ـ الأحاديث النبوية في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام
كانت ولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله أمراً مفروغاً عنه ، لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه و آله أن يبلغ الأمة ولاية عترته من بعده ، كما هي سنته تعالى في أنبيائه السابقين الذين ورَّث عترتهم الكتاب والحكم والنبوة ، ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (1) . ونبينا صلى الله عليه و آله أفضلهم ولا نبوة بعده ، بل إمامةٌ ووراثةُ الكتاب ، وعترته صلى الله عليه و آله أفضل من عترة جميع الأنبياء عليهم السلام ، وقد طهرهم الله تعالى بنص كتابه ، واصطفاهم وأورثهم الكتاب : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ (2) .
فالذين اصطفاهم الله هم أبناء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ، والسابقون بالخيرات منهم هم الأئمة المعصومون عليهم السلام وهم أولو الأمر في هذه الأمة . والمقتصد المؤمن بهم ، والظالم لنفسه من حسدهم وأنكرهم ! ولا يستقيم معنى الآية بتفسير آخر .
وكان النبي صلى الله عليه و آله طوال نبوته يبلّغ ولاية عترته بالحكمة والتدريج والتلويح والتصريح ، لعلمه بحسد قريش لبني هاشم ، وخططها لإبعادهم عن الحكم بعده ، وقد لمس صلى الله عليه و آله مرات عديدة عنف قريش ضدهم ، فأجابهم بغضب نبوي !
ونذكر فيما يلي أحاديث الأئمة الإثني عشر عليهم السلام من مصادرهم التي روتها في خطبه في حجة الوداع ! فقد روى بخاري في صحيحه : 8 / 127 : ( جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص) يقول : يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ) !
وفي مسلم : 6 / 3 : ( جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : كلهم من قريش ) ! ثم روى ثانية وفيها : ( ثم تكلم بشئ لم أفهمه ) . ثم روى ثالثة وفيها : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة ، فقال كلمة صَمَّنِيَها الناس ! فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ) . انتهى .
ولم يقل بخاري إن هذا الحديث جزءٌ من خطب حجة الوداع ! لكن عدداً من المصادر نصت عليه ، ففي مسند أحمد : 5 / 93 و 96 و 99 : (عن جابر بن سمرة قال : خطبنا رسول الله (ص) بعرفات) . وفي / 87 : ( يقول في حجة الوداع ) . وفي / 99 : ( سمعت رسول الله يخطب بمنى ) . وهذا يعني أنه صلى الله عليه و آله كرر الموضوع في عرفات ومنى ، ثم أعلنه صريحاً قاطعاً في غدير خم ! فما هي قصة الأئمة الإثني عشر ؟ ولماذا طرحها النبي صلى الله عليه و آله على أكبر تجمع من أمته وهو يودعها ؟!
يجيبك بخاري وأمثاله : إن الأئمة بعد النبي صلى الله عليه و آله أبو بكر وعمر . . . أما هؤلاء الأئمة الإثني عشر فليسوا مفروضي الطاعة دون غيرهم ، بل هم صالحون سيكونون في زمن ما ! وقد أخبر النبي أمته بأنهم من كل قريش لا من بني هاشم وحدهم ، وهذا كل ما في الأمر !
وتسأل البخاري : لماذا أخبر النبي صلى الله عليه و آله أمته بهم في حجة الوداع في عرفات ومنى ؟ وما هو الأمر العملي الذي أراده منها ؟!
يجيبك بخاري : بأن الموضوع مجرد خبر فقط ، أحب النبي صلى الله عليه و آله أن يخبر أمته به لتأنس به ! كالخبر الصحفي للعلم ، وليس للعمل !!
ولذلك لم يروِ بخاري في الأئمة الإثني عشر إلا هذه الرواية اليتيمة المجملة المبهمة ، التي لا يمكنك أن تفهمها أنت ولا قومك !
بينما روى عن حيض أم المؤمنين عائشة في حجة الوداع روايات عديدة ، واضحة مفهومة مكررة ، تبين كيف اهتم بها النبي صلى الله عليه و آله وأرسل معها من يساعدها على إحرامها وحجها . . إلخ .
أما مسلم فكان في صحيحه أكرم من بخاري قليلاً ، لأنه اختار رواية تدل على أن الإثني عشر هم خلفاء بعد النبي صلى الله عليه و آله !
ويكاد يفرح المسلم بأن الله تعالى حلَّ مشكلة الحكم بعد نبيه صلى الله عليه و آله فعين هؤلاء الأئمة عليهم السلام ، فلا يحتاج الأمر إلى سقيفة واختلاف وصراع دموي على الحكم من صدر الإسلام إلى يومنا هذا ، وملايين الضحايا على مذبح الخلافة ، وانقساماتٍ حادة في الأمة ، أدت إلى تراكم ضعفها ، حتى انهارت خلافتها وكيانها على يد العثمانيين !
لكن رواية مسلم تقول : كلا لم يحل النبي صلى الله عليه و آله مشكلة الحكم بعده لأنه أخبر عن عددهم ولم يخبر عن هويتهم وأسمائهم ؟ ولم يسأله أحد من عشرات الألوف الذين خاطبهم : من هم يا رسول الله ؟!
ولو سأله أحد فسماهم أو سمى الأول منهم ، لرضيت بهم قبائل قريش وأطاعتهم ، لأنها قبائل مؤمنة مطيعة لله تعالى ولرسوله ، مترفعة عن حطام الدنيا !
وهكذا يقفل الشيخان بخاري ومسلم عليك الأبواب في أمر الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، ويقولان لك مقولة قريش : إن نبيك نفسه قصر في التبليغ والبيان ، وحاشاه ! وإنه تحدث في حجة الوداع عن رائحة الأئمة الإثني عشر فقط ، فَشُمَّهَا واسكت !
لكنك رغم ذلك تجد في مصادرهم نتفاً فيها عناصر مفيدة ! فقد رووا عن نفس الراوي سمرة أن النبي صلى الله عليه و آله قال : ( يكون بعدي ) مما يدلك على أنهم بعده مباشرة (3) .
ثم رووا عن نفس الراوي أن الحديث كان في المدينة بعد حجة الوداع ، وأن قريشاً اهتمت به ! ففي مسند أحمد : 5 / 92 : أنه صلى الله عليه و آله قال : يكون ( بعدي . . . الخ . ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال ثم يكون الهرج ) .انتهى . فالأئمة الإثنا عشر بعده صلى الله عليه و آله وقد بشر بهم في المدينة أيضاً ! لكن ذلك لا يحل مشكلة الباحث ، بل يفتح باب الأسئلة على قريش ورواتها ، كما ترى في المسائل التالية :
2 ـ راوي الحديث عندهم صبي من الطلقاء !
لماذا حصر أتباع الخلافة روايات هذه القضية الضخمة براوٍ واحد هو جابر السوائي ، الذي كان صبياً ابن بضع سنوات في حجة الوداع وأبوه من الطلقاء ، ولم يثبت أن أباه أسلم ؟! ألم يروها غير هذا الصبي من مئة ألف أو يزيدون ؟ أم فازت روايته بالجائزة لأنها تلائم الخلافة القرشية ، فسمحت بتدوينها !
بلى روت مصادرهم هذا الحديث عن : عبد الله بن مسعود . وأبي جحيفة ، وروته مصادرنا كالخزاز عن عمر بسند رواته سنيون !
لكن علماءهم اهتموا برواية جابر بن سمرة وصححوها وجعلوها المحور ، وجعلوا غيرها في الظل ، فلم يعتمدوها في بحثهم !
