نص الشبهة:
لقد جرأ الشيعة أتباعهم على ارتكاب الآثام والموبقات بدعواهم أن (حب علي حسنة لا تضر معها معصية) ، وهذه دعوى يكذبها القرآن الذي يحذر في معظم آياته من المخالفات والنواهي تحت أي دعوى، ويقرر أنه: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن هذا ليس له ربط بصحة عقيدة الشيعة بالإمامة وعدم صحتها، ومع ذلك نقول:
إن القول بأن «حب على حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة» ليس قولاً صنعه الشيعة، بل هو رواية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» 1.
ثانياً: إن العلماء قد بينوا معنى هذا الحديث لعموم الناس، وعرفوهم: أنه يجب أن لا يضر في حرصهم على تجنب الآثام، والتزام العمل بما يرضي الله تعالى، حيث إن معنى هذا الحديث: أن حب علي «عليه السلام» لا يمكن أن يتعرض للحبط، لأن من يحب علياً «عليه السلام» لا يمكن أن يصدر منه ما يوجب الحبط، مثل الجرأة على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فهو لا يقدم بين يديه، ولا يجهر له بالقول، وقد قال تعالى: ﴿ … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ 2. ولا يفعل غير ذلك من المعاصي التي توجب حبط ثواب هذا الحب، أو توجب ذهاب حسنه، ما دام هذا الحب باقياً. كتحليل ما حرم الله وإنكار الضروريات وغير ذلك..
وهذا المعنى لا يكذبه القرآن، بل يصدّقه ويقوّيه، لأنه يتوافق مع الحديث عن الإمام الباقر «عليه السلام»: يا جابر، أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه 3.
وهذا معنى صحيح ومقبول. وهو أسلم، وأصح، واوضح دلالة من الحديث القائل عن أهل بدر: إن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة. أو فقد غفرت لكم 4. لأن هذا الحديث فيه خلل يجعلنا نشك بصدوره من رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهذه الكيفية.
ثالثاً: ليس من حق من يقول: إن السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنة 5. أن يرد حديثاً لمجرد مخالفته للقرآن.
السنة قاضية على الكتاب
ومما ذكروه في توجيه هذه القاعدة الباطلة: قول أبي بكر البيهقي: «والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن» 6.
وقال الخطابي عن حديث عرض الحديث على القرآن: «هذا حديث وضعته الزنادقة» 7.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: «الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث، يعني ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال: ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله، وإنما أنا موافق كتاب الله، وبه هداني الله.
وهذه الألفاظ لا تصح عنه «صلى الله عليه وآله» عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم وقالوا:
نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله: قبل كل شيء، ونعتمد على ذلك؛ فلما عرضناه على كتاب الله، وجدناه مخالفاً لكتاب الله؛ لأنَّا لم نجد في كتاب الله: ألا يُقبل من حديث رسول الله إلا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به، والأمر بطاعته، وكذا المخالفة عن أمره جملة على كل حال» 8.
وقال أبو عمر: «قد أمر الله عز وجل بطاعته واتباعه أمراً مطلقاً مجملاً، لم يُقيّد بشيء، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل: وافِقْ كتاب الله، كما قال بعض أهل الزيغ» 9.
وقال يحيى بن معين: عن حديث ثوبان عن النبي «صلى الله عليه وآله»، الأمر بعرض الحديث على القرآن: «إنه موضوع، وضعته الزنادقة».
وقال الأوزاعي: «الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب».
وقال ابن عبد البر: «إنها تقضي عليه، وتبين المراد منه».
وقال يحيى بن أبي كثير: «السنة قاضية على الكتاب» 10.
وذكر الخطابي: ما ورد عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: ما ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» 11.
ثم قال: «في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» شيء كان حجة بنفسه.
فأما ما رواه بعضهم، أنه قال: إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فخذوه، فإنه حديث باطل لا أصل له.
وقد حكى زكريا الساجي، عن يحيى بن معين، أنه قال: «هذا حديث وضعته الزنادقة» 12.
ونقول:
إن لنا أن نسأل هؤلاء: كيف يمكنهم أن يوفقوا بين قولهم هذا، وبين قول عمر: «حسبنا كتاب الله»، وما رواه الذهبي من أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فمن سألكم، فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه 13.
خلاصة وتوضيح
ونقول:
هناك أربع حالات:
أولاها: أن يناقض الحديث القرآن، ويخالفه، فهذا الحديث باطل بلا ريب.
الثانية: أن يوافقه.
الثالثة: أن لا يظهر أنه موافق ولا مخالف، كما في الحديث الذي يتعرض لتفاصيل الصلاة.
الرابعة: أن يخالفه بالعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، فهذه مخالفة بدوية، تزول بعد حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد..
والذي يجب ردّه هو خصوص الصورة الأولى كما هو واضح.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 14.
- 1. المناقب للخوارزمي (ط مركز النشر الإسلامي سنة 1414هـ) ص76 و (ط تبريز) ص45 ونزهة المجالس للصفوري الشافعي ج2 ص207 والمناقب المرتضوية (ط بمبي) ص92 وكنوز الحقائق (ط بولاق بمصر) ص 53 و 57 و 67 وينابيع المودة ص 180 و 239 و 252 و 91 و (ط دار الأسوة 1416هـ) ج1 ص375 و ج2 ص75 و 292 ومناقب علي للعيني الحيدرآبادي (ط أعلم پريس) ص 33 وأرجح المطالب ص519 و 512 وفردوس الأخبار للديلمي، ومودة القربى (ط لا هور) ص64 وعن مفتاح النجا (مخطوط) ص61 وعن مناهج الفاضلين للحمويني (مخطوط) ص377 ودر بحر المناقب (مخطوط) ص7. وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص126 وج7 ص259 وج17 ص233 وج 21 ص 332 و ج30 ص310 عن كتاب الأربعين لأبي الفوارس (المخطوط) ص19 وعن المحاسن المجتمعة للصفوري (مخطوط) ص160 وعن نزهة المجالس (ط القاهرة) ص207 وعن توضيح الدلائل لشهاب الدين أحمد الحسيني الشافعي الشيرازي (نسخة مكتبة الملي بفارس) ص186 وعن فضائل الخلفاء للدهلوي (من مكتبة أيا صوفيا) ص148 وعن مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة (ط دار ابن كثير ـ دمشق وبيروت) ص 161.
- 2. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، من بداية السورة إلى الآية 2، الصفحة: 515.
- 3. الكافي ج2 ص74 والأمالي للصدوق ص725 والأمالي للطوسي ص743 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص735 وبحار الأنوار ج67 ص97 وروضة الواعظين ص 294 وصفات الشيعة للصدوق ص 11 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص234 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص 184 وشرح الأخبار ج3 ص501 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص121 وأعلام الدين للديلمي ص143 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص92 وعوائد الأيام للنراقي ص 229 وغاية المرام ج6 ص81 ومستطرفات السرائر ص 636.
