [ الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ ] / الصفحة : ۱٤۰ ـ ۱٤٤