أما والد جابر ، أي سمرة بن جنادة السوائي فذكر ابن حجر في نسبه ( يُقاليْن ) : يقال : ( ابن عمرو بن جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة السوائي . ويقال : من قبيلة عامر بن صعصعة ) (4) . ويؤيد شك ابن حجر في نسبه أن الذهبي قال في سيره : 3 / 187 : ( وهو وأبوه من حلفاء زهرة ) .
وكان سمرة من الطلقاء ، ففي تهذيب التهذيب : 4 / 206 : ( وقرأت بخط الذهبي أنه مات في ولاية عبد الملك ابنه جابر ، وأما سمرة فقديم . وذكر ابن سعد أنه أسلم عند الفتح ، ولم أقف على من أرخ وفاته غير من تقدم ) .انتهى . ومعناه أن الذهبي يشك في أن سمرة قد أسلم ، لكن بخاري ذكر في تاريخه الكبير : 4 / 177 ، أن له صحبة .
أما جابر ابنه فهو فرخُ طليق كان صغيراً عند فتح مكة ، لأنه توفي سنة 76 ، ولأنه قال إن النبي صلى الله عليه و آله مسح على خد الصبيان المصلين في المدينة بعد الفتح وكان هو منهم (5) ومعناه أنه جاء بعد الفتح الى المدينة وكان صبياً ابن عشر سنوات أو أقل وعاش ، وعاش مع خاله سعد بن أبي وقاص ، ثم سكن في الكوفة ومات سنة ست وسبعين (6) . ويظهر أن بعضهم شكك في إدراكه للنبي صلى الله عليه و آله فأجابهم : ( جالست رسول الله ( ص ) أكثر من مائة مرة ) 7 . وقال العيني : 6 / 5 إنه روى 146 حديثاً اتفق الشيخان منها على اثنين .
فاعجب ما شئت لشيوخ قريش وكبار الصحابة ، حيث كان هذا الصبي الطليق أذكى منهم فاهتمَّ بمستقبل الأمة وأئمتها الربانيين عليهم السلام !
بل أعجب للخلافة القرشية كيف سيطرت على مصادر الحديث النبوي فلم تسمح بتدوين حديث في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، الذين بشر بهم رسول رب العالمين صلى الله عليه و آله ، إلا حديث هذا الصبي الذي كان عمره في حجة الوداع بضع سنين !
3 ـ كلمة السر المفقودة هوية الأئمة الإثني عشر عليهم السلام !
كان المسلمون يسألون النبي صلى الله عليه و آله عن صغير الأمور وكبيرها حتى أثناء خطبه ، وقد أخبرهم هنا بأمر كبير خطير ، عقائدي ، عملي ، مستقبلي ، ومصيري . . فادعوا أنه أبهمه وعَمَّاه ، ثم لم يسأله أحد من المسلمين عن هؤلاء الأئمة الربانيين عليهم السلام ، وواجب الأمة تجاههم ؟!
ثم رواها نفس الراوي عن النبي صلى الله عليه و آله في المدينة فخفيت نفس الكلمة ! ففي الطبراني الكبير : 2 / 256 3 : عن ابن سمرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وهو يخطب على المنبر ويقول : إثنا عشر قيماًَ من قريش ، لا يضرهم عداوة من عاداهم ، قال : فالتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب وأبي في ناس ، فأثبتوا لي الحديث كما سمعت ) .
وقال عنه في مجمع الزوائد : 5 / 191 : رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده ، وزاد فيه : ثم رجع ، يعني النبي (ص) إلى بيته فأتيته فقلت : ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج . ورجاله ثقات ) . انتهى .
وعلى هذا صار الحديث : اثني عشر قيماً والناس يعادونهم ! وصار الذي أثبت له أن النبي صلى الله عليه و آله أبهم هويتهم جماعة فيهم عمر وأبوه . وبذلك تغير ومكان الحديث وصيغته وصفات الأئمة فيه ، والشخص الذي سأله عن الكلمة المفقودة ، لكنها ما زالت نفسها ، نفسها !
وعندما يقولون ( قريش ) في المدينة ، فهم يعنون عمر وأبا بكر ، ومعناه أنهما ذهبا إلى بيت النبي صلى الله عليه و آله كما قال جابر وسألاه عما يكون بعد هؤلاء الإثني عشر عليهم السلام ! فهل يعقل أنهما لم يسألاه عنهم ؟!
ومن الطريف أن جابر يقول هنا إنه هو ذهب إلى بيت النبي صلى الله عليه و آله وسأله عما يكون بعد الأئمة الإثني عشر عليهم السلام !
والأعجب من الجميع أنهم رووا الحديث عن راوٍ آخر ، هو أبو جحيفة فخفيت عليه نفس الكلمة أيضاً ! فسأل عنها عمه وليس أباه ! ففي مستدرك الحاكم : 3 / 618 : عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه و آله فقال : لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة ، ثم قال كلمة وخفض بها صوته ، فقلت لعمي وكان أمامي : ما قال يا عم ؟ قال : قال يا بني : كلهم من قريش ) . وقال عنه في مجمع الزوائد : 5 / 190 : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، والبزار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح ) .انتهى . فهي ظاهرة لا مثيل لها في جميع أحاديث النبي صلى الله عليه و آله ! وهي دليل قاطع على أن أمر هذا الحديث مهم جداً جداً ، وأن في الأمر سراً يكمن في كلمة : كلهم من قريش ، أي من العشرين قبيلة ، وليسوا من بني هاشم فقط !
أقول : لعل الراوي الأصلي للحديث هو عمر بن الخطاب ، وهو الذي صححه لجابر بن سمرة وأمره أن يرويه هكذا ! فقد رواه الخزاز القمي الرازي في كفاية الأثر / 90 ، بسنده عن المفضل بن حصين ، عن عمر بدون ابن سمرة وأبيه ، وبدون أبي جحيفة وعمه ! قال عمر : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر ، ثم أخفى صوته فسمعته يقول : كلهم من قريش ) . انتهى .
4 ـ أصل الحديث اثنا عشر إماماً كلهم من أهل بيتي
جاء في مسند أحمد : 5 / 100 و 107 ، أن الراوي لم يفهم الكلمة : ( ثم قال كلمة لم أفهمها ، قلت لأبي : ما قال ؟ قال : قال كلهم من قريش ) .
وفي الحاكم : 3 / 617 : ( وقال كلمة خفيت عليَّ ، وكان أبي أدنى إليه مجلساً مني فقلت : ما قال ؟ فقال كلهم من قريش ) .
وفي أحمد : 5 / 90 و98 ، أن النبي صلى الله عليه و آله نفسه أخفاها وخفض بها صوته وهمس بها همساً ! ( قال كلمة خفية لم أفهمها ، قال : قلت لأبي ما قال ؟ قال : قال كلهم من قريش ) . وفي الحاكم : 3 / 618 : ( ثم قال كلمة وخفض بها صوته ، فقلت لعمي وكان أمامي : ما قال يا عم ؟ قال : قال يا بني : كلهم من قريش ) . وفي الطبراني الكبير : 2 / 213 و 214 : ( عن جابر بن سمرة عن النبي (ص) قال : يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً ، لايضرهم من خذلهم ، ثم همس رسول الله صلى الله عليه و آله بكلمة لم أسمعها ، فقلت لأبي : ما الكلمة التي همس بها النبي (ص) ؟ قال أبي : كلهم من قريش ) .
