نور العترة

تقديس شخص الحسين…

اولا: هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات، او ان اسم الحسين عندهم رمز لشيء عميق الدلالة، تماماً كما يرمز العاشق بالغزال الى محبوبته؟.

ثانياً: هل انعكس شيء من اشراقات الحسين (ع) وروحه في نفوس الذين يهتفون باسمه ليل نهار – في هذا العصر – ويحتفلون بذكراه، وينصبون لها السرادقات، ويقيمون لها الحفلات، وينفقون عليها الالوف؟.
ثالثاً: هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي؟.

الحسين رمز

قد يبدون للنظرة الأولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه، وان الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون .. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة الى معنى اشمل واكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير، ويؤمن ايماناً لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات، وان الحسين ماهو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل معانيه .. ودليل الادلة على هذه الحقيقة هو ادب الشيعة انفسهم .. فلقد كان الادب، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة وعقيدتها، وعاداتها وبيئتها.
واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان، والثورة العنيفة في شرق الارض وغربها، وان ادباء الشيعة، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين الى هذه الثورة، وذاك الاحتجاج، لان الحسين اعلى مثال واصدقه على ذلك، كما يرمزون الى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وامية وآل ابي سفيان، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين .. واليك هذه الابيات كشاهد ومثال:
فمن قصيدة لاديب شيعي:
سهم رمى احشاك يابن المصطفى *** سهم به قلب الهداية قد رمي
ومن قصيدة لآخر:
بنفسي رأس الدين ترفع راسه *** رفيع العوالي السمهرية ميد
ولثالث:
اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الا *** سلام يبكي ثاكلا مفجوعا
فهذه الابيات والالوف من امثالها تنظر الى الانسان نظرة شاملة واعية، وتزخر بالثورة على كل من ينتهك حقا من حقوق الناس، وترمز الى هذه الحقوق بكلمة الحسين، وتعبر بقلبه عن قلب الهداية، وبراسه عن رأس الدين، وبقتله عن قتل رسول الله ودين الله .. واستمع الى هذه الصرخة الغاضبة يطلقها الشيخ احمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا:

عجبا لمال الله اصبح مكسبا *** في رائح للظالمين وغاد
عجبا لآل الله صاروا مغنما *** لبني يزيد هدية وزياد

فيزيد وزياد رمز لكل من يسعى في الارض فسادا، واوضح الدلالات كلها هذا البيت:

ويقدم الأموي وهو مؤخر *** ويؤخر العلوي وهو مقدم

فانه ينطبق على كل من يتولى منصبا، وهو ليس له باهل .. وبهذا نجد تفسير الابيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الامر ليثأر من قاتلي الحسين، ويفعل بهم مثل ما فعلوا، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم ومحروم، وبقاتليه كل ظالم وفاسد، وبصاحب الامر الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا واليها يرمز السيد الحلي بقوله:

لاتطهر الارض من رجس العدى ابداً *** ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم

هذا، الى ان الحسين (ع) قد مضى على استشهاده ألف وثلاثمئة سنة او تزيد، ومن يومه الى يومنا هذا، والاجيال من قوميات شتى ينظمون فيه الاشعار بالفصحى وغير الفصحى، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من الأطوار، وقضت على الكثير من العادات الا الاحتفال بذكرى الحسين، والهتاف باسم الحسين نثراً وشعراً، فانه ينمو من عصر الى عصر، تماماً كما تنمو الحياة، وسيستمر هذا النمو – والسين في يستمر للتأكير لا للتقريب – قياساً للغائب على الشاهد .. وما عرفت البشرية جمعاء عظيماً من ابناءها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي (ع) .. ولو تصدى متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه، وما نظم في عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان، او رجحت كفة الحسين، وما هذه المجموعة (الشبرية) الا نقطة من بحر، وحبة من رمل، والسر الاول والاخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين، واشار اليه بقوله؛ وهو في طريقه الى ربه: (امضى على دين النبي): اذن، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.

وقد يقال: ان مسألة النظم في الحسين (ع) مسألة طائفية، لا مسألة اسلام وانسانية؟.
ونقول في الجواب: ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للانسانية نفسها، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية، فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية، ومع ذلك فهي انسانية، ومصدر الإلهام لكثير من الثورات.

وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي (الاثنا عشرية):

ان التطور لم يقف عند حدود المادة، بل تعداها الى الافكار واللغة، لانها جميعاً متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض، وكلمة الحسين كانت في البداية اسما لذات الحسين بن علي (ع) ثم تطورت مع الزمن، واصبحت عند شيعته وشيعة ابيه رمزاً للبطولة والجهاد من اجل تحرير الانسانية من الظلم ولااضطهاد، وعنواناً للفداء والتضحية بالرجال والنساء والاطفال لإحياء دين محمد بن عبد الله، « ص » ولا شيء اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين: امضي على دين النبي.
اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد، والتهتك والخلاعة، وعنوان للزندقة والالحاد، فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد، وحيثما يكون الحق فثمَّ اسم الحسين .. فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة وسيناء والضفة الغربية من الاردن، والمرتفعات السورية، اما اطفال الحسين وسبايا الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم .. وشهداء كربلاء هم الذين قتلوا دفاعاً عن الحق والوطن في 5 حزيران. وهذا ما عناه الشاعر بقوله:
كأن كل مكان كربلاء لدى *** عيني وكل زمان يوم عاشورا