- 4. راجع: البخاري (ط سنة 1309هـ) ج2 ص110، وج3 ص39 و 129 و (ط مشكول) كتاب المغازي، غزوة بدر وج9 ص23 وفتح الباري ج6 ص100 وج8 ص486 وج7 ص237 عن أحمد، وأبي داود، وابن أبي شيبة، والبداية والنهاية ج4 ص284 وج3 ص328 عن الخمسة، ما عدا ابن ماجة، ومجمع الزوائد ج8 ص303 وج9 ص303 و 304 وج6 ص162 و 163 عن أحمد، وأبي يعلى، والبزار، وحياة الصحابة ج2 ص463 و 364 عن بعض من تقدم، والسيرة الحلبية ج2 ص203 و 192 ومجمع البيان ج9 ص269 و 270 وتفسير القمي ج2 ص361 والإرشاد للمفيد ص33 و 34 و 69 وصحيح مسلم ج4 (ط دار إحياء التراث العربي) ص1941 والمغازي ج2 ص797 و 798 وأسباب النزول ص239 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص47 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص58 وج17 ص266 وسنن أبي داود ج3 ص44 و 45 و 48 والتبيان للطوسي ج9 ص296 وأسد الغابة ج1 ص361 والدر المنثور ج6 ص203 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص93 و 439 و 440 والسنن الكبرى ج9 ص146 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص39 و 41 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص421 و 422 والجامع الصحيح ج5 ص409 و 410 ومسند الشافعي ص316 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص97 وتفسير فرات ص183 و 184 ولسان العرب ج4 ص557 والمبسوط للشيخ الطوسي ج2 ص15 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص48 و 49 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص143 و 144 وكنز العمال ج17 ص59 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص371 وبحار الأنوار (ط بيروت) ج72 ص388 وج21 ص125 و 119 و 120 و 136 و 137 و (ط حجرية) ج8 ص643 عن إرشاد المفيد، وإعلام الورى، وتفسير القمي، وتفسير فرات، وعون المعبود ج7 ص310 و 313 والدرجات الرفيعة ص336 وزاد المعاد لابن القيم ج3 ص115 وعمدة القاري ج14 ص254 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وترتيب مسند الشافعي ج1 ص197 والمحلى ج7 ص333 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص50 و 51 وأحكام القرآن للجصاص ج5 ص325 وجامع البيان ج28 ص38 ـ 40 والكامل في التاريخ ج2 ص242 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص180 والإصابة ج1 ص300 والبرهان (تفسير) ج4 ص323 والاعتصام بحبل الله المتـين ج5 ص500 و 501 والصافي (تفسير) ج5 ص161 ونهج السعادة ج4 ص28 ومعجم البلدان ج2 ص335 والمواهب اللدينة ج1 ص149 وبهجة المحافل ج1 ص188 و 400 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج15 ص69 وعن تفسير الثعالبي ج4 ص289 وعن منهاج البراعة ج5 ص106.
- 5. راجع: تأويل مختلف الحديث ص199 و (ط دار الكتب العلمية) ص186 والكفاية في علم الرواية ص14 و (ط دار الكتاب العربي) ص30 وجامع بيان العلم وفضله ج2 ص234 و 233 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص191 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص38 و 39 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص35 وسنن الدارمي ج 1 ص 145 ومقالات الإسلاميين ج2 ص324 وج1 ص251 وعون المعبود ج12 ص356 وميزان الاعتدال ج1 ص107 ولسان الميزان ج1 ص194 ودلائل النبوة للبيهقي ج1 ص26 وراجع: المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ج2 ص251 ونهاية السؤل للأسنوي ج2 ص 579 و 580 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص67 و 68 عن بعض ما تقدم.
- 6. دلائل النبوة للبيهقي ج 1 ص 26.
- 7. الخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص 85.
- 8. جامع بيان العلم ج 2 ص 233 وإرشاد الفحول ص 33 وراجع هذا النص وغيره، في كتاب: بحوث مع أهل السنة والسلفية ص 67 ـ 68 وسلم الوصول (مطبوع مع نهاية السؤل) ج 3 ص 174.
- 9. جامع بيان العلم ج 2 ص 233.
- 10. إرشاد الفحول ص 33. وراجع: سلم الوصول (مطبوع مع نهاية السؤل) ج 3 ص 174.
- 11. راجع: دلائل النبوة للبيهقي ج 1 ص 24 ومصابيح السنة ج 1 ص 158 و 159 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 6 و 7 ومسند أحمد ج 6 ص 8 وج 4 ص131 و 132 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 108 و 109 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) والجامع الصحيح للترمذي ج 5 ص 37 و 38 وسنن الدارمي ج1 ص 144 وسنن أبي داود ج 4 ص 200 وج 3 ص 170 والإملاء والاستملاء ص 4 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 80 والمصنف للصنعاني ج 10 ص453 والأم ج 7 ص 310 والكفاية في علم الرواية ص 8 ـ 11 وراجع: تأويل مختلف الحديث ص 186 وجامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 191 و 192 والجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 39.
- 12. عون المعبود في شرح سنن أبي داود ج 4 ص 356 و (ط دار الكتب العلمية) ج 12 ص 232.
- 13. تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3 و 4.
- 14. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، 1431 هـ. ـ 2010 م، السؤال رقم (102).