بينما تقول روايات أخرى إن الذي ضيع الكلمة هم الناس وليس الراوي ولا النبي صلى الله عليه و آله ! فالناس المحرمون لربهم في عرفات ، المودعون لنبيهم ، المنتظرون لكل كلمة تصدر منه صلى الله عليه و آله ، صاروا بزعم الرواية كأنهم في سوق مزدحم ، وصار فيهم مشاغبون يلغطون عند الكلمة الحساسة ليضيعوها على المؤمنين ، فيضجون ويكبرون ويتكلمون ويلغطون ويقومون ويقعدون ! ففي سنن أبي داود : 2 / 309 : ( قال : فكبر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفية ، قلت لأبي : يا أبة ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ) (8) ، وفي أحمد : 5 / 98 : ( ثم قال كلمة أصَمَّنِيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ) . وفي رواية مسلم المتقدمة ( صَمَّنيها الناس ) . وفي / 93 : ( وضج الناس . . ثم لغط القوم وتكلموا ، فلم أفهم قوله بعد كلهم ) . وفي نفس الصفحة : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة . قال فجعل الناس يقومون ويقعدون . . . ) !
فهل فهمت لماذا ضاعت هوية الأئمة الربانيين ؟! وهل ضيعها الراوي ، أو النبي صلى الله عليه و آله ، أو الناس . . أو السلطة القرشية ؟!
ثم هل عرفت الذين سألهم جابر عن كلمة السر ، فقالوا إن النبي صلى الله عليه و آله ضيع الأئمة وغنهم في قبائل قريش ، أو همس بهم همساً فسمعوها وحدهم ، دون المسلمين ؟!
ثم إن أكثر الروايات كبخاري ومسلم تقول إنه سأل أباه سمرة ، فتكون الشهادة بتوسيع دائرة الإمامة والقيادة من العترة إلى قريش ، متوقفة على وثاقة سمرة الذي لم يثبت أنه دخل في الإسلام ! لكن في رواية أحمد : 5 / 92 : ( فسألت القوم كلهم فقالوا : قال كلهم من قريش ) ، ونحوه / 90 ، وفي / 108 : ( فسألت بعض القوم ، أو الذي يلي : ما قال ؟ قال كلهم من قريش ) ، وفي : 5 / 99 و 108 : ( فخفي عليَّ فسألت الذي يليني ) وفي معجم الطبراني الكبير : 2 / 249 ، قال : إن القوم زعموا زعماً : ( فزعم القوم أنه قال : كلهم من قريش ) !
فهل يمكن لباحث أن يقبل ضياع أهم كلمة تحدد هوية هؤلاء الأئمة الربانيين عليهم السلام ، الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه و آله في جو هادئ منصت في عرفات ومنى ؟! ثم لم يسأله أحد من مئة وعشرين ألفاً كانوا يستمعون إليه ويودعونه ، عن الكلمة التي هي لب الموضوع !
ثم بشر بهم النبي صلى الله عليه و آله في جو هادئ على منبر مسجده في المدينة فضاعت نفس الكلمة التي تحدد هوية الأئمة عليهم السلام ولم يسأله عنها أحد ولا هو بينها لهم ! وذهبت ( قريش ) الى بيته صلى الله عليه و آله لتسألنه عما يكون بعد هؤلاء الأئمة عليهم السلام ، ولم تسأله عنهم ولا عن عصورهم !
ومما يزيدك شكاً في تحريف قريش لهذا الحديث أنهم رووا أن النبي صلى الله عليه و آله اهتم كثيراً في عرفات بأن يصل كلامه الى كل الحاضرين ، فكان يخطب وهو راكبٌ على ناقته ! ففي أحمد : 5 / 87 : ( ثم خفي من قول رسول الله (ص) قال : وكان أبي أقرب إلى راحلة رسول الله مني ) !
بل رووا أن النبي صلى الله عليه و آله أمر رجلاً جَهْوَرِيّ الصوت أن يلقي خطبته جملةً جملة ! ففي مجمع الزوائد : 3 / 270 : ( كان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو الذي كان يصرخ يوم عرفة تحت ناقة رسول الله ( ص ) وقال له رسول الله (ص) : أصرخ ، وكان صَيِّتاً ، أيها الناس أتدرون أيَّ شهر هذا ؟ فصرخ ، فقالوا : نعم ، الشهر الحرام . قال فإن الله عز وجل قد حرَّم عليكم دماءكم وأموالكم . . .ثم قال : أصرخ : هل تدرون أي بلد هذا …. أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت ثدي ناقته . . . ) .
من أجل هذا ، لا يمكن الثقة بقولهم إن النبي صلى الله عليه و آله أخفى هوية هؤلاء الأئمة عليهم السلام وقال إنهم من قبائل قريش العشرين ، لأن هذا نفس الكلام الذي قاله زعماء قريش عندما دبروا السقيفة خفية بدون علم أهل البيت عليهم السلام ، وأبعدوهم عن خلافة النبي صلى الله عليه و آله ! فقالوا إن قريشاً تأبى أن تجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة ، فيجب أن تدور الخلافة بين بطون قريش العشرين أو أكثر !
فالصحيح أن النبي صلى الله عليه و آله حدد الأئمة الإثني عشر بعترته عليهم السلام كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم في حيزنا ، فكانوا كما قال الأول :
أدَمْتَ لعَمـري شُرْبَك المحضَ صابحاً *** وأكلَك بالزُّبد المَقَشَّرة البُجْرَا
ونحن وهبناك العـلاءَ ولم تكنْ علياً *** وحُطْنَا حولك الجُرْدَ والسُّمْرا
وكما قال أيضاً عليه السلام : ( أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم . بنا يُستعطى الهدى ، ويستجلى العمى . إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (9) .
5 ـ من المحال أن يكون الوعد الإلهي بقيادة مجهولة !
الوعد الإلهي لهذه الأمة باثني عشر إماماً بعد نبيها صلى الله عليه و آله ، وعدٌ حكيمٌ من لدن حكيم خبير ، على سنته تعالى في الأمم السابقة ، لحل أصعب مشكلة تواجهها الأمم بعد أنبيائها ! فكيف تقبل عقولنا أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه و آله أن يبشر أمته بقادة ضائعين في عشرين قبيلة ؟!
لقد وعد الله على لسان عيسى عليه السلام برسول يأتي من بعده بخمس مئة سنة ، ومع ذلك سماه باسمه فقال : ﴿ … وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ … ﴾ (10) ، فكيف يعقل أنه وعد الأمة الخاتمة على لسان نبيها بقادتها الربانيين القيمين عليها بعده ، ثم لم يسمهم ولا سمى أولهم على الأقل ، ولا سمى أسرتهم ، بل اكتفي بالقول إنهم من بضع وعشرين قبيلة تنتسب الى إسماعيل عليه السلام ! وهل معنى ذلك إلا أن ننسب الى الله عز وجل أنه أشعل الصراع بين هذه القبائل التي تتناحر على فرس وبعير وما هو دون رئاسة الدولة بآلاف المرات !
6 ـ من قريش ، لكن من عترة النبي صلى الله عليه و آله
لو صرفنا النظر عن الإشكالات المتقدمة ، وقبلنا أن الحديث صدر عن النبي صلى الله عليه و آله بصيغته في مصادرهم ، فهو إذن يقول : إن قادة الأمة الخاتمة اثنا عشر ربانياً قيماً على الأمة من قبائل قريش .
ولا يمكن أن يختارهم الله من غير بني هاشم بعد أن اختارهم على بطون قريش ! ففي صحيح مسلم : 7 / 58 ، عن واثلة بن الأسقع : ( سمعت رسول الله (ص) يقول : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) . ورواه الترمذي : 5 / 243 و 245 ، وصححه ثم روى أحاديث بمضمونه ، منها : عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم ، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض ( الكَبْوَة : المزبلة ! ) فقال النبي : إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ، ثم خيَّرَ القبائل فجعلني من خير قبيلة ، ثم خيَّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً ) . وحسنه ، ثم روى نحوه وصححه .