اين روح الحسين؟

ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها، وهي ان اية ثورة على الظلم والطغيان تقوم في شرق الارض وغربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة، حتى ولو كان اصحابها لايؤمنون بالله واليوم الآخر .. فان الظلم كريه وبغيض بحكم العقل والشرع، سواء أوقع على المؤمن ام الكافر، وان اي انسان ضحى بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في عمله هذا، وان لم يسمع باسم الحسين، لان الانسانية ليست وقفاً على دين من الاديان، او قومية من القوميات.
وعلى هذا فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم، وصد الغزاة الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه، وان لم يسمعوا باسمه، ومن لا يهتم الا بنفسه وذويه، ويساند اهل البغي والفساد حرصاً على منفعته فهو على دين يزيد وابن زياد، وان لطم وبكى على الحسين ان الحسيني حقاً من يؤثر الدين على نفسه واهله، ويضحي بالجميع من اجله، تماماً كما فعل الحسين، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماما كما يقطع الثوب على مقدار طوله وعرضه، اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء.
وتقول: كيف؟ وهذه الحرقة واللوعة، وهذا الدمع والعويل على الحسين، هل هو رياء ونفاق؟.
واقول: كلا، هو صدق واعتقاد، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين (ع) .. وفيما عداه فالدين هو منفعته ومنفعة اولاده وذويه .. ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين وجد الحسين .. ان حب الذات يفصل الانسان عن نفسه، ويبعده عن واقعه، وينتقل به الى عالم لا وجود له الا في مخيلته وعقيدته، ويوهمه انه اتقى الاتقياء، وهو أفسق الفاسقين، وانه اعقل العقلاء، وهو اسفه الجاهلين.
ومن يدري اني اصف نفسي بنفسي، من حيث لا اشعر .. واقول .. ان هذا ليس بمحال، وانه جائز على كل انسان غير معصوم كائناً من كان ويكون .. ولكني اقسم جازماً اني اتهم نفسي واحاكمها كثيراً، واتقبل الحكم عليها من كل منصف خبير، فهل يتفضل السادة الكبار، بل والمراهقون منهم والصغار، هل يتفضلون بقبول الرجاء من هذا العبد الفقير الذي يتهم نفسه ان يتهموا انفسهم، ويراجعوها، ويقفوا منها موقف الناقد البصير، تماماً كما يتهمون غيرهم، او ان حضراتهم يصرون على انهم فوق الشبهات، لان الراد عليهم راد على الله؟ .. ومهما شككت، فاني على يقين بان من ينظر الى نفسه بهذه العين فهو من الذين عناهم الله بقوله:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1.

خطباء المنبر الحسيني

كان المنبر فيما مضى الوسيلة الكبرى للدعاية والاعلام، ثم تطورت وسائل النشر الى الكتب، ومنها الى الصحف والمسرح والاذاعة، ثم الى التلفزيون والروايات والالواح الفنية، والبعثات التبشيرية، واخطر الوسائل كلها اولئك المأجورون الذين يقبضون في الظلام من اعداء الدين والوطن؛ ويمشون بين الناس كالشرفاء .. وان لي مع هؤلاء لموقفا اجمع واوجع.
والشيعة لا يملكون من وسائل الاعلام الا المنبرا لحسيني وبعض المؤلفات، ولكن جماهير منبر الحسين لا يحلم بها كاتب ومؤلف، وهو سلاح له خطره ومضاؤه في محاربة الباطل واهله، والزندقة والالحاد، لان الهدف الاول من هذا المنبر ان يبث في الناس روح الحسين، حتى اذا رأوا باطلا قاوموه وحقاً ناصروه، ومن هنا كان العبء ثقيلا على خطباء المنبر الخطير الا على الاكفاء منهم .. والحق ان بعضهم أدوا المهمة على وجهها، واهتدى بهم الكثير من الشباب الى سواء السبيل ولكن هؤلاء – وللاسف – قليلون جداً، والاكثرية الغالبة مرتزقة متطفلون، او ممثلون لايهتمون بشيء الا بعاطفة المستمع وميوله، تماماً كالمهرج، يقف على خشبة المسرح ليؤنس المتفرجين ويضحكهم. ويجهلون او يتجاهلون ان كمهمة المرشد الواعظ كمهمة الطبيب الجراح يستأصل بمبضعه الداء من جذوره، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه. 
والحديث عن قراء التعزية وخطباء المنبر الحسيني متشعب الاطراف، بخاصة عن الذين لا يشعرون بالمسئولية، ولا يقدرون لهذا المنبر هيبته وقداسته، وما رأيت احد تناول هذا الامر بالدرس والبحث، وعالجه معالجة موضوعية، مع انه جدير بالاهتمام لتأثيره البالغ في حياتنا وعقيدتنا.
ولو وجدت متسعاً من الوقت لتصديت، ووضعت النقط على الحروف، مع مخطط شامل يفي بالغرض المطلوب .. واكتفي الآن بهذه النصيحة، وهي ان يجعل الخطيب نصب عينيه قول سيد البلغاء، وامام الخطباء (ع):
(لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين). هذا هو مقياس البلاغة الذي يحفظ للكلمة شرفها .. وهو واضح وبسيط، كلام يتفق مع القلوب والآذان، ولا شيء وراء ذلك.2

  • 1. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 103 و 104، الصفحة: 304.
  • 2. المصدر: مقدمه جلد اول کتاب ادب الطف بيروت في 1 / 1 / 1969
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى