تبادر مجتمعاتنا لتلقف المبادرات السياسية، وربما تحاول تقمصها ومحاكاتها، فتغير بعضاً منها وتطعم بعضها الآخر، لكنها في المحصلة تحاول استنساخها وتقليدها، والأمر واضح لا يحتاج إلى بيان.
على صعيد انتشار الثقافات والسلوكيات بما فيها الموضات والصرعات التي تجتاح الشباب بين وقت وآخر، نلحظ قبولاً لدى الشباب في تقمص بعض السلوكيات التي تبدو غريبة عن المجتمع، لكنها لا تلبث حتى تكسب أجيالاً من الشباب والشابات يبشرون بها ويحولونها إلى واقع يتمدد بحجم الجهد الذي يبذله هؤلاء الشباب المنجذبون لها.
لو أخذنا مثلاً بسيطاً من زاوية أخرى لها باقتصاد السوق أو سلوك الطعام والشراب، لوجدنا العديد من مطاعمنا المنتشرة في قرانا ومناطقنا هي فروع لمطاعم وأسماء عالمية، وقد أخذت قبولها في قلوب شبابنا قبل أن يصرح لها بالانتشار الرسمي.
المبادرات الأخلاقية هي الحلقة الضعيفة من حيث التبني والتلقف من قبل مجتمعاتنا بشكل عام.
يوم الإثنين الماضي نقلت عن صحيفة «الأخبار» اللبنانية خبراً مفاده، أن مجموعة من الشباب والشابات اللبنانيات المسيحيات أقمن تجمعاً استمر لشهرين، هدفه الاحتجاج على الإعلانات غير اللائقة بحق المرأة والتي تجتاح بعض المناطق والفضائيات اللبنانية، والمطالبة بإعلاء مبدأ العفة والحشمة كبديل يليق بالمرأة ويحترمها.
في اعتقادي لو أن إشكالاً أمنياً فردياً حصل في لبنان على سبيل المثال – لتلقفته كل الصحف والفضائيات العربية، ولبدأت تغطياتها المباشرة من قلب الحدث، ودعت المحللين والمفكرين والسياسين والدينين والاقتصاديين إلى آخر القائمة، فينام عالمنا العربي ويستيقظ وهو يعيش سخونة الحدث وانعكاساته ومسبباته وما يترشح عنه.
لا يتحرك إعلامنا بفاعلية في تلقف هكذا مبادرات أخلاقية، وإذا استحضرها فهي خبر عابر، لا يحظى بالتغطية المناسبة ولا بالتحليل الموسع، ولا بمحاولة وعي الحدث وإدراك تأثيراته، والأهم أن الإعلام لا يدفع للحركة باتجاه الوقوف معه وتبني أطروحاته.
أما السبب الثاني بعد الإعلام، فهو عدم التعاون بين المؤمنين بالأخلاق والسلوكيات المستقيمة من جميع الأديان والمذاهب من أجل نصرة القضايا الأخلاقية المشتركة والتي لا يختلفون إلا في بعض تفاصيلها أحياناً.
الحشمة والحياء والكثير من القضايا والأمور الأخلاقية هي أمور مشتركة بين ديانات السماء، والوقوف معها تكليف يفرضه الإيمان والاعتقاد بتلك الديانات لأنه من صميم أهدافها وجوهر ما تبشر به أتباعها.
لا يمكن لأي ديانة سماوية أن تبشر بقيمها وتحقق نتائج عالية من النجاح ما لم تتعاون مع بقية الديانات الأخرى فيما تشترك معها فيه، وببساطة فإن العالم يعاملنا في نشر انحرافه باعتبارنا قرية واحدة، وإذا أردنا التمسك بأخلاقنا الحسنة واستبدال السيئ منها، فعلينا أن نتعامل مع العالم كأبناء قرية واحدة، يعضد بعضنا بعضاً في الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما السبب الثالث، فهو تقصير الإنسان في الدفاع عن القيم والمثل الإنسانية، فبعيداً عن كل الديانات والمذاهب، فإن كرامة المرأة ومكانتها وإنسانيتها كلها أمور تستحق العون والتعاضد في عالم يحاول سحقها وتحويلها إلى مجرد جسد يسوّق بضائعه ويثير شهواته وغرائزه.
الوقوف مع مثل تلك المبادرة التي حملها بضعة شباب وشابات مسيحيات في لبنان أو في أي مكان من العالم، ومن أي لون كان المبادرون هو وقوف إنساني يتسامى فوق كل شيء، ويكرم الإنسانية جمعاء1 2.