وفي صحيح بخاري : 4 / 138 : ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ (11) .. إلى قوله ﴿ … يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (12) . قال ابن عباس : وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم ، وآل عمران وآل ياسين ، وآل محمد (ص)) . انتهى .
إلى آخر ما ورد في اختيار الله لبني هاشم واصطفائهم وتفضيلهم ، وحقهم على الأمة ، فهو يدل على أن الأئمة الإثني عشر هم آل محمد صلى الله عليه و آله الذين اصطفاهم الله كآل إبراهيم .
7 ـ أحاديث النبي صلى الله عليه و آله فسرت الإثني عشر عليهم السلام
كلام النبي صلى الله عليه و آله كالقرآن يفسر بعضه بعضاً ، وما صدر عنه صلى الله عليه و آله في حق عترته : علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريته عليهم السلام واتفق عليه المسلمون وحكموا بصحته ، لا يبقي شكاً في أنه يقصد هؤلاء الذين مدحهم في مناسبات عديدة ، وبيّن للأمة أن الله اختارهم ومدحهم وطهرهم من الرجس تطهيراً ، وأوجب على المسلمين مودتهم ، وأوجب عليهم أن يقرنوهم به ويصلوا عليهم في صلاتهم ، وحرم عليهم الصدقة وجعل لهم الخمس في ميزانية الدولة وجعلهم وصيته وأمانته في أمته ، عديلاً لكتاب الله تعالى وسماهما ( الثقلين ) . فهذه الأحاديث عبرةٌ لمن كان له قلب ، وكفايةٌ لمن ألقى السمع ، وشهادةٌ لمن أراد الحجة .
8 ـ الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام في التوراة
قال ابن كثير في النهاية : 6 / 280 : ( في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل ، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً ) . انتهى .
وهو يقصد ما في التوراة الفعلية ـ العهد القديم والجديد : 1 / 25 ـ طبعة مجمع الكنائس الشرقية ، في سفر التكوين ، الإصحاح السابع عشر ، قال :
( 18 ـ وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك . 19 ـ فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده .20 ـ وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيراً جداً . اثني عشر رئيساً يلد ، وأجعله أمة كبيرة . 21 ـ ولكن عهدي أقيمه مع إسحق ، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت ، في السنة الآتية ) . انتهى . وقد ترجمها كعب الأحبار ( قيماً ) وترجمها بعضهم ( إماماً ) وهذا يؤيد بشارة نبينا صلى الله عليه و آله بالأئمة الإثني عشر من عترته عليهم السلام .
9 ـ اثنا عشر شهراً ، وإمام هدى ، وإمام ضلال !
ذكرت روايات خطب النبي صلى الله عليه و آله في حجة الوداع ، أنه ذكر الأئمة الإثني عشر ، وذكر استدارة الزمن كأول ما خلق الله الأرض ، وقرأ آية : ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ … ﴾ (13) . . ففي صحيح بخاري : 5 / 126 ، أنه صلى الله عليه و آله قال : ( الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض . السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب ) (14) .
ورواه مجمع الزوائد : 3 / 265 : بصيغة أقرب إلى أسلوب النبي صلى الله عليه و آله جاء فيها : ( ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض ثم قرأ : ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ … ﴾ 13 . ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . . . ) .انتهى . وذكر المفسرون والشراح أن المعنى إلغاء النسئ أي تأخير الشهور الحُرُم الذي ابتدعه العرب ، وأن النبي صلى الله عليه و آله أرجع التوقيت إلى هيئته الأولى يوم خلق الله السماوات والأرض !
لكنه تفسير غير مقنع ، فإن نسئ العرب لم يكن مؤثراً في الزمن والفلك حتى يرجع الزمن إلى حالته الأولى بإلغائه ! ولا دليل على ارتباط استدارة الزمان بالنسئ في كلامه صلى الله عليه و آله أبداً .
فالمرجح أنه صلى الله عليه و آله وهو يودع أمته ، حدثها عن استدارة الزمن برحيله ، وبدء مرحلة جديدة من قوانين الهداية والضلالة ! فكما أن حركة الزمن المادي قوامها الأشهر الإثنا عشر ، فحركة الزمن بقانون الهداية والضلال قوامها الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام ، الذين ينسجم وجودهم التكويني والمادي مع نظام الإثني عشر شهراً في تكوين السماوات والأرض ، شبيهاً بعنصري السلب والإيجاب في الطاقة ، والفجور والتقوى في النفس البشرية .
وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام تفسير الآية بالأئمة أو بالمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، وأن الأربعة الحرم هم الذين إسمهم محمد عليهم السلام .
ومما يؤيد ذلك : قداسة عدد الإثني عشر في القرآن ، ونظام الإثني عشر نقيباً الذي شرعه الله في بني إسرائيل ، والإثنا عشر حوارياًَ لعيسى عليه السلام ، وطلب النبي صلى الله عليه و آله من الأنصار في أول بيعتهم أن يختاروا منهم اثني عشر نقيباً ، ثم بشر الأمة بالأئمة الإثني عشر من بعده ، ثم أخبرها أنه يقابلهم اثنا عشر ( إماماً ) مضلاً من أصحابه ، وشدد على التحذير منهم ! فمقابل كل إمام هدى إمام ضلال ، كما أن مقابل كل نبي عدو أو أكثر من المجرمين ، يعملون لإضلال الناس !
روى مسلم : 8 / 122 ، أن النبي صلى الله عليه و آله قال : ( في أصحابي اثنا عشر منافقاً فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط . . . وقال حذيفة : أشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) . وأحمد : 4 / 320 ، وغيرها ، وغيره كثيرون .
وهؤلاء المنافقون هم الذين قال الله عن بعضهم : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ (15) .
10 ـ درجات الصحة التي منحوها لصيغ الحديث
في مصادر السنيين ثلاث صيغ لحديث الأئمة الإثني عشر ، وثلاثة رواة : وقد اتفقوا على تصحيح حديث ابن سمرة ، وتحسين حديث أبي جحيفة المشابه له فصحه بعضهم . واختلفوا في تصحيح حديث ابن مسعود ، الذي ينسف السقيفة ، بحجة أن في سنده مجالد بن سعيد ، الذي لم يوثقه إلا النسائي وغيره ، وضعفه آخرون .
ولا بد أن نضيف راويين آخرين هما : سمرة السوائي والد جابر ، وعمر بن الخطاب ، لأنه سألهما عن الكلمة الخفية فأخبراه بها . بل يجب أن نعدَّ عمر بن الخطاب راوياً مستقلاً ، لرواية كفاية الأثر عنه .
ونص حديث ابن مسعود كما في الزوائد : 5 / 190 : ( عن مسروق قال : كنا جلوساً عند عبد الله وهو يُقرؤنا القرآن فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد مذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ولقد سألنا رسول الله (ص) فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل . رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ، وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله ثقات ) . انتهى .
وقد حسنه ابن حجر في الصواعق / 20 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء / 10 ، قال : ( وعند أحمد والبزار بسند حسن عن ابن مسعود ) وقال البوصيري : ( رواه مسدد وابن راهويه وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأحمد بسند حسن ) (16) .
ولكن ذلك لا يشفع للحديث عندهم ، لأنه يجعل هؤلاء الأئمة الحكام الشرعيين للأمة بعد نبيها صلى الله عليه و آله ، ويدين خلافة السقيفة !
11 ـ الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام لا يحتاجون إلى اختيار ولا بيعة
ما دام الله تعالى قد اختارهم فواجب الأمة أن تطيعهم : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ (17) . فالأمة تملك اختيار حكامها في حالة عدم اختيار الله تعالى لهم ، وفي حدود ما ثبت في الشريعة ، أما إذا اختار الله إماماً فقد قضي الأمر : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ (17) . وهو الحكيم الخبير بما يصلح عباده ، واختياره للناس أفضل من اختيارهم لأنفسهم . وبيعة الناس للأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام إنما هي بيعة اعتراف والتزام بحقهم في الإطاعة ، تؤكد هذا الحق ولا تنشؤه .
