الطريق الأول: الخلوه
نحن لا نخلو مع أنفسنا نحن نسترسل مع العمل ومع الأهل والأولاد والدنيا، نحن لا نبحث عن خلوةٍ لأنفسنا. إذا جلسنا نتحدث عن السياسة ونتحدث عن الدنيا وعن الأسهم والتجارة وكأنه ليس في حياتنا إلا هذا، هل يوماً من الأيام في مجالسنا نتناول ذكر الله نذكر موعظه وحكمه من حكم الأئمه إننا لاهون وساهون، علينا أن نخلو بأنفسنا جميلٌ بالإنسان أن يخلو بنفسه، يترك الزوجه والأولاد والبيت والهاتف ويترك كل مُتعلقات الدنيا، يخلو مع نفسه في ظلام الليل 10 دقائق أفكر في نفسي، ماذا صنعت؟ ماذا فعلت أنا منذ بلوغي إلى الآن؟ كم جريمة وكم معصيه إرتكبتها؟ كم مصيبه تعمدتها؟ هل أفكر في خطي وشريط أعمالي هذا الشريط الأسود المظلم الذي لو إطلع عليه الناس لهجروني وتركوني، فكيف يصبر عليّ رب العالمين وأنا سائر بلا حياء ولا ندم وبلا حسرةٍ وأسف في هذا الخط الأسود المُظلم ولو ليلة الجمعه، ورد عن النبي : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا“.
الطريق الثاني: ذكر الموت
أيننا عن ذكر الموت نحن نبغضه لأنه نهايه للحياة الجميله الممتعه، نبغضه لأن ذكره يُنغص علينا الحياة مع أنه لا علاج لنا إلا ذكره الإمام أمير المؤمنين يقول: ”إحذروا الموت وسكرته وأعدوا له عدته فإن الموت يفجأكم بأمر عظيم بخيرٍ لا شر معه أو بشرٍ لا خير معه، فأكثروا من ذكر الموت وكفى بالموت واعظه، فقد قال رسول الله : أكثروا من ذكر الموت فإنه هادمٌ للذات وحائلٌ بينكم وبين الشهوات ومفرقٌ للجماعات، قيل يارسول الله وماهو أشد من الموت؟ قال: وأشدُ من الموت القبر فأذكروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته فإن القبر يُخاطب إبن آدم كل يوم“ قبري الذي سأدفن فيه يومٌ من الأيام يُخاطبني كل يوم أنا بيت الغربه وأنا بيت الوحشه، أنا بيت الآخرة، قبري ينتظرني.
ولذلك بعض العلماء يشتري الكفن ويُعلقه أمامه حتى يتذكر قبره، يُواظب على زيارة المقبره لكي يتذكر قبره، كما ورد عن النبي : ”إذا وضع الميت في قبره يلتفت إلى ثلاثه: إلى أمواله، إلى أولاده، وإلى أعماله“
يلتفت إلى أمواله: الآلاف والملايين التي كانت عنده هذه الأموال التي تعبتُ وشقيتُ عليها وصرفتُ عُمري في جمعها ماذا تعطيني هذه الأموال؟ أنا الآن في بيت الظلمة والغربه وفي بيت الوحشه في التربه ماذا تعطيني هذه الأموال؟ فتجيبه أمواله مالك عندنا غير سترةٍ بيضاء تواري بها عودتك، فيتحسر.
ويلتفت إلى أولاده: أولادي ربيتكم وتعبتُ عليكم ماذا تعطوني وأنا الآن في هذا البيت المظلم الموحش؟ فيجيبه أولاده نشيّعك إلى قبرك ونواريك في حفرتك فيندم.
ويلتفت إلى أعماله: يقول أعمالي هذا الشريط الأسود والبغيض المملوء بالذنوب والمعاصي الذي لا أريد أن أذكره، ماذا يُعطيني عملي؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك وصاحبك عند نشرك فإن كان حسناً كان قبرهُ روضة من رياض الجنة، وإن كان سيئاً كان قبره حُفرةً من حفر النار، علي بن أبي طالب ينادينا ”ياعبيد الدنيا وعُمال أهلها إذا كُنتم بالنهار تحلِفون وبالليل تنامون ومابين ذلك أنتم غافلون فمتى تُجهزون الزاد وتُهيئون للمعاد“
الطريق الثالث: ذكر الآخرة
﴿ … وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ 1 ﴿ … إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 2.
أتى جبرئيل إلى رسول الله يوماً عابساً قاطباً قال: ياجبرئيل كنت تأتيني مُبتسماً فلماذا أتيت اليوم عابساً؟ قال يارسول الله: لقد وضعتُ منافخ النار، قال: وما منافخ النار؟ قال: إن الله أمر بالنار فنفخت ألف عامٍ حتى إبيضت، ونُفخ فيها ألف عامٍ حتى إحمرت، ونُفخ فيها ألف عامٍ حتى إسودت فهي سوداء مُظلمة، لو قطر من ضريعها قطرة على شراب أهل الأرض لمات كُلهم من نتنها، ولو عُلق سِربال من سرابيل النار بين السماء والأرض لمات أهل الأرض كُلهم من حر ذلك السربال،
إن أهل النار إذا أتوا يوم القيامه وزُوجوا فيها هوو مسيرة سبيعين يوماً، فإذا رجعوا وأرادوا أن يخرجوا منها قمعوا بمقامع من حديد وأعيدوا فيها، ﴿ … كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ … ﴾ 3. وهذا الجسم كيف يتحمل؟ أنا لو أخذت عود كبريت وأشعلته ووضعته على إصبعي هل أتحمل؟ أنا لا أتحمله فكيف أتحمل أن أكون في قلب النار، ﴿ … كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ … ﴾ 4 كيف أتحمل الذنوب كلها وهي نار؟ أنا أمشي في الدنيا وأنا لا أشعر لكن على ظهري نار أمشي بها، كذبي وغيبتي، عقوقي لوالديّ وإساءة خُلقي مع زوجتي وأولادي ومع الزوج، كل هذه نار أحملها على ظهري وعلى صدري، فبادر إلى التوبة والإنابه ليلة الجمعه ﴿ … تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا … ﴾ 5 بادر إلى تذكر الموت وأنظر إلى الذين شغلوا حياتهم بذكر الموت، دائماً ذكر الموتِ على ألسنتهم وشفاههم وذكره هو الذي يرسمونه أمام أعينهم 6.
- 1. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 2، الصفحة: 332.
- 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 2، الصفحة: 106.
- 3. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 20، الصفحة: 416.
- 4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 56، الصفحة: 87.
- 5. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 8، الصفحة: 561.
- 6. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة السيد منير الخباز حفظه الله.