وكان النبي صلى الله عليه و آله يأخذ البيعة في المنعطفات الهامة في حياة الأمة ، لتأكيد التزامها بطاعته في السراء والضراء والحرب والسلم !
ولذلك بلغهم ولاية علي عليه السلام في غدير خم ، أمر أن تنصب له خيمة وأن يهنئه المسلمون بولايته التي أمر الله تعالى بها ويبايعوه ، فهي تهنئة ثم بيعة بمعنى إعلان الإلتزام باختيار الله تعالى .
12 ـ قرشية الحديث ألقاها عمر في البحر
من المفارقات أن عمر بن الخطاب مؤسس نظام الخلافة القرشية ، ورافع شعار ( الخلافة لا تكون إلا في قريش ) الذي احتج على الأنصار في السقيفة بأن قريشاً قبيلة النبي صلى الله عليه و آله فهم أحق بسلطانه ، وقال : من ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن قومه وعشيرته ؟! فأسكت بذلك الأنصار مع أن القرشيون كانوا في بلدهم وضيافتهم ، وغلب هذا المنطق القبلي بسبب مناصرة الطلقاء وتفرق الأنصار .
لكن عمر نفسه تخلى عند وفاته عن شعار قرشية الخليفة وألقى به في البحر ، وقال لو كان سالم حياًّ لعهد إليه بالخلافة ، وسالم فارسي وهو عبدٌ لأبي حذيفة الأموي ! قال في تاريخ المدينة : 3 / 140 : ( لما طعن عمر عنه قيل له : لو استخلفت ؟ قال : لو شهدني أحد رجلين استخلفته أني قد اجتهدت ولم آثم أو وضعتها موضعها : أبو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى أبي حذيفة ) . وفي مجمع الزوائد : 4 / 220 : ( فقال عمر : قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً . . . لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح ) .انتهى . وبذلك فتح عمر الباب لأبي حنيفة فألغى شرط القرشية من الخلافة لمصلحة السلاجقة والمماليك والعثمانيين الأتراك ، فتسمَّوْا بخلفاء النبي صلى الله عليه و آله ونشروا مذهب أبي حنيفة ، وبنوا قبره !
موقف المذاهب في عصرنا من شرط القرشية في الحاكم
الأئمة الربانيون عندنا هم عترة النبي صلى الله عليه و آله : عليٌّ والأحد عشر من ولده عليهم السلام . وبما أن خاتمهم الإمام المهدي عليه السلام غائب ، فالحكم في عصرنا يكون للفقيه بالوكالة عنه ، أو يكون للأمة ، ولا نشترط أن يكون الفقيه قرشياً ، أما الشيعة الزيدية فالإمامة عندهم مفتوحة لكل عالم يقوم بالسيف من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام .
أما السنيون فمنهم من يوافقنا على إسقاط شرط القرشية في الحاكم عملاً بقول الخليفة عمر ، وفتوى أبي حنيفة ، وهم قلة ، وأكثرهم متعصبون لقريش أكثر من عمر ، كالوهابية ، فقد صحح الألباني حديث اشتراط القرشية في الحاكم في صحيحته برقم 1552 ، وقال في : 4 / 70 : ( ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية ، أن يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إلى دينهم ويتبعوا أحكام شريعتهم ، ومن ذلك أن الخلافة في قريش ، بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه ) . وصحح في : 3 / 7 ، حديث الخلافة في قريش رقم 1006 ، وقال : ( وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً ، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً ، الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً . . . ) .
وصحح حديثاً آخر برقم 1851 يقول : ( الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة ) . وعلى فتواه يجب أن يكون الحاكم في عصرنا من قريش ، والوزراء من الأنصار ، ووزير الأوقاف والإعلام والمفتي من الأفارقة ، والأحوط أن يكونوا من أثيوبياً !
13 ـ تخبط الشراح السنيين في تفسير الأئمة الإثني عشر عليهم السلام
لا يدل حديث الأئمة الإثني عشر عليهم السلام على أنهم يحكمون بعد النبي صلى الله عليه و آله ، بل يدل على أن إمامتهم تبدأ بعد وفاته صلى الله عليه و آله مباشرة ، سواء كانوا حكاماً أو محكومين . وقد نصت رواية ابن سمرة وابن مسعود على أن الأمة تخذلهم وتعاديهم ، ففي الطبراني الكبير : 2 / 213 : ( يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم . . . إثنا عشر قيِّماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم ) ، وبذلك ينطبق الحديث على الأئمة الإثني عشر من عترة النبي صلى الله عليه و آله .
كما أن صيغ أحاديثهم تدل على أن مدتهم طويلة ، بل ثبت أنهم يبقون إلى آخر الدنيا ، ولا يستوعب وجودهم هذه العصور إلا بأن يمد الله في عمر خاتمهم عليهم السلام كما نصت أحاديثنا .
فقد روى أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف / 173 : بسنده عن أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش ، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها ) . ونحوه إعلام الورى / 364 ، وفي الكافي : 1 / 179 و 534 ، أن أبا حمزة سأل الإمام الصادق عليه السلام : ( أتبقى الأرض بغير إمام ؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ) !
فالمتعين تفسير الحديث النبوي بالأئمة الإثني عشر من عترة النبي صلى الله عليه و آله ، لأن تفسيره بغيرهم ترد عليه إشكالات كثيرة ، كما قال الكنجي في ينابيع المودة / 446 : ( قال بعض المحققين : إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه و آله اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة . . . فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلم أن مراد رسول الله صلى الله عليه و آله من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته عليهم السلام ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقِلَّتِهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم من غير بني هاشم ، لأن النبي صلى الله عليه و آله قال : كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر . . . ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور . . . فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه و آله ، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلَّهم و أورعهم وأتقاهم ، وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً ، وأكرمهم عند الله ) . انتهى .
لكن الشراح السنيين لا يقبلون هذا التفسير ، لأنهم بذلك يصيرون شيعة ! ولذا قالوا لأتباعهم إن حديث الأئمة الإثني عشر صحيح ، لكن لا تقبلوا تفسير الشيعة ، ونحن نفسره لكم ! وإلى يومنا هذا لم يجدوا تفسيراً مقنعاً ولن يجدوا ! لأنهم يريدون تطبيقه على الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه و آله من الخلفاء الأربعة ، وابن الزبير ، وسلسلة خلفاء بني سفيان وبني مروان ، ثم بني العباس ، وبعضهم يضيف أمويي الأندلس ، والسلاجقة ، والمماليك ، والأتراك ! فيجدونهم أضعاف العدد المطلوب ، فيختارون أحسنهم ويخلعون عليهم صفة الأئمة الربانيين ويحذفون الباقي ! وهي تفسيرات اعتباطية لتكميل العدد ، لا تستند إلى أساس ولا تقف عند حد ، كمن يختار اثني عشر شخصاً من رؤساء المسلمين وملوكهم المعاصرين ، ويقول إنهم الأئمة الإثنا عشر الربانيون الذين اختارهم الله تعالى للأمة على لسان رسوله صلى الله عليه و آله ! فيواجه إشكالات لا فكاك له منها :
منها : أنهم أئمة ربانيون فلا بد أن يكونوا متفقين ، لأنهم على خط واحد وهدى من ربهم ونبيهم ، بينما خلفاء السنيين وأئمتهم مختلفون متقاتلون . . فهل سمعتم بحرب وقتال بين الأنبياء عليهم السلام حتى تقنعونا بإمكانها بين الأئمة الربانيين عليهم السلام ، وكيف يكونون ربانيين وبعضهم يكيد للآخر ويقاتله ، ويفسقه ويكفره ، أو يذبحه ذبح الخروف ، أو يسمل عينيه ويقطع لسانه ويديه ورجليه ، لكي يجلس مكانه!
ومنها : مادام النبي صلى الله عليه و آله قال : إنهم يكونون من بعده ، ولم يقل إنهم يحكمون ، فلماذا يلزمون أنفسهم بالعثور عليهم في الحكام فقط ؟! وقد حكم أكثر علماء الجرح والتعديل بأن وصفهم بأنهم يحكمون وتجتمع عليهم الأمة ، زيادة منكرة .
ومنها : أنهم بهذا التفسير يصيرون ملكيين أكثر من الملك والخليفة فيعطون صفة الإمام الرباني لحكام يحبونهم ، ويثبتون لهم ما لم يدَّعوه هم لأنفسهم ، ابتداءً من عمر بن الخطاب إلى آخر خلفاء العثمانيين! فلو كان أحدهم إماماً بأمر الله تعالى لعرف نفسه ! بينما لم يدَّع أحد منهم أنه إمام من الله تعالى إلا أئمة العترة النبوية عليهم السلام .
ومنها : أن أكثر الذين يعدونهم أئمة ربانيين ، ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه و آله ! فهل رأيتم أمة يحكمها أئمة ملعونون على لسان نبيها ؟! فقد ثبت عندهم أن النبي صلى الله عليه و آله لعن الحكم وابنه مروان ونفاهما من المدينة ، ورأى أبا سفيان راكباً على جمل يجره معاوية ويقوده ولده الآخر ، فلعن الراكب والقائد والسائق ! (18) .
لهذه الإشكالات وغيرها ، كثرت أقوالهم في تفسير الأئمة المبشر بهم عليهم السلام ، حتى زادت عن ثلاثين قولاً ، وكلها معلولة ينقض بعضها بعضاً . ولعل أقدمها تفسير ابن حبان كما في عون المعبود في شرح أبي داود : 11 / 361 : قال : ( وأما : الخلفاء اثنا عشر ، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره : إن آخرهم عمر بن عبد العزيز ، فذكروا الخلفاء الأربعة ، ثم معاوية ، ثم يزيد ابنه ، ثم معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم عبد الملك ابنه ، ثم الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر بن العزيز . وكانت وفاته على رأس المائة ) .انتهى . وقد أثبت التفسير الأموي اسم يزيد بن معاوية فجعله من الأئمة الربانيين عليهم السلام ! وهي درجةٌ لا يطمع فيها يزيد ولا محبوه ، لأنهم إلى اليوم يكافحون لإثبات إسلامه وعدم ارتداده بسبب تصريحاته وجرائمه في كربلاء والمدينة والكعبة !
كما أن التفسير الأموي حذف اسم المهدي عليه السلام مع أنه إمام رباني بأحاديث صحيحة . واسم الإمام الحسن عليه السلام مع أنه بايعه المسلمون ما عدا أهل الشام وحكم ستة أشهر ، وأثبته السنييون المتأخرون عنهم . بل يجب أن يثبتوا الحسنين عليهما السلام ، لأن النبي صلى الله عليه و آله نص على أنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وإمامان قاما أم قعدا .
كما أن التفسير الأموي تجاهل حديث ( سفينة ) الآتي وهو صحيح عندهم ينص على أن الخلافة ثلاثون سنة وبعدها الملك العضوض ، فهو ينفي خلافة الأمويين والعباسيين ، لأن صاحب الملك العضوض الظالم لا يمكن أن يكون إماماً ربانياً !
ثم جاء علماء العهد العباسي فنسخوا التفسير الأموي وأدخلوا بعض ملوك بني عباس في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، وحذفوا بني أمية كلاً أو بعضاً ! لكنهم بشكل عام ظلوا الى اليوم يدورون في فلك التفسير الأموي ! قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 10 : ( قال القاضي عياض : لعل المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة ، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية ، فاستأصلوا أمرهم . قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه ، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : كلهم يجتمع عليه الناس . قلت : وعلى هذا فقد وجد من الإثنا عشر خليفة : الخلفاء الأربعة ، والحسن ومعاوية ، وابن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية . ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين ، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، وكذلك الظاهر ، لما أوتيه من العدل ، وبقي الإثنان المنتظران : أحدهم المهدي ، لأنه من آل بيت محمد (ص) ) . انتهى .
لاحظ أن السيوطي وابن حجر أخذا بزيادة ( كلهم تجتمع عليهم الأمة ) مع أنها لم تثبت ، وقال الألباني الوهابي وغيره : إنها منكرة .
كما أنهم تجاوزوا حديث سفينة الآتي الصحيح عندهم !
ويظهر أن السيوطي لم يقرأ كلام عياض وابن حجر جيداً ! فعياض لم يجزم بشئ ، بل ذكر وجوهاً عديدة بصيغة قيل ويحتمل ، ورجح ابن حجر الإحتمال الثالث منها ترجيحاً فقط ، قال : ( وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي ) .
وقد أورد في عون المعبود : 11 / 362 ، وجوهاً ومزيداً من تحيرهم ! ونقل عن صاحب ” قرة العينين” أن ملك بني أمية عضوض وخلافتهم ليست خلافة نبوة ومع ذلك فسر بهم حديث الأئمة الربانيين ! وحذف منهم الإمام الحسن والإمام المهدي عليهما السلام ، كما حذف ابن الزبير الذي أثبته مالك وآخرون . .إلخ . ! ثم انتقد الذين غلطوا في تفسيره فقال : ( وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث ) !
وقد كان وعد الناس بأن يرفع المعضلة فزادها إعضالاً ، وأن يحل المشكلة فزادها إشكالاً !
كما اعترف ابن الجوزي في كشف المشكل بتحريف الرواة فقال : ( قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه ، وسألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ، لأن ألفاظه مختلفة ، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة ) (19) .
وقد كتب ابن كثير في النهاية : 3 / 248 ، صفحات في ذكر الوجوه ومناقشة تفسير البيهقي وغيره ، قال : ( ذكر الإخبار عن الأئمة الإثني عشر الذين كلهم من قريش وليسوا بالإثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة ، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يلِ أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن ، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر بسرداب سامرا ، وليس له وجود ولا عين ولا أثر . بل هؤلاء الأئمة الإثنا عشر المخبر عنهم في الحديث : الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وعمر بن عبد العزيز . . .
ثم قال : فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الإثني عشر المذكورين في هذا الحديث ، هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد ، فإنه مسلك فيه نظر ، وبيان ذلك : أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير ، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة . ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه وبايعه أهل العراق ، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام ، حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري . ثم معاوية ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ، فهؤلاء خمسة عشر ، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك . فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر ، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه وعدُّوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام ، حتى الرافضة يعترفون بذلك .
فإن قال : أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه ، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما ، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، وعدّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير ، فإن الأمة لم تجتمع على واحد منهما . . .ولكن هذا لا يمكن أن يسلك ، لأنه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر ، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل والشيعة ، ثم هو خلاف ما دل عليه نصاً حديث سفينة عن رسول الله (ص) أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكاً عضوضاً ) . انتهى .
ومن أعقل علمائهم وأكثرهم إنصافاً في هذا الموضوع : ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543 ، فقد اعترف في عارضة الأحوذي بشرح الترمذي بأن تطبيق الحديث على هؤلاء يصل إلى طريق مسدود ، ورجح أن يكون الحديث ناقصاً ، لأن الموجود منه لا يفهم له معنى . . قال : ( روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش . صحيح . فعددنا بعد رسول الله (ص) اثني عشر أميراً فوجدنا : أبا بكر ، عمر ، عثمان ، علي ، الحسن ، معاوية ، يزيد ، معاوية بن يزيد ، مروان ، عبد الملك ، مروان بن محمد بن مروان ، السفاح ، المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد ، الأمين ، المأمون ، المعتصم ، الواثق ، المتوكل ، المنتصر ، المستعين ، المعتز ، المهتدي ، المعتضد ، المكتفي ، المقتدر ، القاهر ، الراضي ، المتقي ، المستكفي ، المطيع ، الطائع ، القادر ، القائم ، المقتدي أدركته سنة أربع وثمانين وأربعمائة وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه ، وتوفي في المحرم سنة ست وثمانين ، ثم بايع المستظهر لابنه أبي منصور الفضل ، وخرجت عنهم سنة خمس وتسعين . وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك . وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة : الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ! ولم أعلم للحديث معنى ، ولعله بعض حديث ) ! انتهى .
فاتضح لك أن المفسرين السنيين حاولوا تفسير هؤلاء الأئمة الإثني عليهم السلام بملوك بني أمية فواجهوا مشكلة زيادة عددهم على الإثني عشر ، وأن الحذف والإثبات لا ضابط له !
والمشكلة الأكبر أن هذا الثوب الإلهي جبة كبيرة ، لم يدعها أئمتهم لأنفسهم ! فمثل هؤلاء المشايخ كمن يدعي نبوة لنبي ، ونبيه المزعوم لا خبر عنده ، لا من ربه ولا من الناس !
14 ـ تورط الشراح السنيين في حديث سفينة
( سفينة ) غلام لأم سلمة ، سموه سفينة لأنه كان يحمل على ظهره كثيراً ، وقد وثقه علماء الجرح والتعديل السنيون ، وروى عنه بخاري وغيره حديثاً يتعلق بالموضوع وصححوه . قال الترمذي : 3 / 341 : ( عن سعيد بن جمهان قال : حدثني سفينة قال : قال رسول الله (ص) : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملكٌ بعد ذلك عضوض . ثم قال لي سفينة : أمسك عليك : خلافة أبي بكر ، ثم قال : وخلافة عمر ، وخلافة عثمان ، ثم قال : أمسك خلافة علي ، فوجدناها ثلاثين سنة . قال سعيد : فقلت له : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ؟ قال : كذب بنو الزرقاء ! بل هم ملوك ، من شر الملوك . وفي الباب عن عمر وعلي قالا : لم يعهد النبي (ص) في الخلافة شيئاً . هذا حديث حسن ، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ) . ورواه أحمد في مسنده : 5 / 220 ، و221 ، وحذف منه كلام سفينة عن ملوك بني أمية . وقال عنه الحاكم : 3 / 71 : وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعاً إلى النبي (ص) . ورواه ابن كثير في النهاية : 3 / 198 : ثم روى بعده عن عبد الرحمن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : خلافة نبوة ثلاثون عاماً ، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء ، فقال معاوية : رضينا بالملك ) .
فحديث سفينة الصحيح عندهم إخبار نبوي عن انحراف الأمة بعد الثلاثين سنة ، وعدم شرعية الحكم فيها . والخلفاء الشرعيون في هذه الفترة لايزيدون عن خمسة ، فلا يصح عد من بعدهم خلفاء وتطبيق الحديث النبوي عليهم ! لكن أكثر مشايخهم أشربوا في قلوبهم حب بني أمية ، وارتكبوا التناقض لجعل ملوكهم العضوضين أئمة ربانيين وسرقوا لهم حديث الأئمة الإثني عشر عليهم السلام !
قال في النهاية : 3 / 198 : ( فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا ، وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم في صحيح مسلم ؟ فالجواب : أن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية . وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلاً من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ( التتابع ) وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون ، فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي ، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة ، حتى قال أحمد بن حنبل : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز ! ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي . والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضاً بالنص على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ، وليس بالمنتظر في سرداب سامرا فإن ذاك ليس بموجود بالكلية ، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض ) .انتهى . فترى ابن كثير لاجواب عنده على إشكال حديث سفينة ، فقال : من الناس من قال . . وقال آخرون . . ومنهم من ذكر ! وقد لاحظت هواه وتدليسه بحذفه بقية حديث سفينة ، كما روته مصادرهم ! ثم رأيت هواه الذي جعله يستدل على أن عمر بن عبد العزيز من الإثني عشر عليهم السلام بأن ابن حنبل وثقه ، فكأن توثيق ابن حنبل يكفي ليكون من يوثقه إماماً ربانياً !
أما تكراره اتهام الشيعة بانتظار ظهور المهدي الموعود من سرداب سامراء ، فهو من مكذوباتهم علينا ، فنحن ننتظره عليه السلام من مكة كما ينتظره هو ، وسرداب سامراء غرفة في بيته وبيت أبيه وجده عليهم السلام وهو مكان مبارك نصلي فيه ونتبرك به ، ولكن ابن كثير كثير البغض للشيعة والإفتراء عليهم ، وشديد التعصب لأسياده بني أمية أصحاب الملك الجاهلي الذين أخبر النبي صلى الله عليه و آله أنهم يَعُضُّون أمته كالكلاب بظلمهم ؟! وليته وأمثاله من غلمان بني أمية كابن حبان وابن حجر وابن قيم وصاحب قرة العينين ، ليتهم اكتفوا بموالاتهم لهم ، لكنهم أصروا على تحريف الأحاديث النبوية وتوظيفها لهم ، وغصب حق الأئمة الربانيين من العترة النبوية عليهم السلام وإعطائه لملوكهم العضوضين !
أما الوهابية المعاصرة ، فقد صحح عالمهم الألباني عدة أحاديث عن الإنحراف والأئمة المضلين الذين سيحكمون بعد النبي صلى الله عليه و آله ، منها حديث برقم 2982 ( إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ) ! وحديث برقم 2864 ( إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ) . وحديث برقم 2865 ( إني ممسك بحجزتكم عن النار ، وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ، ويوشك أن أرسل حجزتكم . . . ) . وحديث برقم 1749 ( أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ) . وجعل هذا الحديث تحت عنوان : من أعلام نبوته الغيبية ، وقال بعده : ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة ! وصحح حديث برقم 744 : ( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دَخَلاً ، وعباد الله خَوَلاً ومال الله دِوَلاً ) .
كما صحح حديث سفينة برقم 459 ! ومع ذلك قال مدافعاً عن الأمويين : ( فلا ينافي مجئ خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة ! فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لاغيرهم كما هو واضح ! ويزيده وضوحاً قول شيخ الإسلام في رسالته المذكورة : ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكاً ولم يكونوا خلفاء الأنبياء . . ) .إلخ .
فقد أفتى الألباني تبعاً لابن تيمية بأن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام القيمين على الأمة بتعيين رب العالمين هم خلفاء ، وإن كانوا ليسوا خلفاء الأنبياء والإسلام ، بل خلفاء جاهلية يعضون الأمة كالكلاب !
وهكذا يعطي هؤلاء النواصب بغلوهم في بني أمية ، الحجة على ربهم سبحانه وعلى نبيه صلى الله عليه و آله ! ليقول المستشرقون : إن ربكم ونبيكم أيها المسلمين مزاجيان ، فهما يلعنان أشخاصاً ويذمانهم ويتبرآن منهم ثم يرضيان عنهم ويعلنان للمسلمين : إنا نبشركم بهم وبأولادهم ، فهم أئمة ربانيون معصومون ! وهل دخل المستشرقون الخبثاء وطعنوا في الإسلام ، إلا من أكاذيب القرشيين وإمامهم كعب الأحبار لمدح زعمائهم والطعن في النبي صلى الله عليه و آله ؟!
15 ـ أخفوا أحاديث النبي صلى الله عليه و آله في الأئمة الإثني عشر عليهم السلام
ما أكثر ما أخفت الحكومات من أحاديث النبي صلى الله عليه و آله حتى منعت مجرد التحديث عنه ، وحرَّمت وقاومت تدوين سنته لأكثر من قرن !
وما أكثر الأحاديث التي كذبوها على رسول الله صلى الله عليه و آله وأشاعوها رغم تحذيراته المشددة من الكذب عليه !
وطبيعي أن تكون أحاديثه صلى الله عليه و آله في حق أهل بيته عليهم السلام في طليعة الأحاديث التي حرصوا على إخفائها ، فإن أفلت منها شئ عملوا على معالجته بتكذيبه ، أو بتحريفه ، أو بوضع حديث مضاد له ! فإن لم يستطيعوا إحباطه بذلك ، قدموا له تفسيرات تخدم السلطة !
لذلك إذا أردت أن تعرف أحاديث النبي صلى الله عليه و آله في الأئمة الإثني عشر فعليك أن تطلبها من مصادر أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، فإنك لا تجد منها في مصادر غيرهم إلا نتفاً أفلتت وأجزاء من حديث كما قال عدد من علماء السنة في حديث جابر بن سمرة !
ومن الأعمال الحديثية المهمة لعلمائنا في هذا الموضوع ، كتاب (كفاية الأثر) الذي صنفه المحدث الخبير علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن الثالث ، وقد شرح سبب تأليفه بتضييع المخالفين لأحاديث الأئمة الإثني عشر وأمثالها ، قال في مقدمته ص 7 : ( أما بعد : فإن الذي دعاني إلى جمع هذه الأخبار ، عن الصحابة والعترة الأخيار ، في النصوص على الأئمة الأبرار ، أني وجدت قوماً من ضعفاء الشيعة ومتوسطيهم في العلم متحيرين في ذلك ومتعجزين ، يشكون فرط اعتراض المشبهة عليهم وزمرات المعتزلة ، تلبيساً وتمويهاً عاضدتهم عليه ، حتى آل الأمر بهم إلى أن جحدوا أمر النصوص عليهم ، من جهة لا يقطع بمثلها العذر ، حتى أفرط بعضهم وزعم أن ليس لها من الصحابة أثر . . . فلما رأيت ذلك كذلك ، ألزمت نفسي الإستقصاء في هذا الباب موضحاً ما عندي من البينات ، ومبطلاً ما أورده المخالفون من الشبهات ، تحرياً لمرضاة الله وتقرباً إلى رسوله صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام من بعده .
وأبتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله المعروفين مثل عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وأبي هريرة وعمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبي أمامة ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي أيوب الأنصاري ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن أسيد ، وعمران بن الحصين ، وسعد بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي قتادة الأنصاري ، وعلي بن أبي طالب ، وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام . ومن النساء : أم سلمة ، وعائشة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله . ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمة صلوات الله عليهم ، مما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الأئمة ، ونص كل واحد منهم على الذي من بعده ، ليعلموا إن أنصفوا ويدينوا به ، ولا يكونوا كما قال الله سبحانه : ﴿ … فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ … ﴾ (20) ، إذ مثل هذه الأخبار تزيل الشك والريب ، ويقطع بها العذر ، وإن الأمر أوكد مما ذهبوا إليه ) . انتهى .
ثم عقد قدس سره باباً لما روي عن كل واحد من هؤلاء الصحابة ، بسنده المتصل إليه عن رسول الله صلى الله عليه و آله ، فحفظ بذلك عدداً من النصوص التي ضاعت ، أو تشتتت أجزاء ونتفاً . ولا يتسع المجال لإيراد نماذج كثيرة من أحاديثه ، وكلها تكشف الحق وتحيي القلب ، فنذكر منها حديثاً واحداً من ص 180 ، بسنده عن سداد بن أوس عن أم سلمة ، قال سداد : ( لما كان يوم الجمل قلت : لا أكون مع علي ولا أكون عليه ، وتوقفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فلما كان قرب الليل ألقى الله في قلبي أن أقاتل مع علي ، فقاتلت معه حتى كان من أمره ما كان ، ثم إني أتيت المدينة فدخلت على أم سلمة ، قالت : من أين أقبلت ؟ قلت : من البصرة . قالت : مع أي الفريقين كنت ؟ قلت : يا أم المؤمنين إني توقفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، وألقى الله عز وجل في قلبي أن أقاتل مع علي . قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : من حارب علياً فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله! قلت : فترين أن الحق مع علي ؟ قالت : إي والله علي مع الحق والحق معه والله ما أنصف أمة محمد نبيهم صلى الله عليه و آله إذ قدموا من أخره الله عز وجل ورسوله وأخروا من قدمه الله تعالى ورسوله ! وأنهم صانوا حلائلهم في بيوتهم وأبرزوا حليلة رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الفناء ! والله سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا وإن سالموا فسالموا وإن زالوا فزولوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا . قلت : فمن أهل بيته ؟قالت : أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم ؟ قالت : هم الأئمة بعده كما قال : عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاه ، وتسعة من صلب الحسين هم أهل بيته ، هم المطهرون والأئمة المعصومون . قلت : إنا لله هلك الناس إذاً ! قالت : كل حزب بما لديهم فرحون ) . انتهى .
وفي آخر عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم ) . انتهى (21) .
المصادر :
1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 54 .
2. القران الكريم : سورة فاطر ( 35 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 438 .
3. كما تقدم من مسلم ، وأحمد : 5 / 92 و 94 و 99 و 108 والترمذي : 3 / 340 ، وتاريخ بخاري : 1 / 446 ، وصواعق ابن حجر / 20 : عن عبد الله بن عمر .
4. تهذيب التهذيب : 2 / 35 .
5. مسلم : 7 / 81 .
6. أسد الغابة : 1 / 254 .
7. الطبقات : 1 / 372 .
8. ومثله أحمد : 5 / 98 .
9. نهج البلاغة : 1 / 82 و 2 / 27 .
10. القران الكريم : سورة الصف ( 61 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 552 .
11. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 54 .
12. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 37 ، الصفحة : 54 .
13. a. b. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 192 .
14. و : 5 / 204 ، و 6 / 235 . وأبو داود : 1 / 435 . وأحمد : 5 / 37 .
15. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآيات : 27 – 31 ، الصفحة : 362 .
16. كنز العمال : 6 / 89 . وروته مصادرهم كأحمد : 1 / 398 و 406 ، وكنز العمال : 6 / 89 ، عن ابن سعد وابن عساكر ، و : 12 / 32 ، عن أحمد والطبراني وابن حماد ، وغيرهم . وروته مصادرنا بسند ليس فيه مجالد كالإختصاص للصدوق / 233 ، والخصال / 466 وكفاية الأثر للخزاز / 73 ، وغيبة النعماني / 106 .
17. a. b. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 423 .
18. مجمع الزوائد : 1 / 113 .
19. فتح الباري : 13 / 183 .
20. القران الكريم : سورة الجاثية ( 45 ) ، الآية : 17 ، الصفحة : 500 .
21. بشارة النبي صلى الله عليه و آله بالأئمة الإثني عشر ، علي الكوراني العاملي ، الناشر : دار الهدى ـ قم ، الطبعة الأولى ، سنة 1427 هجرية ـ 2006 ميلادية ، ص 103 ـ 57 .